التعليمي

تعريف فن الموشحات , عصر الموشحات , اغراض الموشحات و سبب التسمية

التعريف بالموشّح:

موشّح جمع موشّحات وهو من وشّح أي زيّن أو حسّن أو رصّع. والموشح هو فن شعري ابتدعه العرب في ظروف اجتماعية و فنية خاصة، و شاع في الأندلس في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). و هو منظومة لا تلتزم بالنهج العروضي التقليدي الذي يلتزم وحدة الوزن و رتابة القافية و إنما تُُبنى على نهج جديد بحيث يتغير الوزن و تتنوع القوافي، و يتميز في استعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية في خِرجه و اتصاله القوي بالغناء. والموشحات غالبا ما تٌنظم لغرض التلحين، و تٌصاغ لتتفق مع النغم المنشود.
عرّف ابن سناء الملك الموشّح فقال: ” هو كلام منظوم على وزن مخصوص بقواف مختلفة, وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات, ويقال له التام. وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات, يقال له الأقرع. فالتام ما ابتديء فيه بالأقفال, والأقرع ما ابتديء فيه بالأبيات”*(1) و يقصد بأنه قطعة شعرية طويلة تتكون من مقاطع تترتب فيها الاشطر و القوافي على نسق مخصوص.
ووصف ابن خلدون الموشح في مقدمته بقوله: “ينظمونه أسماطاً أسماطاً، و أغصاناً أغصاناً، يكثرون منها و من أعاريضها المختلفة و يسمّون المتعدد منها بيتا واحداً، و يلتزمون ذلك عند قوافي تلك الأغصان و أوزانها متتالية في ما بعد إلى آخر القطعة، و أكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات….”*(2)


سبب التسمية:

تسمية الموشّح استعيرت من الوشاح الذي كانت تتزين به المراة في العصر الأندلسي لتشابههما في التحلي بالزخارف. و يعرف الموشح في المعاجم بأنه “سير منسوج من الجلد مرصّع بالجواهر و اللؤلؤ تتزين به المرأة”*(3) و لهذا سمي هذا النمط بالموشح لما فيه من ترصيع وتزيين و تناظر صنعة و من تغير الوزن و تنوع القوافي.

أهم الوشّاحين و رواد شعر الموشّح:

اختلف النقّاد و الباحثين على تسمية المؤلف الفعلي لفن الموشحات فمنهم من ذكر أنه أبو بكر عبادة بن ماء السماء، الشاعر القرطبي الفحل، شاعر الاندلس و رأس الشعراء في الدولة العامرية المتوفَّى عام 422هـ.*(4) و منهم من ذكر أنه مقدم ابن معافى القبري و الذي سمي بذلك نسبة الى قرية قبرة التي ترعرع فيها في الأندلس. توفي سنة 299 هـ (912 م) و لم يبقى لنا من موشحاته شيء.*(5) برع الكثير من الشعراء في فن الموشحات منهم عبادة القزاز، و الأعمى النطيلي الذي يعتبر كبير شعراء الموشحات في عصر المرابطين المتوفَّى عام 520هـ، وابن باجه الفيلسوف الشاعر المتوفَّى سنة 533هـ، ولسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر بغرناطة المتوفَّى سنة 776هـ. بالاضافة إلى ابن سناء الملك صاحب الكتاب المشهور “دار الطراز في عمل الموشحات”، و الذي لعب دورا في نقل الموشحات الى مصر.

نشأة الموشح:

توجد عدة نظريات في نشأة الموشح منها:

-النظرية الأجنبية؛ و التي أتى بها المستشرق الاسباني خوليان ريبيرا و يذكر أن الموشح هو طراز شعري مختلط، تمتزج فيه مؤثرات شرقية و غربية و أنه نشأ نتيجة الازدواج في اللغة؛ حيث كان الناس يتعلمون اللغة العربية الفصيحة في المدارس و الدواوين و يستعملون الاعجمية في شؤونهم اليومية، و كذلك نتيجة الاختلاط بالثقافات الاجنبية (الشرقية و الغربية) والتأثر بالشعر الغنائي الاعجمي.

-النظرية الفنية؛ و فيها يذكر ابن خلدون أن الموشح فنٌ مستحدث ظهر نتيجة ازدهار الشعر و كثرة الشعراء فيقول: “و أما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم و تهذّبت مناحييه و فنونه و بلغ التنسيق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح” *(6)

-نظرية تطور الأنواع الأدبية؛ نظّم العرب منذ الجاهلية على أبحر تختلف عن الأبحر التي جاء بها الخليل بن أحمد الفراهيدي وربما استخدموا أكثر من بحر في المقطوعة الواحدة، فتنوعت أجناس النظم و اختلفت أوزان الموشحات و كانت مألوفة و شائعة في القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، عدّ منها مارتن هارتمانّ ( وهو مستشرق ألماني مهتم بالأدب و اصوله) مائة و ستة و أربعين مزيجا سمي كل منها بحراً.*(7) و منها التسميط أو المٌسمّط الذي كان معروفا منذ الجاهلية و تطوّر حتى أصبح يعرف بالموشح. وصفه ابن رشيق بقوله: ” الشعر المُسمّط، و هو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصّرع ثم يأتي على أربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسيما واحدا من جنس ما ابتدأ به. و هكذا الى آخر القصيدة” و ” المسمطات جاءت في أوزان كثيرة مختلفة” *(8)،مثال ذلك قول امرئ القيس:

