حكم ومواقيت الحج
الحج
الحجّ (بفتح الحاء وكسرها): الحَج والحِج، لغتان قُرئ بهما في قول الله تعالى: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[١]فقُرّاءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبي جعفر على النّحو الآتي: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وباقي القُرّاء يقرؤونها: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).[٢]
أمّا الحجّ لغةً فهو: القصدُ إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشّرع بقصد مُعيّن ذي شروط معلومة، وقيل إنّ الحجّ لغةً: القصد إلى الشّيء المُعظَّم، وقيل الحجّ هو: القصد للزّيارة، كما قال الشّاعر: يحجُّون بيت الزّبرقان المعصفر. وقيل: الحَِجُّ – بفتح الحاء وكسرها -: القصد، وقيل: الحجُّ: القصدُ والكفُّ، وقصد مكة للنسك، وهو حاجٌّ، وحاجِجٌ، جمعه: حُجاج، وحجيج، وحاجةٌ: من حواجّ.
يُقال: الحجُّ: القصد، ثمّ غلب في الاستعمال الشرعيّ والعرفيّ على حجّ بيت الله تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النّوع الخاصّ من القصد؛ لأنّه هو المشروع الموجود كثيراً، وقيل: كثرة القصد إلى من يُعظَّم. وأمّا الحج شرعاً فهو: القصد لبيت الله تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ.[٣]
حكم الحج
لإنّ الأصل في حكم الحجّ هو الوجوب في الكتاب، والسّنة، والإجماع، فأمّا الدّليل من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[١] وحرف عَلى يدلُّ على الإيجاب، لا سيّما إذا ذُكر المُستحقّ، وقد أتبعه بقوله تعالى: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ليوضّح أنّ من لم يعتقد بوجوب الحجّ فهو كافر، وأنّ وجوب الحجّ إنّما هو لمنفعة النّاس لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الحُجّاج؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى غنيّ عن العالمين.
وأمّا الأدلة من السّنة النّبوية فكثيرة، منها الحديث الشّريف: (كنَّا نُهِينا أنْ نسأَلَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن شيءٍ فكان يُعجِبُنا أنْ يأتيَه الرَّجُلُ مِن أهلِ الباديةِ فيسأَلَه ونحنُ نسمَعُ فأتاه رجُلٌ منهم فقال: يا مُحمَّدُ أتانا رسولُك فزعَم أنَّك تزعُمُ أنَّ اللهَ أرسَلك قال: (صدَق). قال: فمَن خلَق السَّماءَ؟ قال: (اللهُ). قال: فمَن خلَق الأرضَ؟ قال: (اللهُ). قال: فمَن نصَب هذه الجبالَ؟ قال: (اللهُ). قال: فمَن جعَل فيها هذه المنافعَ؟ قال: (اللهُ). قال: فبالَّذي خلَق السَّماءَ والأرضَ ونصَب الجبالَ وجعَل فيها هذه المنافعَ آللهُ أرسَلك؟ قال: (نَعم). قال: زعَم رسولُك أنَّ علينا خمسَ صلواتٍ في يومِنا وليلتِنا، قال: (صدَق). قال: فبالَّذي أرسَلك آللهُ أمَرك بهذا؟ قال: (نَعم). قال: زعَم رسولُك أنَّ علينا صدقةً في أموالِنا، قال: (صدَق). قال: فبالَّذي أرسَلك آللهُ أمَرك بهذا؟ قال: (نَعم). قال: زعَم رسولُك أنَّ علينا صومَ شهرٍ في سَنتِنا، قال: (صدَق). قال: فبالَّذي أرسَلك آللهُ أمَرك بهذا؟ قال: (نَعم). قال: زعَم رسولُك أنَّ علينا حَجَّ البيتِ مَن استطاع إليه سبيلًا، قال: (صدَق). قال: فبالَّذي أرسَلك آللهُ أمَرك بهذا؟ قال: (نَعم). قال: والَّذي بعَثك بالحقِّ لا أَزيدُ عليهنَّ ولا أنقُصُ منهنَّ شيئًا، فلمَّا قفَّى قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لئِنْ صدَق لَيدخُلَنَّ الجنَّةَ)).[٤]
وأمّا الإجماع، فقد أجمعت الأمّة على أنّ الحجّ واجب على من استطاع في العمر مرّةً واحدةً، وقال الإمام ابن المنذر: (وأجمعوا على أنّ على المرء في عمره حجّةً واحدةً: حجّة الإسلام، إلا أن ينذر نذراً، فيجب عليه الوفاء به). وقال ابن تيمية: (وقد أجمع المسلمون في الجملة على أنّ الحجَّ فرضٌ لازمٌ).[٥]
