الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يفكك (الإجراءات) الاقتصادية المرتقبة
يبدو أن الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية التي يمر بها السودان حاليا أثرت على جميع مناحي الحياة، مما جعل البحث عن حلول آنية وبعيدة المدى الشغل الشاغل للجميع، إذ لا يخلو لقاء أو خطاب لمسؤول في الدولة إلا وحوى وعوداً وتطمينات بمعالجات قادمة في الاقتصاد، كان الرئيس البشير أمس الأول وهو يتحدث في مؤتمر شورى المؤتمر الوطني عن معالجات قادمة لإصلاح الاقتصاد السوداني، في هذه المساحة وضعنا بعض الأسئلة على طاولة الخبير الاقتصادي، الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين محمد الناير ليشرح لنا المعالجات الممكنة للاقتصاد السوداني على ضوء خطاب رئيس الجمهورية أمس الأول، فكانت الحصيلة التالية..
* الرئيس البشير خلال خطابه في مؤتمر شورى المؤتمر الوطني أمس الأول وعد بإصلاحات اقتصادية، ما هي هذه الإجراءات بحسب الواقع الاقتصادي الماثل؟
– ما قاله رئيس الجمهورية لن يخرج عن المعالجات التي ظللنا نذكرها دائمًا وهي الإنتاج والإنتاجية.
*الإنتاج والانتاجية ذاتها تحتاج إلى تعريف أكثر دقة لفائدة القارئ؟
– ببساطة هي أن ننتج لنغطي استهلاكنا أو جزءاً منه ونصدر، وهذه لها شقان آني وبعيد المدى، وحتى بعيد المدى هذا يحتاج إلى عمل وترتيب منذ الآن، على سبيل المثال يجب أن نستفيد من خريف هذا العام ونعمل على وصول الوقود إلى المزارعين حتى لا نفقد الموسم الزراعي، وهذا الإجراء لا يعول عليه في العام 2018م، بل في العام القادم 2019م، وكما قلت لك هذا يحتاج إلى عمل متواصل منذ الآن.
*ماذا عن المعالجات الآنية؟
– هي كالآتي: العمل على جذب تحويلات المغتربين، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى استقرار سعر الصرف.
*بكم تقدر تحويلات المغتربين في العام الواحد؟
– تحويلات المغتربين في العام حوالي 8 مليارات دولار، ولكي تجلب هذا المبلغ الكبير لا بد من وجود حوافز وهذا ما ظللنا نردده كثيرًا.
*ما هي الحوافز المطلوبة؟
-هنالك حوافز أعلن عنها في مجلس الوزراء، لكن حتى الآن غير واضحة المعالم، والحوافز هي إعفاء جمركي كامل لسيارات المغتربين، وتوفير سكن رأسي بتمويل بنكي (شقق) هذا من شأنه أن يرتب أوضاع المغتربين ويغريهم لتحويل أموالهم عبر المنافذ الرسمية.
*والعامل الآخر؟
– بعد اتفاقية سلام جنوب السودان ستتم الاستفادة من بترول دولة الجنوب عبر رسوم العبور المحددة عبر السودان، وهي تقدر بثلاثة مليارات دولار، وإذا تم ضخ البترول بحسب الاتفاق بين وزراء نفط البلدين في سبتمبر سيكون نصيب السودان مليار دولار في متبقي هذا العام، هذا بالإضافة لمدخلات الذهب والمعادن.
*كم هي تقديرات عائدات الذهب؟
– في العام 2017م كان إجمالي الذهب السوداني 107 أطنان، وقيمتها لا تقل عن أربعة مليارت ونصف، والمصدر من ذلك عبر بنك السودان 30 طناً فقط بقيمة مليار ونصف فقط، هذا يعني أن الفارق 3 مليارات دولار.
*أين ذهب فارق الذهب بهذه الكمية الكبيرة؟
– الفارق هو إما تم تهريبه أو تخزينه، وهذه كلها حلول ومعالجات متاحة تحتاج إلى تفعيل.
*هل هذه هي الحلول التي عناها رئيس الجمهورية أمس الأول؟
– في كل الأحوال لن تخرج عن تلك الخيارات، إلا إذا كان الرئيس يتحدث عن وعد بوديعة من دولة صديقة للبنك المركزي، أو قرض لميزان المدفوعات، وهذه لا علم لنا بها، ولكن من الواقع هذه هي الخيارات التي سنتحرك فيها، بجانب ترشيد إنفاق الدولة وترتيب الأولويات والانتقال إلى منظومة الدفع الإلكتروني كما أعلنت الحكومة ذلك.
*كيف تقيم رقابة الدولة على الأسواق؟
– الدولة غائبة عن السوق تماماً، وهنالك فهم مغلوط للسوق الحر، وهو أن التاجر يبيع كما يشاء، وهذا خطأ كبير، ويفترض أن أي سلعة لها سعر معلوم وتكلفة محددة، وبالتالي يجب أن يكون السعر معلوماً ومحدداً، وما يحدث الآن هو فوضى الأسواق.
*برأيك.. كيف تكون المقاربة بين السوق والمرتبات؟
– لا بد من إيجاد موارد، ورفع الأجور للقطاع العام والخاص، بالرغم من أن القطاع الخاص أفضل حالاً، والقطاع العام رواتبه ضعيفة من أصغر عامل إلى رئيس الجمهورية ولا تتوافق مع الأوضاع المعيشية.
* إذن.. ما هي المعالجات المطلوبة؟
– زيادة المرتبات ليست كافية، يجب ضبط الأسواق، والعمل على استقرار أسعار الصرف، لأن الزيادات في الرواتب مهما ارتفعت حتى وإن بنسبة 50% فهي أيضاً ضعيفة، والمطلوب هو إعادة هيكلة الرواتب بصورة مختلفة، وهذا من شأنه الدفع بالعمل والإنتاج طالما أنك وفرت للموظفين درجة من الاستقرار الوظيفي.
* هنالك انخفاض ملحوظ هذه الأيام في أسعار العملات الأجنبية، خاصة الدولار إلى ماذا تعزو ذلك؟
– هذا هو حال سوق الصرف منذ انفصال الجنوب. أصبح السوق الموازي متحكماً في أسعار العملات، ومن قبل كان البنك المركزي مسيطراً ومتحكماً في النقد الأجنبي، وأيضاً عندما يعلن الرئيس انسياب البترول من جنوب السودان عبر السودان ينخفض الدولار والعكس أيضًا عندما يعلن توقيف عبور البترول، وإذا تم ضخ البترول في الثاني من سبتمبر كما تم الاتفاق على ذلك سينخفض الدولار بصورة ملحوظة، وانعدام السيولة في البنوك أيضاً أسهم في ذلك.
* كيف تنظر لقرار تجفيف السيولة من البنوك؟
– هذا ليس حلاً، الحل هو في الدفع الإلكتروني وليس منع الناس من أخذ أموالهم، والتعامل الإلكتروني يتطلب أن يجد الشخص كل السلع والخدمات متوفرة، وبهذا سيكون النقد بحوزة النظام المصرفي، ولن يحتاج المواطن إلى التعامل بالكاش كثيراً..
حوار: محمد أبوزيد كروم
الخرطوم (جريدة الصيحة)