( ويركب الحافلات )
:: ومن غرائب تصريحات المسؤولين بالسلطات الرقابية في بلادنا، يوم السبت الفائت – بصحيفة الانتباهة – وصف أحد أعضاء المجلس التشريعي بالخرطوم وزير التعليم فرح مصطفى بالخليفة عمر بن عبد العزيز، وأجرى النائب معتصم يوسف مقارنة بين الخليفة عمر والوزير فرح، موضحاُ : (لم أر شبيهاً لفرح إلا خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز)، ثم مضى مادحاً : ( هو – مثل عمر بن عبد العزيز – ينزل للميدان، ويركب الحافلات، ويدفع لبناء المدارس)، ولم يُسهب، وكذلك لم يوضح من أين يدفع أموال المدارس ..؟؟
:: وخيراً فعل، و ربما لو أسهب لقال : ( ويركب الحافلات ويأكل الطعام و يمشي في الأسواق و يدفع من جيبه لبناء المدارس).. وهناك سابقة في انتاج هذا النوع من الثلج المنافس لجودة ثلج الاسكيمو.. قبل عام تقريباُ، وثقت الصحف جلسة لهذا المجلس الرقابي، وكانت -كما مجالس هارون الرشيد – ضاجة بالمدح والتزلف .. شكروا وزير الصحة ومدحوه، وتحدثوا عن نشاطه وإنجازاته، و طالبوا رئيس الجمهورية بمنحه وسام الجمهورية.. ثم بلغ التزلف مقاماً قال فيه النائب كمال حمدنا الله : (في الحج بلغني أحد الأطباء بأنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه : بلغ سلامي لمأمون حميدة)..!!
:: وهكذ .. فالعلاقة ما بين المسؤولين بالسلطات الرقابية والمسؤولين بالسلطات التنفيذية (علاقة تزلف) و (كسير تلج)، وليست علاقة مراقبة ومساءلة ومحاسبة، كما ينص الدستور والقانون .. ومن سوء حظ النائب معتصم، قبل أن يكتمل عُمر مدحه للوزير فرح مصطفى أسبوعاُ، لقيت ثلاث طالبات مصرعهن – صباح الأمس – إثر انهيار سورمدرسة الصديق الخاصة للبنات بأمبدة، أي انتقلت أرواحهن من تحت أنقاض الجدار إلى رحمة الله، رحمهن الله و ألهم أسرهن وأهلهن بالصبر ..!!
:: وقبل هذه المآساة بأيام، كتبت محذراً بالنص : على سبيل المثال، بالخرطوم، نجا تلاميذ إحدى مدارس الأساس بالخرطوم بحري من الموت إثر إنهيار عرش فصلهم على رؤوسهم، بحيث نجحت إحدى المعلمات في إجلاء الصغار من تحت الركام ، ثم تدخل معتمد بحري – كالعادة بعد خراب مالطا- باييقاف التدريس بالفصل المنهار ثم ثلاثة فصول أخرى على وشك الإنهيار وبولاية كسلا ، بعد أسابيع من المغامرات، قررت حكومتها اغلاق المدارس – لأجل غير مسمى – تحسباً لمخاطر الأمطار..!!
:: وعندما أنهارت الفصول- ليلاً – بالنهود والفاشر و كسلا وغيرها ، فان التلاميذ كانوا في بيوتهم، وإلا لكانوا في عداد الموتى .. ربما يظن السادة وزراء التربية والتعليم بكل ولايات السودان – ما عدا ولاية البحر الأحمر – بان البنية التحتية لمدن وقرى بلادنا بذات قوة وتخطيط البنيات التحتية لمدينة لندن والريف الانجليزي، ولذلك يعلنون – بكل ثقة وجرأة – عن بداية العام الدراسي مع بداية مخاطر الأمطار.. نعم، فمن الغرائب أن بداية العام الدراسي في بلادنا تتزامن مع بداية الخريف ..!!
:: وسنوياً يتحدثون عن تغيير التقويم بحيث يجنبوا المدارس متاعب الخريف والتلاميذ مخاطر الأمطار..ولكنهم يتناسوا، ثم يقرروا بأن تكون بداية العام الدراسي مع بداية مخاطر الأمطار والسيول ..وفي خريف مضى ، بعد أن قررت وزارة التعليم عطلات الخريف ، قال وزيرها : ( تأجيل العام الدراسي بسبب الأمطار والسيول ليس بالأمر المزُعج)..وربما موت الصغيرات تحت أنقاض مدارسهن أيضاً ليس بالأمر المزعج لمن يشبهون أحد المسؤولين عن هذه المآساة بالخليفة عمر بن عبد العزيز ..!!