مواقيت الحج
إنّ للحج مواقيتَ زمانيّةً لا ينعقد إلا فيها، وله مواقيت مكانيّة أيضاً يجب على من أراد الحجّ أن يُحرم منها، ولا يجوز له أن يتجاوزها إلا مُحرِماً. أمّا الميقات الزّماني فهو شوّال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، آخرها طلوع الفجر يوم العيد، وبالتّالي فإنّ الإحرام للحجّ في غير هذه المدّة لا ينعقد حجّاً. وأمّا الميقات المكاني ففيه قسمان: أولهما أنّ من كان بمكة من أهلها أو غريباً فإنّ ميقاته بالحجّ نفس مكّة، وقيل مكّة وسائر الحرم.[٦]
وهناك قولان للشافعي: الأوّل أنّه يُحرِم من باب داره، والثّاني من المسجد القريب من البيت، ومن المُستحبّ أن يكون الإحرام بمكّة للمقيم في يوم التّروية، وهو اليوم الثّامن من ذي الحجّة.
وأمّا غير المُقيم بمكّة فله خمس مواقيت، وهي:[٦]
- ذو الحليفة: وهو ميقات من توجّه من المدينة المنوّرة، وهو بعيد عن المدينة نحو ستّة أميال.
- الجحفة: وهو ميقات من توجّه من الشّام على طريق تبوك، ومن توجّه من مصر والمغرب.
- قَرن: وتسمّى أيضاً بقَرْن المنازل، وهذا ميقات من توجّه من نجد الحجاز ونجد اليمن.
- يلملم: وهو ميقات من توجّه من تهامة، وهي بعض من اليمن.
- ذات عرق: وهي ميقات من توجّه من المشرق، مثل خراسانوالعراق.
شروط الحج
إنّ الحجّ يجب بتوافر خمسة شروط، وهي على النّحو الآتي:[٧]
- الإسلام: وذلك لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)،[٨] ولأنّه لا يصحّ من غير المسلمين ذلك، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثني أبو بكرٍ الصديقُ في الحجةِ التي أمَّرَه عليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ حجةِ الوداعِ في رهطٍ يؤذّنون في الناسِ يومَ النحرِ: لا يحجُّ بعد العامِ مشركٌ، ولا يطوفُ بالبيتِ عريانٌ. قال ابنُ شهابٍ: فكان حميدُ بنُ عبدِ الرحمنِ يقول: يومَ النحرِ يومَ الحجِّ الأكبرِ من أجلِ حديثِ أبي هريرةَ).[٩]
- تمام العقل: فإنّه لا حجّ ولا عمرة على مجنون، وذلك كسائر العبادات إلى أن يعود إلى رشده، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه السّلام: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ المجنونِ المغلوبِ على عقلِهِ حتَّى يُفيقَ، وعنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ قالَ: صدقتَ قالَ: فخلَّى عنها).[١٠]
- وصول البلوغ: فإنّه لا يجب الحجّ على الصّبي الذي لم يحتلم حتى يتمّ ذلك، وذلك للحديث السّابق، ولو أنّ الصّبي حجّ فحجّه صحيح، ولكنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (رفعتِ امرأةٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صبيّاً، فقالتْ: ألهذا حجُّ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: نعمْ، ولكِ أجرٌ).[١١]
- الحريّة الكاملة: فإنّ الحجّ لا يجب على المملوك، ولكن إن حجّ فإنّ حجّه صحيح، ولا يجزئه ذلك عن حجّة الإسلام، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (وأيُّما عبدٍ حجَّ ثم عُتِقَ فعليهِ حجَّةٌ أُخرى).[١٢]
- الاستطاعة على الحجّ: وذلك لقول الله تعالى:” (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).[١]
- وجود المحرم: وهذا شرط خاصّ بالمرأة فقط، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه السّلام: (لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ، ولا تسافرُ المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ ! إنَّ امرأتي خرجت حاجةً، وإني اكتتبتُ في غزوةِ كذا وكذا. قال: انطلِقْ فحُجَّ مع امرأتكَ)،[١٣]وبالتّالي فإنّه لا يجوز للمرأة أن تحجّ إلا مع زوج أو محرم لها.
