مذكرات يوميه
المذكّرات اليوميّة
المذكّرات اليوميّة هي رصد وذكر للأحداث اليوميّة التي يمرّ بها الشّخص، سواء بذكرها بالتّفصيل الممل أو ذكرها ببعض من التّفصيل وذكر الأشخاص والزّمان والمكان، وتكون كتابة المذكّرات بالأسلوب الشّخصي للكاتب، لذا نجد اختلافات كثيرة في المذكرات المختلفة للأشخاص، وذلك لاختلاف شخصيّاتهم وطريقة كلامهم وحديثهم.
والمذكّرات تُعتبر عند بعض الأشخاص مَهَمَّة يوميّة، بينما البعض لا يكتب منها شيئاً إلّا في الأحداث المُهمّة لتوثيقها، ويعتبر استخدام المذكّرات اليوميّة من الأساليب المستخدمة في مساقات اللّغة لتقوية لغة الطلّاب وذلك بالكتابة عن ذواتهم أولاً، وهذا الشّيء يُنشيء رابطاً بينهم وبين ما يكتبون، وهي البداية لتنمية القدرة على التّعبير حيث إنّ الأساس في التّعبير هو الشّعور بكلّ كلمة يكتبها، وكأنّه عاش اللّحظة والحدث الذي يكتب به، فالمذكّرات اليوميّة هي من البدايات الجيّدة لتعليم كتابة التّعبير في المواضيع المختلفة.
ومن المذكرات اليوميّة تعرف شخصيّة الإنسان وعلاقاته، وماذا يحبّ، وما أجمل الأشياء والأيّام بالنّسبة إليه، وكثيرٌ من عمليّات التّحقيق تكمن قوّتها بمعرفة مذكّرات المجني عليه وما فحواها. المذكرات اليومية، منها ما يطول ويكون بالصفحات، ومنها ما يختصر الكلمات في سطور، ومنها ما لم تكتب إلا كعنوانٍ فقط ليومٍ جميل وحدث كبير.
نماذج من المذكرات اليومية
- هذه اللّيلة ككلّ اللّيالي، إنّها المنتصف من شهر ديسمبر والأجزاء الغائمة وصوت المطر، لا ينام لي جفنٌ بعد رحيل والدي، وأمّي التي تدعو الله أن يوفّقها لأن تحمينا وتخدمنا وتحمل مسؤوليتنا، أراها في غرفتها تتضرّع وتدعو الله في منتصف اللّيل، وأنا لا أستطيع أن أنام، أفكّر في ألف طريقة لأكون جوار أمّي في حملها الثّقيل، وألّا أُضيّع حياتي الخاصة، فكلاهما مهمٌ جداً.
- غدًا سيكون يومٌ جميل، سألتقي بأصدقائي محمد، وأحمد، وعبد الرّحمن، ومع كل أصدقاء المدرسة لنذهب في الرّحلة السنويّة التي ننتظرها بفارغ الصّبر، لقد حضّرت الكثير من الأشياء، حضّرت كرة القدم، وحضّرت لهم البسكويت اللّذيذ الذي أعدّته أمّي خصّيصاً لنا، وحضّرت كاميرا الدّيجتال لألتقط بها أجمل الصّور لنُكوّن أجمل الذّكريات، سأغفو الآن كي أستيقظ نشيطاً، إنّها السّاعة العاشرة مساءًا وغدًا سيكون يوماً رائعاً.
- كان اليوم متعبٌ بكل تفاصيله، رغم أنّي أسعى لأكون متفاءلة عندما أخرج من البيت إلى العمل، لكن تأتي الأشياء عكس المتوقّع، عندما خرجت من المنزل صادفني حادث سيرٍ أمامي مباشرة وكان منظراً مروّعاً، ثمّ عندما وصلت لعملي كانت قد وصلت لشركتنا رسالة بانخفاض أسهمنا التّجارية لهذا اليوم، فانقلبت أجواء العمل ضجراً واكتئاباً، وبدأت أتساءل ما الذي يجري منذ الصّباح؟ هل أكلت شيئاً يجلب الأشياء السّيئة؟ وعندها بدأت العمل بكل صبر حتّى أرجع للمنزل لأغلق ملف هذا اليوم ، وها أنا أنتظر غداً ليكون أجمل من اليوم.
- اليوم شعرت أنّ كل الفرح بكل العالم هو لي، ونسائم الحبّ التي حولي والأجواء اللّطيفة والشّعور الجميل، إنّه اليوم ذو الأجواء الرّبيعية وأنا أرفع قبّعة التّخرج للسّماء، وأنظر إليها وهي تهوي بين يديّ كأنّها نجمٌ سقط من الأعلى، حولي الأصدقاء أبناء جامعتي ودفعتي نتخرّج معاً، وحولي والديّ وأقربائي وباقي الأصدقاء يهدونني الورود والهدايا والابتسامات، لم أكن أعلم أنّ فرحة التّخرج بهذا الحجم.
