خطورة فيروس الروتا , اصابة الاطفال بفيروس الروتا
عقد من الزمان يمكن القضاء على القاتل الرئيسي للأطفال في الدول النامية
جدة: د. عبد الحفيظ خوجة
مع أن اسمه ليس معروفاً للكثيرين فإن «فيروس الروتا أو الروتا فيروس» Rotavirus هو السبب الرئيسي للإصابة بإسهال الأطفال في العالم، ويقتل العديد من الأطفال الصغار في الدول النامية. وحالياً وبعد حوالي ثلاثين عاماً من الأبحاث، هناك أمل لتوفر لقاح في الأسواق يمكن من خلاله القضاء على المرض.
إن الفيروسات المميتة التي حصدت أرواح البشر وانتشرت في العالم مثل «إيبولا» في أفريقيا و«سارس» في آسيا و«هانتا» في الولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن مقارنتها بالروتا فيروس وما حصدته من أرواح لأنه ما زال اسمه مجهولاً للجمهور. وهو يصيب جميع الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم ويسبب قيئاً يعقبه إسهال، ولو ترك بدون علاج يؤدي إلى صدمة من الجفاف ثم الوفاة. يقتل الفيروس ما يوازي 5% من مجموع وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وفي أميركا يحتاج نحو 70.000 طفل للدخول للمستشفيات. مر أكثر من ثلاثة عقود حتى توصل العلماء إلى تصنيع لقاح ضد الروتا فيروس ومرت عملية التصنيع بصعوبات وتعقيدات بالغة ولكن منظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمي للتحصين والمناعة، اعتبرا أن لقاح الروتا فيروس ذو أولوية قصوى وأن المعركة النهائية لحصول الأطفال على هذا اللقاح قد بدأت فعلاً.
* نشأة المرض يقول الدكتور مجدي حسن الطوخي استشاري الأمراض المعدية، ان أول من تعرف على الفيروسات المسببة للمرض هي عالمة الأحياء الدقيقة بيشوب الاسترالية وكان ذلك عام 1973م بالمستشفى الملكي في ملبورن، وكانت هناك فوضى واضطراب كبير لعدم معرفة العديد من العلماء عن سبب المرض، خلال فحصهم عينات بواسطة المجهر الإلكتروني من الإثنا عشر والأمعاء الدقيقة للأطفال المصابين بإصابات حادة. وكانت النتيجةُ مذهلة وهي الاحتشاء بفيروسات تشبه العجلة في الخلايا الظهارية المبطنة للأمعاء.
وتشهد دولة بنغلاديش أكبر نسبة من الإصابات بهذا المرض، وكان يسمى هناك الانفلونزا المعوية لدرجة أنه كان يتم في عام 1979 رعايتهم في ممرات المستشفى وفي خيم خارجية، معتقدين أن العدوى البكتيرية هي سبب الإسهال. وكانت المفاجأة أن الأطفال لم يكونوا مصابين بالكوليرا أو السلمونيلا أو الشيكيلا أو القولونيات بل كانوا مصابين بالروتا فيروس. وأظهرت الدراسات في مختلف أنحاء العالم أن الروتا فيروس هو السبب الرئيسي للوفاة على رأس قائمة الأمراض التي تستدعي عاجلاً وجود لقاحات لها في دول العالم النامية. وكانت عام 1986 نسبة انتشار المرض في أميركا غير معروفة ولم يكن يتم تشخيص المرض بواسطة مراكز السيطرة على الامراض ومراقبتهاCDC ولم يكن مسجلاً أصلاً في قائمة التصنيف الدولي للأمراض (ICD).
* البحث عن لقاح اتبعَ باحثو فيروس الروتا طريقة «سايين» (مكتشف شلل الأطفال) بإعطائه عن طريق الفم. وفي عام 1983 كان أول لقاح ضد الروتا فيروس جاهزاً للاختبار، فقد قامت شركة سميث كلاين (حالياً جلاكسو) في بلجيكا مع د. فييكاري من جامعة تامبير في فنلندا بإعداد واختبار لقاح مستخرج من سلالة الروتا فيروس موجودة في الأبقار، وكانت أول محاولة ناجحة حققت إنقاص احتمالات الإصابة الشديدة بالمرض عند الأطفال الذين تم إعطاؤهم اللقاح بنسبة 88%. وبحلول أواخر الثمانينات بدأ الشعور أن الوفيات بسبب الإصابة أصبحت تحت السيطرة. ولكن الإحباط جاء من النتائج في أفريقيا والبيرو، فأوقفت الشركة برنامج اللقاح.
ربما تعود أسباب فشل اللقاح الذي أنتجته الشركة إلى أن الفيروس البقري المستخدم كان ضعيفاً لدرجة أنه لم يكن قادراً على التكاثر أو استثارة استجابة مناعية تحت الظروف غير الملائمة.