أنساك الحج
من أراد الحجّ فإنّه مُخيّر بين واحد من ثلاثة أنساك، وهي على ما يأتي:[١٤]
- التمتّع: وهو أداء العمرة وحدها، أي أن يُحرِم بالعمرة من الميقات في أشهر الحجّ، حيث يقول نيّة الدّخول في الإحرام: (لبّيك عمرة)، ويستمر في هذه التّلبية، فإذا وصل مكّة وبدأ الطّواف يقطعها، فإذا طاف بالبيت، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة، ثمّ حلق أو قصّر، يحلَّ له كلّ شيء كان يَحرُم عليه لأنّه مُحرّم. وعند اليوم الثّامن – وهو يوم التّروية – من ذي الحجّة، يُحرِم بالحجّ وحده، ويأتي بجميع أعماله.
- القِران: وهو الجمع بين الحجّ والعمرة، حيث يُحرِم بالحجّ والعمرة معاً من الميقات في أشهر الحجّ، ويقول عند نيّة الدّخول في النّسك: (لبيك عمرةً وحجّاً)، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إذ قال أنس بن مالك: (سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهَلَّ بهما جميعًا: لبَّيك عمرةً وحجّاً، لبيك عمرةً وحجّاً).[١٥] أو من الممكن أن يُحرِم بالعمرة من الميقات، ثمّ يدخل الحجّ عليها أثناء الطّريق، ويُلبّي بالحجّ قبل أن يبدأ في الطّواف، وحين وصوله مكّة فإنّه يطوف طواف القدوم، ثمّ يسعى سعي الحج، وإن أراد أخّر سعي الحجّ بعد طواف الإفاضة، وإنّه لا يحلق، ولا يُقصّر، ولا يحلّ إحرامه، بل يبقى كذلك حتى يحلّ منه بعد التحلّل يوم العيد.
- الإفراد: وهو أن يُحرِم بالحج وحده من الميقات في أشهر الحجّ، حيث يقول عند نيّة الدّخول في الإحرام: (لبّيك حجّاً)، وذلك لحديث جابر رضي الله عنه قال: (قدمنا مع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ونحن نقول: لبيك اللَّهم لبيك بالحجّ، فأمرنا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – فجعلناها عمرةً).[١٦] وإنّ عمل المُفرِد مثل عمل القارِن سواءً بسواء، إلا أنّ القارِن يكون عليه هدي مثل المُتمتّع، وذلك شكراً لله تعالى أن يسّر له الحجّ والعمرة في سفر واحد.
أركان الحج
للحجّ أركان لا يتمّ إلا بها، وهي على النّحو الآتي:[١٧]
- الإحرام: ويعني نيّة الدّخول في النّسك، ومن ترك هذه النّية فإنّ حجّه لم ينعقد، وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)،[١٨] وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنّه إن أراد أن يهلَّ بحجّ فأهلّ بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبَّى بحجٍّ، أنَّ اللازم له ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه).