- لقد أتى ذلك اليوم وهو يحمل في طيّاته بما لا يوصف من الحزن والأسى، أتى وانقضى ولكن مازالت ذكراه خالدة في قلبي، منشغل به فكري، لقد ودّعت في ذلك اليوم مدرستي الغالية، عشت فيها أجمل سنوات عمري وأحلاها، عشت مع أناس لم أر مثلهم في سلوكهم وأدبهم الجمّ، عشت ونشأت فيها وترعرعت على أيدٍ سامية نبيلة، وها أنذا أتخرّج منها، أتخرج منها وأنا في ذروة سعادتي ويخالطني شعور من الشّجون والأسى لفراق مدرستي الحبيبة ومن فيها، تلك المدرسة التي لي فيها مراتع وذكريات، هنا كنت أخطّ أملي، وهناك تعلّمت كيف أضع هدفي نصب عيني، وفي تلك الزّاوية رسمت مستقبلي، وفي كلّ شبر فيها لي ذكرى قابعة في مخيّلتي، وسآتيك غداً بإذن الله مدرّسة لا دارسة، وسأُخرّج أجيلاً من بعدي، أجيالاً لهم أهداف راقية، يرسمون طموحهم بأناملهم.
- كانت لي على هذه الحياة صديقة تحمل كلّ معاني الصّداقة والحبّ، كنّا كروح في جسدين ، تسعى إحدانا لما يرضي الأخرى، لا تلم بإحدينا مصيبة إلا وتسجد الأخرى لله ضارعة أن يُكشف همّ أختها ويؤجّرها على صبرها، ويعلي بها من درجاتها حتّى إذا ما كشف ضرّها ذكرتها أختها بحمد الله وشكره في السّرو العلانية وبالقول والعمل، كنّا دائماً ندعو الله بأن يجعلنا من الأخلّاء المُتقّين كي لا نندم في الآخرة، وهكذا استمرّت محبتنا في الله إلى أن جاء اليوم الذي انتظرته وترقّبته، فقد وعدتني صديقتي بالحضور في زفاف أختي فهاتفتها للتّأكد من مجيئها فأخبرتني بأنّها ستحضر في السّاعة الثّامنة والنّصف مساء، وأوصتني كعادتها بالحقّ والصّبر. جلست بقرب باب القاعة وأنا في غاية الشّوق واللّهفة إلى رؤيتها، كنت أتطلّع إلى باب القاعة، أخرج تارة إلى باب الفندق وأدخل مرّة أخرى، مرّت السّاعة وأصبحت العاشرة ولم تأتي، ضاق صدري كثيراً، لاحظت أمّي عليّ التّوتر والقلق فطمأنتني وأخذت تضع الأعذار لتأخّرها بكلّ ما لديها من أعذار، إلى أن قرّرت قطع الشّك باليقين، فهاتفتها وأجابتني بالحادث الذي تعرّضت له، كانت أمّها تُحدّثني بصوت متقطّع مليء بما لا يوصف من الحزن والأسى، إلّا أنّه صوت راضية بما كتبه الله تعالى وهي لا تلام على حزنها، لأنّها فقدت قرّة عينها تلك التي وهبها الله تعالى الخلق الحَسَن ورزقها البرّ بوالديها الشّيء الكثير. واسيت أمّها وأقفلت السّماعة ولم أزل بجانب الهاتف أتذكّرها وأتذكّر أيّامنا الجميلة التي قضيناها معاً. أجهشت في البكاء، قرّرت أن أكمل دربي في طاعة ربّي وأن أحمده وأعبده بشتّى الطّرق في جميع أوقاتي حتّى أفوز بالجنّة ويتسنى لي لُقياها مرّة أخرى في جنّات ربّي.
- في السّاعة الخامسة من صباح يوم الخميس تحرّكت بنا السّيارة إلى المطار، الجو جميل، وهواء الصّباح الباكر يداعب شعري فيتمايل في كلّ اتّجاه مُعلناً عن فرحته الشّديدة، لم تغب عن بالي صورة الطّائرة التي سـأركبها بعـد قـليل، كان حـلماً بالنّسبة لي، كنت أراها وهي في الجـو كالطّائر الصّغير فكيف أراها اليوم؟ سألت أبي أسئلة كثيرة عن حجمها، لم أتوقّـف عن السّؤال حتّى رأيت نفسي داخـل الطّـائرة، وكــان أبي سعـيداً بفـرحة ووجـل في نـفس الوقت، وشاهدت مساحتها الواسعـة، وصفـوف المقـاعد المُنظّمة، وعدداً كبيراً من المسافرين منهم الأطفال والرّجال والنّساء بشتّى أعمارهم. جلست على مقـعـد إلى جـوار والدي وبدأت أترقّب لحظة الطّيران في الجو، وفجأةً تحرّكت الطّائرة ببطء شديد، ثمّ أسرعت شيئاً فشيئاً حتّى انطلقت بسرعة مذهلة إلى الأعلى، كم كنت سعيدة وأنا في الجو، إنّها أول مرّة أركب فيها الطّائرة، وأول مرة أُصاحب فيها والدي في السّفر.
- تقترب السّاعة من الثّالثة بعد منتصف ليلة العيد، لم أستطع النّوم، لقد نام إخوتي الصّغار ونامت أختي الكبرى، لقد تعبت من كثرة العمل في تنظيف المنزل، أنّها أخت طيّبة تحمّلت مسؤوليتنا بعد وفاة والدينا رحمهم الله، ضحّت بالكثير من أجلنا حتّى أنّها رفضت الزّواج قبل أن نكمل دراستنا، إنّي أشفق عليها وحزيـــن من أجلها، أُحسّ أحياناً أنّها حزينة طوال الوقت لكن تحاول أن تُخفي حزنها حتّى لا تُشعرنا بفقد والدينا، وكأنّها تريد أن تتحمّل مشاعر اليتم وحدها، كانت دائماً ضاحكة مُبتسمة في عهد أبي وأمي، والآن اختفت ابتسامتها الجميلة، اتمنّى أن يرزقها الله السّعادة.