ع العنان من روائع الكاتب السياسى و الروائى أحمد غانم رواية إمراة من مصر , رواية
إمراة من مصر – رواية
ولدت بطلتنا فى أحد البيوت المصرية , وهو البيت الذى به ولدت و نشأت والدتها , فهو بالطبع بيتا ليس بالجديد , قد يُرى من الخارج بيتا عريقا و قد تراه عينا أخرى منزلا قديما , رغم أن البيت واحدا , و لكن شتان مابين النظرتين , و التى ترجع إلى العين التى تنظر , و الاحساس الذى يدرك .
وقد كان البيت لسبب خفى اختلف حوله الكثيرون فسار اهتمام الكثير من أهل المنطقة , بل الحى كله .
فبعض أهل المنطقة يرونه بيتا عريقا زادته آثار الزمن قيمة , مثله مثل التحف
و المبانى الأثرية و التى يزيدها الزمن قيمة و أهمية , و هو نفسه الزمن الذى بمروره تنعدم قيمة أشياء أخرى , فتصبح بلا قيمة بعد أن قيمت يوما ما بأموال طائلة .
فقد كان للبيت فى أعين الناس من سكان الحى نظرة هى اقرب للنظرة الفلسفية و التى تعكس الفلسفة الخاصة لوجهات نظرهم المختلفة حول البيت الذى تعيش فيه بطلتنا , فبينما تراه الغالبية من سكان الحى بحاجة إلى طلاء جديد بألوان زاهية تخطف الأبصار حتى يمكن تأجير واجهاته بأثمان باهظة و خاصة أنه يطل على واجهة رئيسية فى المنطقة , فيرى البعض من الناس أن قيمة البيت بكامله تكمن فيه كما هو .
بعد أن عرفنا بعض وجهات نظر السكان حول البيت من الخارج , و لكننا لم نعلم عنه شيئا من الداخل بعد , فلنراه من الداخل , و حيث انه هو بيت بطلتنا فلنراه بعينى بطلتنا إذ قد يراه الكثيرون من الداخل هو مثله من الكثير من البيوت المصرية , و لكن الأهم أن نعرف رأى بطلتنا و كيف ترى هى بيتها , لأنها بالطبع تراه من الداخل بصورة مغايرة عمن يرونه من الخارج , فمن الخارج تُرى جدرانا خارجية محتكة كثيرا بعوامل التعرية و المناخ المضطرب من حرارة شديدة و برد شديد , أما من الداخل تطالعنا جدران هى على علاقة مباشرة مع البشر , فهى تسمع أحاديثهم , و تعبر الجدران فى الداخل دائما عن شخص و شخصية حائز المكان , فتعليق بعض الصور و الرسومات يعبر دائما مكنونات نفس من اختارها فشتان مابين الداخل و الخارج فى احيان كثيرة و ان كانا لشئ واحد .
وهو بيت بطلتنا .
عاشت بطلتنا طفولتها داخل البيت الذى كانت ترى جدرانه عالية أمام أعينها الصغيرة , و قد كانت حدود البيت هى حدود عالمها الصغير , و لم تكن تشعر ان عالمها صغير بل كانت تشعر بأن عالمها – رغم محدودية حجم البيت – أن البيت و هو عالمها كبير و يستوعبها تماما باحاسيسها الصغيرة المختلفة و المتباينة فشعرت فيه بالامان و بأن الحياة صديقة لها , رغم أنها لم تعرف الصداقة بعد و إنما هى استوعبتها باسلوبها الفطرى المتميز .
لقد كانت الحياة بالنسبة لبطلتنا هى الطريقة الملائكية التى لم تكن تعرف أصلا انه يوجد غيرها فى التعامل مع الحياة و مع الناس من حولها و حتى مع الأشياء .
كشأن كل أنثى تطرب أذنتيها الصغيرتين لعبارات الإطراء عليها و حب الآخرين لها مما يزيد من صداقتها للحياة و صداقتها حتى للاشياء من حولها , إذ أن الاحساس المتدفق بالحيوية عندها أضفى لديها شعورا بالحيوية كانت تتعامل من خلاله مع الموجودات من حولها , فكانت تراعى مشاعر لعبها الصغيرة , إذ كانت تتعامل مع لعبها على أنها أحاسيس و هى يجب عليها مراعاة أحاسيس ألعابها .
و بدأت بطلتنا تكبر و تتعامل مع الحياة فى نطاق أكبر مما اعتادت التعامل معه , فأصبحت ترى من الحياة و تسمع من الناس كثيرا مما كان جديدا بالنسبة لها و منه ما كانت تستوعبه و منه مالم تستوعب منه الكثير و منه مالم تستوعب منه شئ , و منه ما رفضته دون استيعابه من الاساس و هو كل ما كان يتعارض مع مفاهيمها الصغيرة و الجميلة عن محبتها و مراعاتها لاحساس كل من حولها و ما حولها , فهى تعلم ضرورة حبها و احترامها لمشاعر الآخرين حتى قبل أن تتعلمها .
* و تكبر بطلتنا و تلتقط آذانها الصغيرة الكثير من الحياة و عن الحياة اذ قد استمعت كثيرا من جيران لها فى المنطقة عن الكثير و الكثير من الحكايات و القصص عن المنطقة و الحى , و إذا هى ذات مرة تسمع مع بعض جاراتها اللائى هن فى مثل سنها فى الحى من إحدى السيدات من جيرانها , و تدعى نادية تقول لبطلتنا و للفتيات من سكان الحى الذى يقطنون فيه كيف أنه يجب على البنت أن تتعلم كيف تثير غضب و غيرة الفتيان من حولها لإختبار مشاعرهم تجاههن , فإذا بالأفكار التى بثتها نادية تتنافر كلية ًمع طبيعة بطلتنا و التى تنبنى مفاهيمها الأساسية فى الحياة على مفاهيم لا تتواءم و لا تتماشى إطلاقا مع ما تسوقه نادية , و إذ كانت بطلتنا كما عرفناها شديدة الاحساس , و من سمات الأشخاص ذوى الاحساس المرهف عادة التفكير الكثير , فقد سبب لها التفكير الكثير فيما قالته السيدة عن الفتاة التى كانت تحكى عنها أزمة كبرى لدى بطلتنا , إذ هى احتارت بشدة , فبطلتنا التى نعرفها و هى التى تتعامل مع الحياة باحساس جياش , عرفناه عنها فوجئت من خلال ماحكته جارتها نادية بأن المرأة اللعوب هى من تثير اهتمام الشباب فى الحى .
* و دخلت بطلتنا فى دوامة كادت أن تعصف بها , فهى قد تعلمت أن للحياة مفهوم ملائكى , و إذا بنادية تضرب المفاهيم المستقرة فى وجدان بطلتنا فى مقتل .
و إذا ببطلتنا تصطدم بمفهوم يقلب مفهوما غيّر ما صوره لها ذهنها النقى و مخيلتها البريئة , فإذا بها تشعر بأن لون الشمس قد تغير , فلون أشعة الشمس البيضاء ناصعة البياض فى الصباح الباكر , و الذى يتحول عند أشد الأوقات قسوة إلى اللون الذهبى , إذ بلون الشمس يتحول من الذهبى إلى لون أشبه برمال الصحراء الباهته التى لا تحمل سوى التيه و الضياع , فأشعة الشمس و التى كانت تمتد من السماء إلى الأرض بلونها الذهبى ممثلةً قيمة وقامة , أصبحت فى امتدادها بلونها الرملى الباهت بطولها الممتد لا تمثل سوى الضياع و التيه .
الكاتب السياسى و الروائى
أحمد غانم