- وقوف عرفة: وذلك لقوله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الحرَامِ)،[١٩] لأنّ الإفاضة من عرفة إنّما تكون بعد أن يتمّ الوقوف فيها، وهذا هو الرّكن الذي يفوت الحجّ بفواته، وذلك لحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: (شَهِدْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهوَ واقفٌ بعرفةَ وأتاهُ ناسٌ من أَهْلِ نجدٍ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ الحجُّ؟ قالَ: الحجُّ عرفةُ، فمن جاءَ قبلَ صلاةِ الفجرِ، ليلةَ جَمعٍ، فقد تمَّ حجُّهُ، أيَّامُ منًى ثلاثةٌ، فمن تعجَّلَ في يومينِ، فلا إثمَ علَيهِ، ومن تأخَّرَ، فلا إثمَ علَيهِ، ثمَّ أردفَ رجلًا خلفَهُ، فجعلَ يُنادي بِهِنَّ)،[٢٠] وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنّ الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها).
- طواف الإفاضة: وذلك بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، وذلك لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق)[٢١]، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (حاضت صفيَّةُ بنتُ حُييٍّ بعدَما طافت قالت عائشةُ: فذكَرْتُ حيضتَها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحابِسَتُنا هي؟ قالت: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّها قد كانت أفاضت وطافت بالبيتِ ثمَّ حاضت بعد الإفاضةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلتنفِرْ).[٢٢]
- السّعي بين الصّفا والمروة: وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (ما أرى عليَّ جناحاً أن لا أطَّوَّفَ بينَ الصَّفا والمروَةِ، قالَت: إنَّ اللَّهَ يقولُ: إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ، أَوِ اعْتَمَرَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، ولو كانَ كما تقولُ لَكانَ فلا جناحَ عليْهِ أن لا يطَّوَّفَ بِهما، إنَّما أنزلَ هذا في ناسٍ منَ الأنصار، كانوا إذا أَهلُّوا أَهلُّوا لمناةَ، فلا يحلُّ لَهم أن يطَّوَّفوا بينَ الصَّفا والمروةِ. فلمَّا قدِموا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ في الحجِّ، ذَكروا ذلِكَ لَه، فأنزلَها اللَّهُ، فلَعَمري ما أتَمَّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ حجَّ من لم يطُف بينَ الصَّفا، والمروةِ).[٢٣]
واجبات الحج
إنّ من واجبات الحجّ ما يلي:[١٧]
- الإحرام من الميقات، وذلك للحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (وَقَّتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأهلِ المدينةِ ذا الحُلَيْفَةَ، ولأهلِ الشأْمِ الجُحْفَةَ، ولأهلِ نَجْدٍ قَرْنَ المنازلِ، ولأهلِ اليمنِ يَلَمْلَمَ، فهُنَّ لَهُنَّ، ولِمَن أَتَى عليهن من غيرِ أهلِهِن، لِمَن كان يريدُ الحَجَّ والعمرةَ، فمن كان دونَهن فمُهَلُّهُ من أهلِهِ، وكذلك حتى أهلُ مكةَ يُهِلُّون منها).[٢٤]
- الوقوف بعرفة إلى غروب الشّمس لمن وقف نهاراً، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجّة النّبي – صلّى الله عليه وسلّم -: (رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يرمي على راحلتِه يومَ النَّحرِ، ويقول: لِتأْخذوا مناسكَكم، فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعدَ حَجَّتي هذه)،[٢٥] ولم يرد عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنّه رخّص لأي أحد أن ينصرف من عرفة قبل غروب الشّمس.
- المبيت بمزدلفة، وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قد بات فيها، لقول الله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّين)،[٢٦] ولحديث جابر رضي الله عنه، أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (أفاضَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في حجَّةِ الوداعِ، وعلَيهِ السَّكينةُ، وأمرَهُم بالسَّكينةِ، وأمرَهُم أن يرموا، بمثلِ حَصى الخذَفِ، وأوضعَ في وادي مُحسِّرٍ، وقالَ: لتَأخُذْ أمَّتي نسُكَها، فإنِّي لا أدري لعلِّي، لا ألقاهم بعدَ عامي هذا)،[٢٧] ولأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – كان قد أذن للضعفاء بعد منتصف الليل، فدلّ ذلك على أنّ المبيت بمزدلفة أمر لازم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بذكره عند المشعر الحرام، فلو لم يكن المبيت بمزدلفة واجباً، لم يحتج فيه بعض النّاس إلى ترخيص.
