بين الصحافة ومطلوبات الأمن الوطني
لم يكن في الإمكان أبدع وأروع مما كان، فقد اتفق جهاز الأمن والمخابرات الوطني ممثلاً في كبيره الفريق أول مهندس صلاح قوش ومسؤول الإعلام اللواء محمد حامد تبيدي ورؤساء تحرير الصحف السياسية خلال اجتماع عُقد بالمجلس الوطني، على إيجاد آلية للرقابة الذاتية تقوم بها الصحافة ممثلة بلجنة يفوض باختيارها اتحاد الصحفيين بحيث تتوقف في مقابل ذلك مصادرة الصحف بعد طباعتها وغير ذلك من الممارسات التي يتخذها الجهاز لحماية ما يعتقد أنه يضر بأمن الوطن ومصالحه العليا.
كان الاجتماع الذي دعت له لجنة الإعلام بالمجلس الوطني ورأسه رئيس المجلس بروف إبراهيم أحمد عمر محضورًا بشكل ربما ليس مسبوقاً، كما كان مثمراً للغاية أكد فيه قوش على الدور الوطني للصحافة السودانية، واتفق الجميع بدون استثناء على أن بعض ما تحمله الصحف السياسية من أخبار وآراء يُحدث إضراراً بالأمن الوطني والاقتصادي، وضرب مثلاً بخبر مكذوب نُشر مؤخراً في إحدى الصحف من شأنه أن يضر بالصادرات السودانية وبمقال ذي تأثير سالب على علاقات السودان الخارجية.
اتفق االمجتمعون على تكوين لجنة من الصحفيين متعددة الآراء والتوجهات السياسية تختص بوضع ميثاق يحدد مهددات الأمن الوطني والمصالح العليا للوطن، بحيث يتراضى الصحفيون بعد ذلك على تلك الوثيقة مع تكوين آلية من الصحفيين للرقابة الذاتية تجتمع من حين لآخر لتحدد المخالفات التي تأتيها الصحف.
ستكون تلك الآلية بديلاً رقابياً ضابطاً يكف يد الجهاز عن الممارسات التي كان (يضطر) إليها من حين لآخر لمنع ما يعتقد أنه يُحدث أضراراً بأمن الوطن وبمصالحه وعلاقاته الخارجية.
ما يُشير إلى نجاح هذا الاجتماع أنه ضم حوالي تسعين في المئة من رؤساء تحرير الصحف السياسية الورقية اليومية والدورية مع ممثلين للصحافة الإلكترونية، فقد حضره على سبيل المثال الأساتذة أحمد البلال الطيب (أخبار اليوم) وحسين خوجلي (ألوان) والرزيقي (اتحاد الصحفيين والانتباهة) وعثمان ميرغني (التيار) ومالك طه (الرأي العام) وضياء الدين بلال السوداني) ومحمد وداعة (البعث) وأشرف عبد العزيز (الجريدة) ومزمل أبوالقاسم (اليوم التالي)، وعبد الماجد عبد الحميد (مصادر)، وصلاح حبيب (المجهر)، وأسامة عبد الماجد (آخر لحظة)، ومصطفى أبوالعزائم (الاخبار)، ومحمد الفاتح أحمد (الأهرام) ورحاب طه (الوفاق) وخالد التجاني (إيلاف) ورمضان محجوب (الصيحة) ومن الصحافة الإلكترونية عادل الباز (الأحداث) ولينا يعقوب(باج نيوز) كما حضره بالطبع شخصي الضعيف (لجنة الإعلام).
أشهد أن الحضور تحدثوا بمنتهى الشجاعة والصراحة وأعتقد أنهم لم يتركوا شيئاً مما يشغلهم لم يتعرضوا إليه وكانت روح الاجتماع ودية تخللتها بعض القفشات التي أضفت على الجلسة نكهة لطيفة وأبعدته عن (التنشنة) وكان قوش متجاوباً إلى أبعد الحدود وأثلج صدري الافادات التي أدلى بها بعضهم ممن حرصتُ على معرفة آرائهم ومنهم عثمان ميرغني الذي وصف الاجتماع بالممتاز وأشرف عبد العزيز ووداعة اللذان أبديا رضاهما عن الاجتماع ومخرجاته، وطالب أبو العزائم بتكرار الاجتماع بحيث يكون دورياً وأيده عدد من الحضور .
بعيداً عن القضية التي انعقد الاجتماع من أجلها، وبعد مغادرة الفريق أول صلاح قوش، تعرض الاجتماع في خاتمته إلى بند آخر يتعلق بالعلاقة بين المجلس الوطني والصحافة على خلفية ما حدث من خلاف خلال الأسابيع الأخيرة، واتفق الجميع على حل ذلك النزاع بما يحافظ على العلاقة المتميزة بين الصحافة والبرلمان باعتباره السلطة التشريعية والرقابية التي تعبر عن الشعب، وينبغي أن تحظى بالاحترام والتقدير بعيداً عن تسييس القضايا وشخصنتها، واتفق الحضور على إحدى المسلمات الإدارية بأن الصحفيين الذين يغطون أعمال البرلمان وغيره من المرافق يعملون وفقاً للسياسة التحريرية التي تقررها إداراتهم العليا، واكد الاجتماع على تقدير واحترام رئيس المجلس الوطني البروف إبراهيم أحمد عمر، لكنهم ترجّوه بأن يتجاوز عن الخلاف الذي حدث مؤخراً وبأن يسمح للصحافة بتغطية جلسات لجان المجلس وغيرها من الفعاليات بالنظر إلى أهمية إطلاع المواطنين على شتى أنشطة المجلس.