ع العنان امرأة في سروال رجل..
.. (قالت) آه.. أيها الرجل المتسربل بالمكر والخداع والنفاق.. أيها الكذاب الأفاق.. يارجلا تسرب بين أنامل
لحظاتي القلقة الوجلة ، كما حبات الرمل العطشى ،كما موجات الريح العاتية.. هل مازلت تذكرني؟ هل مازلت
تعلق صورة ذكرياتي على جدار ذاكرتـــــك الهلامية، أم أنك غيرت الصورة البالية وتركت الاطار المذهب بالكلام
المعسول والأمنيات الماكرة؟.. اليوم وأنا أطالع صحف الصباح فوجئت باسمك الذي يعني لي أشياء كثيرة بين
السطور في صفحة الحوادث.. جريمة شنيعة.. ارهابية تغتال الضابط (…. .) بمسدسه وتقطع…. وتملأ به فمه
يالها من نهاية ساخرة، لم أصدق ماقرأت فأعدت قراءة الخبر الفجيعة،وقد انتابتني عاصفة باردة من الحقد
والسخرية. أيها الفارس الهمام الغانم. صاحب الغنائم. هل تذكر غنيمتك الأولى أوالعاشرة أوالمائة؟ لايهم
رقمي في سجلك.. لست أبكيك ولستأرثي مصيرك الأليم وأنت الآن لست سيد مصيرك.. أنا الآن في لحظة
تختلف عن اللحظةالتي جمعتنا يوما ونسجت لنا بساطاورديامن الأحلام الجميلة.. أنا الآن وحيدة وتعيسة بمرارة
ماضيك.. وطفلنا اليتيم في بيت الآخرين يبحث عن الحنـان… طيفــــك مرآتي المفضلة التي أقف قبالتها معظم
أوقاتي. أتوضأ منكسرة لأتطهر من شيطان رجسك ثم أنشف منابع دموعي بمناديل الصبرالجميل..أنا الآن
أرثي نفسي،وأرثي قلبي المتناثر شظاياحارقة في هذا الكون اللامتناهي. كنت عانساوصرت أرملة لم تتزوج
ولم تفرح بفستان زفافها. في هذه اللحظات المنزلقة والمتدحرجة من قمم اليأس لا أجد في قبضة يدي
الناعمة التي أهدتك يوما زنبقة حمراءسوى دماء نازفة. ولاأجد على ضفاف جفوني سوى بقايا سهاد حارق.
إنحسر الطوفان ولم يبق سوى وجع الذاكرة وصداع الكلمات المنمقة.. آه ماأقساك أيها الحبيب السفاح..
كنت أهمس في أذنك:
– حبنا أكبر منا يامصطفى..
فترد بثقة الرجال:
– نحن في مستوى هذا الحب العظيم،ولن نتخاذل خطوة في سبيله..
وكما تمتحن العاشقات عشاقهن أعيد السؤال الروتيني ليطمئن قلبي:
– هل تظنه يقوى على مواجهة تفاهة البشر؟
فتجيب بمكر الرجال:
– من تقصدين؟
أقول لك:
– طبعا.. حبنا..
تبتسم ابتسامتك الغامضة وتجيب:
– بكل تأكيد ياعزيزتي.. نحن نصنع مصيرنا بأيدينا، ولن يصنعه أحد غيرنا.. إطمئني ولاتخافي.. رغم الإنكسار..
والحصار.. أتأبط دائما عكازي.. خيبتي وأقصد هذا الخلاء. الخراب. حيث لايراني سوى الله الذي يعرف سري..
باحثةعن لحظة للراحة والصفاء،لأغتسل من خطيئة ارتكبتهابارادتي في لحظة ضعف بشري،وكان المحرض
على ارتكابها شيطان غرائزك الملعون.. كنت ياحبيبي ساعتها شيطانا في ثوب ملاك،لم تكن شيطانا يغوي
ويعترف بغوايته ويمهل قصاصه إلى يوم الدين.. بل سرعان ما يعلن البراءة من كل فعل ارادي لاغبار عليه..
لقد اكتشفت سذاجتي مبكرا أنا الطفلة البريئة في عالم الذئاب الماكرين،الذين يقطرون شهوة ونذالة..
– أيها \”الرجالة\” الأفاضل.. رجاء عندما تقترفون حماقاتكم، أحفروا لها حفرة عميقة وادفنوها مثلما تفعل
بفضلاتها القطط.. في سكون الليالي سرعان ما أخلد إلى فراشي،لكن سرعان ما تضطهدني الجدران الصماء،
مرددة صدى غلطتي الشنعاء.. . فأتقلب ذات اليمين وذات الشمال،باحثة عن مخرج لهذه الورطة القاتلة..
أستغفر الله.. و أتلوما تيسر من سورة مريم العذراء،ثم أتفحص وجه (الجوكاندا) على الجدار المقابل، فتقابلني
بابتسامتها الفاترة الساخرة.. أصرخ داخل جلدي صراخ المجانين :- أعيدوني إلى رحم أمي..