- المبيت في منى ليالي أيّام التشريق الثلاثة للمتأخرين، وليلتين للمتعجلين، وذلك لقول الله تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى)،[٢٨] وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – بات فيها ليالي أيّام التّشريق الثّلاث، ولأنّه أَذِنَ للعباس أن يبيت في مكّة ليالي منى من أجل سقايته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن العباسَ رضي الله عنه استأذنَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟يَبيتَ بمكَّةَ لَياليَ مِنًى، من أجل سِقايتِهِ، فأذنَ له).[٢٩]
- رمي الجمرات بالترتيب، حيث تُرمَى جمرة العقبة يوم النّحر قبل الزّوال وبعده، وتُرمى الجمرات الثّلاث في أيّام التّشريقبعد زوال الشّمس، وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – بدأ بجمرة العقبة ضُحى يوم النّحر، ورمى الجمرات الثّلاث أيّام التّشريق بعد الزّوال، ولقوله تعالى: (واذْكُرُواْ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى).[٢٨]
- الحلق أو التقصير، وذلك لقوله تعالى: (وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)،[٣٠] ولأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أمر به فقال: (وليُقَصِّرْ وليَحلِلْ).[٣١]
- طواف الوداع، وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – طاف طواف الوداع عند خروجه من مكّة، وأمره – صلّى الله عليه وسلّم – بذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الناسُ ينصرفون في كلِّ وجهٍ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا ينفرِنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهدِه بالبيتِ. قال زهيرٌ: ينصرفون كلَّ وجهٍ، ولم يقل: في).[٣٢]
محظورات الإحرام
إنّ للإحرام محظورات تلزم من أحرم بالحجّ أو العمرة، وهي على الوجه التالي:[٦]
- اللبس: حيث يحرم على الرّجل ستر جميع رأسه أو بعضه بكلّ ما يعدّ ساتراً، سواءً أكان من المخيط أو غيره، معتاداً أو غيره، فإنّه لا يجوز له أن يضع على رأسه خرقةً، أو عمامةً، ولا أن يعصبها بعصابة ونحوها، وأمّا المرأة فالوجه في حقّها مثل رأس الرّجل، فإنّها تستر رأسها وسائر بدنها، سوى الوجه المحيط.
- استعمال الطيب: فإذا أحرم الإنسان يحرم عليه أن يتطيّب في ثوبه، أو بدنه، أو فراشه، بكلّ ما يعدّ طيباً، ومن ذلك: المسك، والكافُور، والعود، والعَنْبَر، والزعَّفرَان، والْوَرْدِ، وغيرها.
- دهن شعر الرّأس واللحية: فيحرم على المحرم أن يدهنهما بأيّ دهن، سواءً أكان مطيباً أم غير مطيب، مثل: الزّيت، ودهن اللوز، والسّمن.
- الحلق وتقليم الأظافر: فإنّه يحرم عليه إزالة شعره عن طريق الحلق، أو التقصير، أو النتف، أو الإحراق، وغير ذلك، سواءً أكان ذلك في شعر رأسه، أم إبطه أم العانة، أم الشّارب، وغيرها.
- عقد النّكاح: حيث إنّه يحرم على المحرم أن يُزوّج أو يتزوّج، ويكون كلّ نكاح كان الولي، أو الزّوج، أو الزّوجة مُحرماً، فإنّه باطل.
- الجماع ومقدّماته: حيث إنّه يحرم على المحرم أن يطء زوجته، وتحرم المباشرة فيما دون الفرج بشهوة كذلك.