وبدأ العلماء رحلة البحث عن تركيبات جديدة والتي أخذت سنوات عديدة لإعادة التفكير في الأسس العلمية. وبالتعرف على القدرة الطبيعية للروتا فيروس وترتيب جيناته، اكتشف كابيكان وزميله كربتيرك في معاهد الصحة الوطنية الاميركيةN I H طريقة مختبرية لإنتاج تشكيلات ذات فائدة في إنتاج لقاحات ولكنها لا تسبب الإصابة بالمرض، وبدأ فريقهما بإعادة تشكيل فيروس مكون من مزيج من عشر جينات من الروتا فيروس التي تصيب القرود بإعطائه خاصية الإضعاف وبه جين واحد للبروتين السطحي من سلالة بشرية ومزجت مع هذا النوع ثلاثة أنواع أخرى من بروتينات مختلفة وسمي «اللقاح الرباعي التكافؤ» ليعطي وقاية ضد السلالات البشرية الأربع الأكثر انتشارا من الروتا فيروس. وفي عام 1991م منحت وكالة الغذاء والدواء الاميركية FDA شركة «ويرث ايرست» الإذن بصنع واختبار هذا اللقاح وتم إعطاؤه اسم «روتا شيلد» وقامت بإجراء اختبارات سريرية حتى عام 1996 في أميركا وفنلندا وفنزويلا للتحقق من سلالة وكفاءة وقدرة اللقاح. وفي عام 1998 تم الترخيص للقاح «الروتا شيلد» من قبل FDA كما قامت اللجنة المسؤولة عن اللقاحات في هيئة مكافحة الأمراض والأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بالتوجيه بأن يلقح جميع الأطفال الأميركيين روتينياً. وفي خلال 9 أشهر تلقى ما يزيد على 600.000 طفل نحو 1.2 مليون جرعة من اللقاح. وكان اتخاذ القرار متسرعاً في ذلك الوقت حيث كان من الضروري اختبار اللقاح على الأطفال السيئي التغذية في البلدان النامية، وظل أيضاً سعر الجرعة مكلفا لمعظم الدول النامية ولكن للمرة الأولى وجدت في العالم طريقة لمحاربة الروتا فيروس وكان الكثير يشعر بالنشوة لهذا الانتصار.
* كارثة عام 1999 حلت الكارثة عام 99، حيث عانى العديد من الأطفال إحدى المضاعفات الشديدة بعد أسبوعين من تناول اللقاح عندما دخل جزء من الأمعاء داخل الجزء الذي يجاوره مسبباً انسدادا في الأمعاء يسمى الانغلاق. وهذه الحالة تسبب آلاماً مبرحة لأنه يجب إعادة الأمعاء بسرعة إلى وضعها الطبيعي بواسطة حقنة شرجية بالهواء أو السوائل أو التدخل الجراحي. وفي أحوال نادرة تنثقب الأمعاء ويموت الطفل ولذلك أصدر CDC قراراً بالإيقاف الفوري لبرنامج التطعيم الذي استغرق خمسة عشر عاماً من الأبحاث والتجارب وتكلف عدة ملايين من الدولارات.
ولثقة الباحثين أن مشكلة الانغلاق يمكن التغلب عليها، قامت شركة «سميث كلاين» بتطوير برنامجها وتقدمت بلقاح جديد أحادي التكافؤ منتج كلياً من سلالة بشرية واحدة تم إضعافها وفي نفس الوقت أنتجت شركة «ميرك» لقاحاً خماسي القوة يحتوي على خمس سلالات مزيج من البشرية والبقرية وهي موجهة غالباً ضد سلالات الروتا فيروس. طلبت FDA من الشركتين التأكد من أن الجيل التالي من روتا شيلد أكثر أماناً وكان الهدف في البداية 60.000 مشترك لكل تجربة وبذلك كانت أكبر وأغلى دراسات لاختبار الأمان لأي لقاح سبق اختباره قبل ترخيصه. والآن بعد ست سنوات من جدل الانغلاق بدأ رهان الروتا فيروس يؤتي ثماره، أتمت الشركتان التجارب السريرية. وكانت النتائج مشجعة ونتج عنها 85-95 % وقاية ضد الإسهال الشديد إضافة إلى أن اللقاحين لم يحدثا أي زيادة في نسبة الانغلاق عند الأطفال الذين لم يتم تطعيمهم. ومنذ عام 2004 حصل اللقاح على الموافقة من عشرين دولة وأيضاً الاتحاد الأوروبي وتم مراجعته حالياً في أميركا. وقد حصلت شركة «ميرك» على الموافقة لتسويق عقارها في المكسيك والولايات المتحدة.
واليوم يوجد أكثر من عشر شركات منتجة للقاح في الهند والصين واندونيسيا والبرازيل تجهز لقاحاً حياً للروتا فيروس عن طريق الفم. ويسود الاعتقاد أنه خلال عقد من الزمان يمكن القضاء على المسبب الأعظم للإسهال والقاتل الرئيسي للأطفال في الدول النامية. وذلك بواسطة أقوى وأرخص الأسلحة التي تمتلكها حالياً ألا وهي التطعيم