توهمت من هند معالم أطلال غفاهن طول الدهر في الزمن الخال
مرابع من هند خلت ومصايف يصيح بمغناها صدى وعوازف
وغيرها هوج الرياح العواصف وكل مسف ثم آخر رادف
بأسحم من نوء السماكين هطال

-النظرية الموسيقية؛ يقول عمر فروخ في كتابه تاريخ الادب العربي: ” نشأ الموشح من حاجة المغنّين الى كلام يسايرون به الألحان….فكان الأندلسيون يلقوون آذانهم على الألحان ثم يؤلفون عليها الكلمات”*(9) و بذلك ازدهرت الموشحات في بلاد الأندلس.


أغراض الموشحات:

-الغزل
-الوصف
-المديح
-الرثاء

تركيب الموشح:

يحتوي الموشح على عدة مكونات أساسية هي:

-المطلع أو المذهب: هو مقدمة الموشّح و أول أقسامه ، وهو القفل الأول الذي يُفتتح بهِ المُوَشّح ، فإن وجد سُمي المُوشّح تاما وان لم يوجد يُسمّى أقرع.

-القفل: هو الجزء من المُوشّح الذي يتكرر بقافيته ، ويشترط في الأقفال جميعاً أن يكون لها قوافٍ واحده في المُوشّح كله.

-الغصن: هو الشطر الواحد من القفل وقد يحوي غُصنين أو أكثر.

-الدور: هو القسم الذي يكون بين قفلين وهو يتألف من أجزاء أقلّها ثلاثة ولا تتجاوز
الخمسة إلا نادراً. والأدوار تتماثل جميعاً في المُوشّح الواحد من حيث الأجزاء ولكنها تختلف من ناحية القوافي.

-السمط: هو الجزء من الدور و يتكون من فقرة او اثنتين او ثلاث او اربع ولكل فقرة قافية تتكرر في اسماط الدور الواحد وتختلف من دور الى دور.

-البيت: هو الدور عند جماعة من الباحثين والدور مع القفل الذي يليه عند جماعة ثانية.

-الخرجة: هي القفل الاخير من المُوشّح ويُستحسن فيها اللحن او الكلام العامي.

و أرى أن هذه المكونات الأساسية لعبت دورا في انتشار فن الموشح بصورته الأصلية و لم يطرأ عليه أي تغيير مع الزمن.

الموشحات في مصر:

كان ابن سناء الملك أول من نظّم الموشّح في مصر في القرن السادس الهجري(الثاني عشر الميلادي) و من أهم كتبه ” دار الطراز في عمل الموشحات”. أقبل المصريون بعد ذلك على الموشّح و على غنائه فكانوا يقدّمون عروضهم الغنائية (الموشحات) في المقاهي والحفلات التي تسبق يوم الزفاف. ولقد أطلق اسم “الصهبجية” على حفظة الموشحات من المصريين. ثم انتقل غناء الموشحات من المقاهي إلى المجالس الخاصة بالقصور و تم استبدال بعض الألفاظ التركية مثل “أمان أفندي” و “جانم” بألفاظ عربية مثل ” ياليل يا عين”. و من أبرز ملحني الموشحات في مصر محمد عثمان و عبده الحامولي و داود حسني و زكريا أحمد و سيد درويش و غيرهم.

الموشحات الدينية:
ازدهرت الموشحات الدينية في العصر الفاطمي نتيجة الاهتمام بالاحتفالات و المناسبات الدينية، و تهدف الى مناجاة الله سبحانه و تعالى و التقرب له و مدح الرسول محمد صلى الله عليه و سلم. و من رواد الموشح الديني في العصر الحديث زكريا أحمد و كامل الخلعي.

و ختاما، فقد ذكرت أن الموشّح هو فن ابتدعه الاندلسيون في ظروف اجتماعية و فنية معينة، وأكثروا من تأليفه فتعددت أغراضه و تنوعت بحوره و أوزانه. و من أهم خصائصه أنه لا يلتزم بالنهج العروضي التقليدي الذي يلتزم وحدة الوزن و رتابة القافية و إنما يُُبنى على نهج جديد بحيث يتغير الوزن و تتنوع القوافي. وهو في بعض الأحيان يمزج بين الفصاحة و اللهجات العامية مما يعطيه رونقا موسيقيا عذبا تطرب له النفس و تأنسه. و للموشح مكونات أساسية تميزه عن غيره من القصائد العربية التقليدية، ففيه المطلع و القفل و الدور و الغصن و السمط و البيت و الخرجة. و هذا ما ساعد على انتشاره بصورته الاصلية و لم يطرأ علية أي تغيير مع مرور العصور.

زر الذهاب إلى الأعلى