- إتلاف الصّيد: فيحرم إتلاف أو تطيير كلّ حيوان برّي وحشي، أو كان في أصله وحشي مأكول، وسواءً المستأنس وغيره، والمملوك كذلك، فإذا أتلفه لزمه الجزاء.
أنواع الهدي
إنّ أنواع الهدي الواجبة في الحجّ هي ما يأتي:[٣٣]
- هدي التمتع والقران: وهو الدّم الذي يجب بس جمع الشّخص بين الحجّ والعمرة في ذات السّفر، لقوله تعالى: (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة).[٣٠] وأقلّ الهدي شاة، أو سبع بقرات، أو سبع بدنة، والحكم في الآية السّابقة يتمّ على التّرتيب، فلا يجوز العدول عن الهدي إلى ما سواه إلا في حال عجز الشّخص عنه. وكلّ هذا ينطبق على من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، أمّا في حال كان من حاضري المسجد الحرام، فإنّه لا هدي عليه.
- هدي الفوات والإحصار: وهذا هو الدّم الذي يجب بسبب فوات الحجّ، وذلك حين يطلع فجر يوم النّحرعلى المحرم ولم يقف بعرفة، وبالتّالي فإنّه يتحلل بعمرة، فيطوف، ثمّ يسعى، ويحلق رأسه أو يقصّر، ويقضي الحجّ الفائت، ثمّ يهدي هدياً يذبحه في قضائه. أمّا في حالة الإحصار، أي حدوث أمر طارئ يمنع المحرم من إتمام نسكه بعد أن بدأ به، مثل المرض، أو العدو، أو غير ذلك، لقوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)،[٣٠] وبالتّالي يجب عليه أن يقدّم هدياً يذبحه حيث أحصر، وإن لم يجد الهدي فإنّ في انتقاله إلى الصّيام خلافاً.
- هدي ترك الواجب: وهو الدّم الذي يجب بسبب ترك واجب من واجبات الحجّ، مثل ترك الإحرام من الميقات، أو عدم الوقف بعرفة جمعاً بين الليل والنّهار، أو ترك المبيت بمزدلفة، أو ترك طواف الوداع.
- هدي ارتكاب أمر محظور: وهو الدّم الذي يجب بسبب ارتكاب أيّ من محظورات الإحرام، ما عدا عقد النّكاح، وقتل الصّيد، والوطء، فإنّ لها أحكاماً أخرى، وهذه المحظورات مثل الحلق، والتطيّب، ولبس المخيط، وتقليم الأظافر.
- هدي الوطء والاستمتاع: وهذا الدّم الذي يجب بالجماع، فإذا قام الرّجل بمجامعة زوجته في الفرج قبل أن يتحلّل فإنّ حجّه قد فسد، وأمّا إذا حصل الجماع بعد التحلّل الأوّل، فإنّ حجّه لا يفسد.
- هدي الصّيد: وهو الدّم الذي يجب على المُحرِم الذي قام بقتل الصّيد، أو أعان على قتله بإشارة، أو مناولة، أو غير ذلك، ويجب عليه دم المثل لما قتل، يذبحه ثمّ يوزّعه على الفقراء، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ).[٣٤]
المراجع
- ^ أ ب ت سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ الشيخ الدكتور أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة ، صفحة 2، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ د.سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 8، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 155 .
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 77، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت النووي، الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، صفحة 113، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 94، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 28.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1347 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 4401.
- ↑ رواه البهيقي، في السنن الكبرى للبهيقي، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 5/155.
- ↑ رواه الألباني، في رواة الغليل، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 986 .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 1341.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 213، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1251 .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1570 .
- ^ أ ب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 306، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 198.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 2459 .
- ↑ سورة الحج، آية: 29.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3903 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عروة بن الزبير بن العوام، الصفحة أو الرقم: 2436 .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 1526 .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1297 .
- ↑ سورة البقرة، آية: 198.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2467 .
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 203.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1745 .
- ^ أ ب ت سورة البقرة، آية: 196.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1691 .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عبّاس، الصفحة أو الرقم: 1327 .
- ↑ “أحكام الهدي”، islamweb. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 95.