نسيبة بنت كعب .. امرأة بألف رجل
نسبها وسيرتها: هي أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارية الخزرجية، الصحابية المغوارة التي شاركت مع النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من غزواته الحربية، كما شاركت في حروب الردة بعد وفاته. هي من أوائل أهل المدينة المنورة إسلاما، وهي ثاني اثنتين من النسء اللتين بايعتا النبي في بيعة العقبة.
ولم يتثبت المؤرخون مما اذا كان أبوها ” كعب بن عمرو بن عوف ” أو أمها ” الرباب بنت عبد الله بن حبيب” قد دخلا الإسلام أم لا، ولكن الأرجح لأمها أنها دخلت الإسلام وضمدت لابنتها نسيبة جراحها في تلك الغزوة. وللسيدة “نسيبة بنت كعب” أخوان هما “عبد الله بن كعب” وقد شهد مع النبي عليه السلام المشاهد كلها، و”عبد الرحمن بن كعب” الذي شهد أيضًا مع النبي عليه السلام الغزوات كلها، و كان من البكائين الذين حجزهم عن الخروج في سبيل الله في غزوة تبوك فقرهم وضيق ذات أيديهم، ومن الذين نزلت فيهم آية ” وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ” وقد ولاه النبي عليه السلام مهمة قطع نخيل قبيلة بني النضير.
جهادها في سبيل الله: خرجت مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد بالأساس لسقاية وإسعاف الجرحى المسلمين، ولكن لما احتدم الوضع بين المسلمين والمشركين وبدت هزيمة المسلمين في الأفق، فحملت سيفا وقاتلت مع المسلمين قتالا شرسا وأبلت بلاء حسنا حتى أصابها ثلاثة عشر طعنة رمح وضربة سيف، وهناك دعا لهم النبي عليه السلام أن ترافقه في الجنة.
شاركت بعد غزوة أحد في غزوات أخرى منها غزوة بني قريظة وخيبر. وكانت فيمن خرج مع النبي عليه السلام سنة 66 هجريا لأداء العمرة، وقبل دخولهم مكة بعث النبي بعثمان بن عفان لقريش يبلغهم بأن قدومهم للعمرة لا للحرب، فلما تأخر شِيع بين صفوف المسلمين أنه قُتل، فبايع المسلمون النبي عليه السلام ثمّ على الموت في سبيل الله فداءً له وللدين، وقد أنزل الله فيهم الآية: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ..وقد شهد النبي عليه الصلاة والسلام بفضل كل من شهد هذه البيعة قائلا في الحديث الحسن الصحيح: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
شهدت مع النبي عليه السلام صلح الحديبية الذي تم بعد هذه البيعة وعمرة القضاء في العام الذي تلاها.
وقد أبدت شجاعة وإقداما لا مثيل له في موقعة حنين حين فر المسلمون من حول النبي عليه السلام بعد وقوعهم في الكمين الذي نصبته له قبيلة هوازن، وقد كانوا يومئذ عشرة آلاف مقاتل ممن فتحوا مكة، فلما رأتهم “نسيبة بنت كعب” على هذا الحال والفرار وقفت تصيح في عشيرتها الأنصار شاهرةً سيفها: “أيَّة عادة هذه؟ مالكم وللفرار؟” ووقفت تقاتل هي وقلة من المؤمنين مع رسول الله عليه السلام، فلما رأى الفارون موقفهم عادوا إلى ساحة الحرب واستأنفوا القتال مع النبي عليه الصلاة والسلام وأبلوا بلاء حسنا.
شاركت بعد وفاة النبي في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق، وفيها ثأر ابنها ” عبد الله بن زيد ” من “مسيلمة” الكذاب بعد أن قتل أخيه ومثل به. وقد طعنت في هذه الحرب 11 طعنًا ماتت على إثرها.
وفاتها: توفت في عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه متأثرة بجراحها ودفنت بالبقيع.