لا أحد يسمعني. ولا أحد يفهمني حتى (الجوكاندا) صديقتي الخرساء.. ليت \”دافينشي\”يقوم من قبره ويعيد
لها ابتسامتها الواضحة فتحدثني عن قصصها ومغامراتها..
لم تحاول يوما أن تفهمني، كما حاولت مرارا أن أفهمك وأتعمق في ملامحك ونظراتك وأنفاسك ولمساتك.
كنت تأتي دائما متلهفا مثل السارق،مضرجا بالخوف والريبة،وفي كل لحظة كنت أشك في نواياك ولكن أحاول
أن أغض طرفي وشكوكي حتى لا أفسد اللحظات القليلة التي تجمعنا.. أبدا لم تكن يوما عاشقا ولهانا تقتفي
أثرالأوائل الذين مجدوا الحب وذبحوا له قرابين الوفاء وفدوا عشيقاتهـــم بالروح.. أبدا لم تكن ذلك ا لبطل الذي
تتحدث عن نبله وشهامته الأساطير.. لقد دأبت على قص حكايتي كل ليلة (للجوكندا) وأظنها تسخر مني،
ولكنها وفية لاتفشي السر.. ما أنبلها.. قد تكون محقـــــة لأني لم أستفد من خبرة شهرزاد التي قلمت أظافر
السلطان شهريار. فلم يعد ينشبها في شرف الصبايا البريئات. كم كانت شهرزاد ذكية..وكم كانت جريئة.. بينما
كنت ضعيفة. جرفني الطوفان ولم أتشبث بحبال السفينة لما أعلن نوح الرحيل برفقة المؤمنين والصالحين..
أضم (الجوكاندا) وأضم السنوات الأربع من عشقنا وطيشنا ونزقنا.. وتسويفك الدائم:
– قريبا نتزوج ونضع حدا لهذا الحب المتشرد..
أضع يدي في يدك أستسلم للأحلام.. والآن أستسلم لليأس اللعين..
كم كنت فظا غليظا أيها الضابط.. كنت زهرة يانعة في حقلك فقطفتني قبل الأوان.. ثم حاصرتني بكلامك القاتل
وبنظراتك المريبة.
تطلب المزيد من المتعة. وتتلهف عليها كما السراق الذين يعرفون أنها لاتدوم لهم.. وحين أتعفف وأتمنع تغضب
و\”تزعف \” مثل الصبي المدلل، وتشهر مسدسك في وجهي، ولما أضطر لتلبية حاجاتك البوهيمية، أشعر كل
مرة بعاطفتك تخبو شيئا فشيئا..تاركة المجال لعواء الرغبة المجنونة.. في ذلك اليوم الماطر، لن أنساه أبدا.
أهديتني سلسلة من الذهب الخالص، ثم تأبطت ذراعي في نزهة غير محمودة العواقب.. انتهت إلى فندق
فاخر لست أذكر عدد نجومه.. بعد عشاء لذيذ وحديث ألذ.. كانت نهاية المطاف سرير ناعم بألوان مزركشة
يغري بكل شيء.. في لحظة ضعف أمطرتني برذاذ الكلمات الناعمة وأغرقتني في جحيم القبل.. وبعد
استماتة قوية في الدفاع عن آخر أسوار الشرف اقتحمت جيوشك أسوار قلعتي،فأستسلم جنود عنادي..
معلنين عن الهزيمة.. الفضيحة.. حاولت أن تطمئنني.. لكني بكيت وعرفت ساعتها مصيري.. تمنيت لو أن
خطواتنا مازالت تسير جنبا إلى جنب، على ايقاع قلبينا المتناجيين،دون تسويف. لكن شاء القدر أن كتب علي
أن أحمل عبء أشجان الخطيئة.. كانت لعنة نطفتك تكبر في أحشائي. صرت أنا المرأة الحديدية المنضبطة،
أتوارى عن الناس متخفية في دهاليز الخوف والملابس الفضفاضة،والغيابات عن العمل، المبررة وغير المبررة،ثم
العطلة المرضية.. لا أحد من عائلتي فهم سري، أمي، أبي، إخوتي.. كنت أحاول أن أحافظ على الصورة التي
رسموها لي في أذهانهم.. امرأة في سروال رجل ولايمكن أن يخافوا علي.. كان أبي يقول:
– ربي \”مارزقنيش\”بطفل بصح عوضني بسعدية.. امرأة خير من سبعة رجال..
كلما مر الوقت لم يكن ذلك في صالحي. لأول مرة أتمنى أن يتوقف الزمن وتتوقف الأشياء،ويتجمد كل شىء
ويتوقف التطور والنمو إلى الأبد،لنقف عند لحظة ولو شقية. فقط، لاتتطور إلى شيء أكبر منا.. نخفيه فيفضحنا..
