الخيار الآخر
قرأت مقالاً جميلاً للمفكر ناصر القحطاني.. يحكي فيه عن الخيار الآخر لكل منعطف في الحياة.. أو نقطة فاصلة تستحق التوقف عندها.. ملخص مقاله.. هو أن تسأل نفسك (ما هو الخيار الآخر إن لم أفعل هذا).. ثم توازن بين الخيارين.. وتتوكل على أفضلهما.. سألت نفسي بعد الفراغ من القراءة.. ترى هل نطبق نظرية الخيار الآخر في حياتنا؟ أم تأخذنا الرياح في اتجاهها كيفما اتفق.. ورزق اليوم باليوم؟؟
مانشيت عريض بالصحف اليومية يخبرنا.. أننا بصدد تصدير الرمال من مناطق محددة في السودان.. الى ألمانيا الاتحادية.. ويبشرنا الخبر بعائد ضخم يوازي مليارات الدولارات.. ويهمس لنا في الآذان بأنها (حتروق وتحلى).. والدولارات تنهمر علينا.. والأسعار تنزل.. والمواصلااات تبقى فاااضية.. لكن هاتفاً آخر يصرخ في المقابل (أطرد الأحلام يا جميل واصحى)…
حين قرأت ذلك المانشيت.. سؤالي كان.. ما هو الخيار الآخر في حالة عدم تصدير الرمال؟ ترى هل سأل القائمون على الأمر أنفسهم هذا السؤال؟.. هل من الممكن أن نتوقف ونتساءل.. ما هي الفائدة التي يرجوها الألمان من الرمال؟؟ أكيد أنهم لن يجعلوها كثباناً ليجلسوا متكئين عليها ويدندوا مع الطنبور (يا رمال حلتنا.. ولا كان مانسك يا حليلو).. لابد أن منها فائدة.. وفائدة كبيرة جداً.. تجعلهم يختارون أماكن محددة.. ويتكبدون المشاق لنقل الرمال ويدفعون مقابلها (ورق أخضر).. بالتأكيد ليس في ذلك خدمة لنا.. ولا يمكن أن تكون عملاً لوجه الله تعالى.. في عالم تحكمه السياسة والمصالح التجارية .
لكن طبعاً لن تجد أحداً يفكر في خيار آخر.. لأن هناك مستفيد من إتمام الصفقة.. يردد: (والله ما تبيعوه الرملة حقتكم.. يمشي يشتريها من حتة تانية.. إنتو قايلين براكم العندكم رملة؟).. ومساعده يهمس في اتجاه آخر (أحسن ليكم دولار حي.. والبلد محتاجة.. والرملة كتيرة..وو)، بل ربما أتانا أحدهم من الذين يدعون الكرامات ليقول لنا إنه رأى في منامه.. رمال الصحراء وهي تطالب بالهجرة.. ففي ذلك خير البلاد والعباد.. ويبشرنا بغدٍ أفضل بدون (رملة)
المفارقة المضحكة المبكية.. أننا كنا نجلس على تلال الرمال تلك ولا ندري نفعها.. وعندما علمنا أن لها فائدة.. لم نفكر في الخيار الآخر.. خيار أن تتم إقامة مصانع الزجاج هنا.. أغلب الدول الصناعية الكبرى نقلت مصانعها إلى بلدان العالم الثالث حيث الموارد والأيدي العاملة المتوفرة.. أقرب مثال شركة الفلوكسواجن التي اتخذت من رواندا مقراً لمصانع سياراتها في أفريقيا.. لكن مثل هذه الأخبار لا تمر علينا.. ذلك أننا نقدم لهم الموارد طائعين.. والمرة دي كمان جابت ليها (ديلفري).. فرحنا بالبيع.. ولم نحسب حساب ذلك اليوم القريب الذي سنستورد فيه ما يتم تصنيعه من مواردنا بأضعاف ما تسلمناه من أموال.. وطبعاً ليس هذا الأمر جديداً علينا.. فعلنا قبل ذلك في تصدير الحيوان الحي.. وصادر السمسم.. والنباتات العطرية.. والسنمكة.. والذهب الخام..وووو.. يعني بقت على الرمال؟؟..
ماذا تبقى لنا؟ بعد إن صدرنا (النبق والدكاترة والرمال).. بقى أن يتم تغيير نشيد العلم.. الذي يشدو به كل صباح طلاب المدارس.. ترتفع عقيرتهم منشدين (هذه الأرض لنا).. لا ليست لنا.. أصبحت تابعة للصادر وقريباً سيتم تسويرها وإعلانها منطقة غير مرغوب التواجد بها.. وبقي أيضاً أن نتوقف عن التحسر على رمال حلتنا فقد لحقت بذلك (الزول) الذي كان يؤانسها.. وصارت هي أيضاً (يا حليلها)