دعاء الهم و الحزن
دعاء تفريج الهمّ والحزن
يبتلي الله تعالى عباده المؤمنين بشيء من الكرب، والهمّ، والحزن، ولا يملك العبد حينها بعد أن يتّخذ الأسباب التي تمكّنه من التخلّص من همّه، إلا أن يناجي ربّه ويدعوه، فذلك قد يفرّج عنه كربه. وقد كثرت الأحاديث النبويّة الشّريفة والآيات القرآنيّة التي بيّنت ما ينبغي على العبد أن يقوله إذا ما أصابه حزن أو مكروه، ومنها:
- الإكثار من الاستغفار، والصّلاة والسّلام على رسول الله، والدّعاء بالاسم الأعظم، ودعاء الكرب، ودعوة يونس عليه السّلام؛ لقوله تعالى:” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا “، نوح/10-12، وقوله تعالى:”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ “، البقرة/1866.
- قال صلّى الله عليه وسلّم:” ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كفّ عنه من السّوء مثله، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم “، رواه أحمد والتّرمذي.
- أخرج الإمام أحمد، والتّرمذي، وغيرهما، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” دعوة ذي النّون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت، سبحانك إنّي كنت من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم ربّه في شيء قطّ إلا استجاب له “.
- عن أبيّ بن كعب، قلت:” يا رسول الله، إنّي أكثر من الصّلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الرّبع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النّصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثّلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفى همّك، ويغفر لك ذنبك “، رواه التّرمذي والحاكم في المستدرك.
- في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه، من حديث أسماء بنت عميس، قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” ألا أعلّمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله، الله ربّي لا أشرك به شيئاً “.
- روى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” ما أصاب أحدٌ قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهم إنّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً، قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلّمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها “.
- أخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت “.
- أخرج البخاريّ ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:”كان النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السّموات والأرض، وربّ العرش العظيم “.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:” كنت جالساً مع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ورجل قائم يصلّي، فلّما ركع وسجد تشهّد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلا أنت المنّان، بديع السّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيوم، إنّي أسألك، فقال النّبي – صلّى الله عليه وسلم – لأصحابه: أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى “، رواه النّسائي والإمام أحمد.
- عن علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه، فقال:” إنّي قد عجزت عن كتابتي فأعنّي، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – لو كان عليك مثل جبل ثبير ديناً أدّاه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك “، رواه أحمد، والتّرمذي، والحاكم، وصحّحه الحاكم.
- أخرج مسلم أنّه – صلّى الله عليه وسلّم – كان يدعو عند النّوم:” اللهم ربّ السّماوات السّبع، وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء، فالق الحبّ والنّوى، ومنزل التّوراة، والإنجيل، والفرقان، أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنّا الدّين، وأغننا من الفقر “.
- عن أنس قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – لمعاذ:” ألا أعلّمك دعاءً تدعو به، لو كان عليك مثل جبل أحدٍ ديناً لأدّاه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير، رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك “، رواه الطّبراني في الصّغير بإسناد جيّد، وحسّنه الألباني.
- أخرج مسلم، أنّ عثمان بن أبي العاص أتى النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – فقال:” يا رسول الله، إنّ الشّيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها علي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنّي “.
- قال صلّى الله عليه وسلّم:” اللهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدّين وقهر الرّجال “، رواه البخاريّ وغيره.
- ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ، وَالحَرْقِ، وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَيْطَانُ عِنْدَ المَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيِلِكَ مُدْبِرَاً، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيِغَاً. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ، وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ، وَالجُبْنِ، وَضَلْعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ “، زاد الأتقياء في صحيح الذّكر والدّعاء/ أحمد بن عبد الله عيسى.
السّبيل إلى تفريج الهمّ والحزن
إنّ المسلم لا يصيبه شيء في هذه الحياة إلا كان كفارةً لذنوبه، ورفعاً في درجاته، ففي الصّحيحين وغيرهما، عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ ـ حتى الشوكة يشاكها ـ إلا كفّر الله بها من خطاياه “. وقال صلّى الله عليه وسلّم:” عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلّه خيرـ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ـ إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له “، رواه مسلم.
فعلى المسلم أن يصبر ويستبشر بالخير العاجل والآجل، فقد قال الله تعالى:" سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا "، الطلاق/7. ومن سُبل تفريج الهمّ والحزن كثرة الاستغفار، فقد قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب "، رواه أبو داود، والنّسائي، وابن ماجه، وغيرهم. والأمر لا يقتصر على الدّعاء فحسب، بل العمل بطاعة الله في الجملة - واجبات ومستحبّات - فهذا من أعظم أسباب تفريج الكربات، قال تعالى:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ "، الطلاق/2-3. فلو كاد أهل الأرض جميعاً للمسلم، وكان على تقوى لله، لجعل له ربّنا من بينهم فرجاً ومخرجاً، قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ"، النّحل/128. وكان النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - إذا حزبه أمر قال:" أرحنا بها يا بلال "، ويقصد بذلك الصّلاة، فهي سبب من أسباب كشف الهمّ، وراحة البال.
