الاخبار

بين البشير والإمام وفش الغبينة

%name بين البشير والإمام وفش الغبينة

لم ولن أنسى تلك الحكمة العظيمة التي كان الإمام الصادق المهدي يُناصح بها الشيخ الترابي أيام كان مغاضباً للحكومة شاناً الحرب عليها بعد أن فعلت به وبحزبه الأفاعيل ..لم أنسها فقد حملت من تراثنا وأدبنا الشعبي ما إن استعصمت به كل القوى السياسية ، محاربها ومسالمها ، لكفت بلادنا شروراً عظيمة وحروباً كثيرة هي ، ولا شيء سواها ، ما أقعد بلادنا وعطّل مسيرتها منذ الاستقلال.

كان الصادق المهدي يناصح صهره الترابي بمقولة (من فش غبينتو خرب مدينتو )!

فيا سبحان الله ! وتدور الأيام وينتصح الترابي بما محضه به صهره وينكص المهدي ويرتد إلى ما كان عليه الترابي من خصومة شعواء ساداً أذنيه عن حكمته البليغة تلك فما أبعد النصيحة عن الناصح وما أبعد القول عن الفعل؟!

هذا أس المشكلة التي باعدت بين أبناء السودان فأحالت حياتهم إلى جحيم من الحروب المتصلة والاضطراب السياسي الذي لم يخب أواره ..غبائن ومرارات يزرعها الشيطان لينزغ بين الناس .. كل (يفش) غبينته في الآخر فما من قبيلة يقتل منها فرد أو حتى حمار حتى تشحذ سيوفها (لتفش) غبينتها في القاتل وفي عقبه وقبيله وما من زعيم يقصيه آخر حتى يحرك جيوشه ليفتك بالآخر ثأراً وانتقاماً ، وهكذا تتصارع الأفيال لتموت الحشائش المتمثلة في الوطن ببشره وحجره وزرعه وضرعه ولتتوقف الحياة ويرتع الشيطان في الأشلاء ويكرع في الدماء.

ما ذكرته من قصة الترابي والمهدي لا يختلف عن التمردات التي فتكت ولا تزال ببلادنا منذ الاستقلال إلا في النوع بل لا تختلف عن الحروب القبلية كالتي جرت بالأمس في منطقة الحمرا بالقضارف ولو سألت المهدي عن رأيه لاستبشع ما فعله المتقاتلون في تلك المنطقة رغم ان الحال من بعضه فكلها (فش غبائن) حتى لو اختلفت النتيجة في الحالتين.

لحظات غضب يغيب فيها الوعي ويرتع فيها الشيطان فتسيل الدماء أو تنفصم عرى التواصل ويئن الوطن جميعه سنين عددا .. يحدث ذلك في كل ثانية وفي كل ركن من أركان المعمورة ..لحظة (فش غبينة) في خلاف حول (كباية شاي) تحدث الطلاق ليتمزق الأطفال .. يتصارع السياسيون فتندلع الحروب .. يقتل أحمق في لحظة طيش أحد الرعاة في إحدى البوادي فتسيل الدماء ويسقط المئات .. يتمرد ضيق صدر مغبون من ظلم متوهم لحق باهله فيحيل إقليماً كاملاً إلى ساحة حرب وهكذا.

في كل ذلك يغيب الرشد وقيم العفو والصفح والتسامح وكظم الغيظ ويعلو نداء الثأر (وفش الغبينة).

ماذا كان سيحدث لو لم يلق القبض على المهدي ويودع سجن كوبر لمجرد أنه قال رأياً .. (مجرد رأي) .. أما كان ينبغي أن يذكر سجانوه ما قاله في لحظة تجل وسمو حينما أدان التمرد الذي حاول غزو أم درمان؟! اذكر ان تلفزيون السودان بث خطاب الادانة الذي وجهه المهدي عدة مرات فقارنوا بالله عليكم واحكموا.

المهدي انضم إلى الحوار بل إنه مد عنقه للرئيس البشير ليكرمه وفي لحظة غضب ينهار كل شيء وندخل في دوامة جديدة من الصراع نبذل سنوات في معالجة آثارها!

ما حدث للمهدي في الخارج ينبغي أن يقنعه أن وطنه أرحم له وأكرم وأفضل لممارسة نضاله السياسي وأن حريته المنقوصة في وطنه أكبر من حريته (المسلوبة تماماً) في مهجره وأن ما يصيبه في وطنه يرفعه لدى شعبه كما أنه لا يوجد سبب يحول بينه وبين البقاء في موطنه فما السجن بكثير في سبيل الوطن والمبادئ ولعل صبر الترابي على دفع فاتورة البقاء في الوطن رغم مرارات السجن في مختلف العهود ينبغي أن يقدم درساً بليغاً لكل المتصدين للعمل السياسي.

ليت سياسيينا يتأسون بشيء من حلم معاوية وهو يطفئ غضب عبدالله بن الزبير ويُحيل موجدته إلى رضا وتصاف وليتهم يتأسون بالملك حسين حين زار سجينه ليث شبيلات في سجنه وأخذه في سيارته إلى بيته معززاً مكرماً.

عزيزي المهدي ..عد إلى ديارك فوالله أنها أرحم لك فنحن نحتاج إليك من أجل الانتقال إلى المربع الجديد الذي ننشده لبلادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى