مقدمة إذاعة عن الإسراف والتبذير , إذاعة عن الإسراف
التبذير وعواقبه
الحمد لله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على المصطفى المجتبى وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
اعلموا أيها الإخوة الأفاضل: أن التبذير سبب من أسباب الهلاك ومحق البركات وزوال النعم؛ وذلك لأنه تفريق المال على وجه الإسراف، وهو أيضاً: أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير.
والمراد بالتبذير هنا: مجاوزة حد الاعتدال في الطعام والشراب واللباس والسكن ونحو ذلك من الغرائز الكامنة في النفس البشرية, وتصيير ذلك في معصية الله -تبارك وتعالى-.
1- من مضار التبذير وعواقبه:
· فيه طاعة للشيطان ومعصية للرحمن: أي إن المبذر أخ للشيطان.
· في التبذير رجوع إلى الجاهلية وعاداتها القبيحة وفيه مفاخرة ممقوتة.
· في التبذير اتباع للهوى وبعد عن الحق.
· علة البدن: التي تقعد بالمسلم عن القيام بالواجبات الشرعية والتمادي في العصيان.
· قسوة القلب.
· خمول الفكر.
2- حكم التبذير:
نقل عن الإمام ملك -رحمه الله- أن التبذير حرام لقوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) (الإسراء:27).1
وقال القرطبي: من أنفق درهماً في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد.2
وأبو حنيفة -رحمه الله- لا يرى الحجر للتبذير، وإن كان حراماً منهياً عنه.
قال ابن العربي في تفسير قوله -تعالى-: (ولا تبذر تبذيراً):
(قال أشهب عن مالك: التبذير هو منعه من حقه، ووضعه في غير حقه، وهو أيضاً تفسير الحديث: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال. وكذلك روي عن ابن مسعود، وهو الإسراف، وذلك حرام بقوله: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) وذلك نص في التحريم).3
قال ابن كثير -رحمه الله-: وقوله (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: (وكان الشيطان لربه كفوراً) أي جحوداً؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته أ.ه4
3- الآيات الواردة في التبذير:
أ- (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الإسراء:27-28).
ب- (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31).
ج- (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).
د- (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29).
4- الأحاديث الواردة في ذم التبذير:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه قال: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل) 5
وعن عمرو بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (.. أبشروا، وأمِّلوا ما يسرُّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم) 6
5- من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم التبذير:
عن عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لا تنفق في الباطل فإن المبذر هو المنفق في غير حق)7
قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- (المَرَّان: الإمساك في الحياة، والتبذير عند الموت).
عن وهب بن منبه -رحمه الله تعالى- قال: من السرف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده, وما جاوز الكفاف فهو التبذير).8
قال أبو حيان -رحمه الله-: (نهى الله -تعالى- عن التبذير، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها، وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر في أشعارها, فنهى الله- تعالى- عن النفقة في غير وجوه البر، وما يقرب منه -تعالى-).9
قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: (ومن البلية أن يبذر في النفقة ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إن أكثر- لإصابته بالعين، وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه).10
6- الطريق لعلاج التبذير:
1- التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على التبذير.
2- قوة الإيمان وزيادته الباعثة للحزم مع النفس، وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها، وحملها على الأخذ بالطاعة والاتباع.
3- دوام النظر في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته.. قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)11.
4- الانقطاع عن صحبة المبذرين والمسرفين، والاقتراب من ذوي الهمم العالية، والنفوس الكبيرة.
5- دوام التفكر في الموت وما بعده من شدائد وأهوال.12
اللهم اهدنا واهدِ بنا، وأصلحنا وأصلح بنا، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها..
وصلى الله على الرسول الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.