تفريج الهمّ والحزن في السّيرة النّبوية
لقد سعى النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – في توفية غُرماء جابر وقضاء دين بلال رضي الله عنهما، وكان صلوات الله وسلامه عليه يُفرّج كرب المعدوم، ومن أصابته النوائب؛ ولذلك قالت السّيدة خديجة رضي الله عنها:” كلاَّ والله ما يُخزيك الله أبداً، إنّك لتصل الرّحم، وتحملُ الكلَّ، وتقري الضّيف، وتُكسبُ المعدوم، وتُعين على نوائب الحقّ “، رواه البخاري. فمن كان هذا وصفه، لا يُخزيه الله أبداً، كما قالت أمّ المؤمنين، فكلّ مقدمة لها نتيجة، والبرّ لا يبلى، ومن زرع خيراً حصد خيراً.
فضل تفريج الهمّ والحزن عن النّاس
مساعدة الآخرين من أعظم أبواب الخير، ولها مكانة عالية جدّاً في الإسلام، والذي جاءت عقائده وشرائعه لإصلاح العلاقة بين العبد وربه، وبين العباد أنفسهم. ولهذا حثّ الإسلام على إيصال النّفع للآخرين بقدر المستطاع، لأنّ هذه المساعدة نوع من العبادة التي يرجو بها المسلم الثّواب من ربّه، على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى. وأمّا عن فضائل هذه المساعدة، فمنها:
- مساعدة الآخرين نوع من الإحسان، وقد قال تعالى:”وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “، البقرة/195، وقال سبحانه:” إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ “، الأعراف/566.
- تفريج الهمّ والكرب عن المسلم الذي يكون في عون أخيه المكروب، روى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما، أنّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة “.
- قوله صلّى الله عليه وسلّم:” صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وصدقة السّر تطفئ غضب الربّ، وصلة الرّحم تزيد من العمر “، رواه الطّبراني وحسّنه الألباني. والمصرع: هو مكان الموت، فيقي الله من يحسن إلى النّاس بقضاء حوائجهم من الموت في مكان سيء، أو هيئة سيّئة، أو ميتة سيّئة.
- أفضل الأعمال التي يفعلها المسلم لأخيه المسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” أيّ الأعمال أفضل؟ قال: أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي له ديناً، أو تطعمه خبزاً “، رواه ابن أبي الدّنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والبيهقي، وغيرهما، وحسّنه الألباني.
فضل الدّعاء
إنّ الدّعاء عبادة لله، بل هو من أعظم العبادات وأجلّها، لما فيه من التجاء العبد إلى ربّه، وتضرّعه إليه، وارتباطه به، وقد أمر الله عباده بدعائه، ووعدهم بالإجابة، إضافةً إلى ذلك فإنّه سبب لحصول المطلوب، فالدّعاء شرع لأنّه عبادة لله، ونفع هذه العبادة عائد على العبد، لأنّ الله تعالى غنيّ عن عبادة النّاس له.
قال ابن القيم بعد أن ذكر أمثلةً من أخذ – النّبي صلّى الله عليه وسلّم – بالأسباب:” وهذا موضع يغلط فيه كثير من النّاس، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن ترك الدّعاء، وزعم أنّه لا فائدة فيه؛ لأنّ المسؤول إن كان قد قدر ناله ولا بدّ، وإن لم يقدر لم ينله، فأيّ فائدة في الاشتغال بالدّعاء؟ ثم تكايس في الجواب بأن قال: الدّعاء عبادة، فيقال لهذا الغالط بقي عليك قسم آخر، وهو الحقّ أنّه قد قدر له مطلوبه بسبب إن تعاطاه حصل له المطلوب، وإن عطل السّبب فاته المطلوب، والدّعاء من أعظم الأسباب في حصول المطلوب “.
شروط إجابة الدّعاء
ممّا يجب الإيمان به أنّ العبد إذا دعا الله تعالى وهو مستكمل لشروط الإجابة، منتفيةً عنه موانعها، فإنّ الله تعالى يجيب دعوته، إمّا عاجلاً في الدّنيا، وإمّا أن يدخر له حسنات في مقابل دعوته، أو يصرف عنه من السّوء مثلها، ودلّت على ذلك نصوص الشّرع. قال تعالى:” وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون “، البقرة/1866.
وتتلخّص شروط الاستجابة وموانعها في قول الله تعالى:” فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي “، فمن استجاب لله تعالى في أمره ونهيه، وصدّق بوعده، وآمن به، فقد تحقّقت له شروط استجابة الدّعاء، وانتفت عنه موانع الإجابة، فلن يُخلف الله تعالى وعده. ثمّ إذا دعا المسلم ربّه فعليه أن لا يستعجل ويستحسر، ويترك الدّعاء، فإنّ ذلك من موانع الإجابة، كما في صحيح مسلم وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ – النّبي صلّى الله عليه وسلّم – قال:” لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويدَع الدّعاء “.