أصبح وأمسي على كأس الندامة.. ياله من \”ريجيم\” قاتل.. كلما مريوم إلا وأفقد السيطرة على نفسي
وأصبح فريسة سهلة للكآبة ودمية مسلوبة الارادة.. لاشيء يسكنني سوى الخوف من الماضي الذي لاتندمل
جراحه اللعينة.. أفقت من الغيبوبة، سالتني القابلة:
– أين أب الطفل؟
لم أجب. فهمت الجواب. ولم أستطع أن أسألها عن طفلي،أين هو ؟ كانت غاضبة كالرعد. سلمتني شهادة
الوفاة. اختلطت دمــــــوع عواطفي. ترجيتها أن أرى الطفل. لما رأت اصراري وعنادي، تنهدت ثم قالت:
– الطفل عندو\”شكون\”يتكفل بيه. زوجة\”جادارمي\” مارزقهاش ربي،وصاتني عليه.. كي تقومي بالسلامة
نعطيك العنوان.. زوريها تعطيك مبلغ من المال و ماتنسيش حقي.. ابنك راه أضمن المستقبل في وسط عائلة
محترمة.. انتبهي لنفسك.. كيف تواجهين الواقع الجديد.؟
تنهدت من أعماقها.. شعرت هذه المرة بشفقتها ورأفتها:
– \”الرجالة \”صعاب يابنتي.. اللي تحسبوثعلب يوليلك ذيب.. تذكرت ساعتها قولك الصاعقة:
– تحملي المسؤولية وحدك.. أنا لايمكنني الارتباط بواحدة مثلك سلمتني نفسها دون رباط مقدس..
-.. .. .. ..
كان الموقف أكبر مني ومنك أيها (….) لأن كلامك القاتل صار سما زعافا نفثته حية خبيثة في وجهي.. أبدا لم
تكن أنت حبيبي الذي عرفته أول مرة. فجأة،أصبحت شخصاآخرغريب عني.
– ما أسهل لعبكم أيها \”الرجالة \”..
أصبحت الآن،بنت \”الزنقة \” التي تصطاد \”الزوفرية \” المكتوين بنار القهر والاضطهاد.. أورقاصة في كباريه ذي
نجوم.. ومصاصو الشرف الرفيع يرشقون صدري العاري بالعملة المحلية والعملات الأجنبية.. كنت أحاول أن أدافع
عن كرامتي ولكنك قطعت لساني شاهدي الوحيد.. لم أستطع أن أتخيل نفسي مثل مريم العذراء التي ولدت
المسيح.. حاشا،أن أكون مثلها. كانت أشرف مني.. فقط حاولت أن أكون قبالتك قوية ومسيطرة على نفسي
ودموعي،لأرد على اتهاماتك الدنيئة. صراحة كنت أقوى من تلك اللحظة اللعينة التي مرغتني فيها على السرير
الوثير وأفرغت في أحشائي نفاياتك القاتلة.. لكن دموعي المخنثة،خانتني وفضحتني.. وأنت صامت كما أبي
الهول، فأي لغز تخفيه..؟ تمنيت لو أسند رأسي إلى صدرك وأبكي مثل طفلة يتيمة بكاء مرا أرثي فيه نفسي
و\”زهري\”التعيس،ولكني لم أستطع. كنت أقاوم ضعف الأنثى بكل ما استطعت.. تراجعت إلى الخلف مثل
جندي جبان لم يستطع أن يواجه أعداءه فقرر الانسحاب،مفضلا الحياة التعيسة علىالموت الشريف..
لأول مرة أشعركأني مع غريب لم يكن بيني وبينه مودة ومشاعر وتدق في أعماقي أجراس اللعنة إلى الأبد..
حيث لن تطهرني من الدنس أنهاردجلة والفرات والأمازون.. مثلما انتصبت رجولتك قبالتي وفي أحشائي،
انتصبت في ذاكرتي التعيسة.. يوما بعد يوم. بكل شجاعة قاومت رهبتك وطردت استبداد خيالك واستجمعت
عظام شرفي من محرابك.. وعرفت مع الزمن أن ماعشته لم يكن سوىكوميديا بشرية بلهاء.. بينماكنت أروض
فيك الثورالاسباني المجنون، كنت تبتزني كل لحظة وتستعجل الرحيل إلى شاطىء الأمان..
لقد فعلتها أيها الرجل الوسيم المتحرر من أسمال التقاليد البالية.. وأعترف أني كنت ضحيتك المغفلة.. كان
علي أن لاأدخــــل اللعبة أصلا،مادامت الأمورغيرواضحة والامكانات غير متكافئة والنوايا سيئة..
كان علي أن أغير أساليبي لما تناقلت أخبارك النسوان. لقد أعماني حبك يومهاوصدقت قولك:
– هذه وشايات الحاسدين..
ثم همست في أذني:
– أنت تختلفين عنهن..
ولما أهديتني تلك السلسلة الذهبية،قبل الفاجعة،كانت الصفيحة الرقيقة تحمل اسم فتيحة ولما استفسرتك
متعجبة كذبت علي واتهمت الصائغي الذي يكون قدأخطأ في تركيب الصفيحة وعدتني بتصليح الخطأ لكنك لم
تف. أخذت السلسلة ولم تعدها إلي.. كان علي أن أراجع دفاتر حساباتي قبل أن تسقط الفأس على رأسي..