ما معني تمكين المرأة
من دون شكّ أنّ نساء العالم الثالث يعانين في بعض الأحيان من هضم لحقوقهنّ وتهميش لهنَّ وكأنهنَّ عنصر ثانوي خلق لأغراض معينة. والجميع مشترك في هذه الجريمة البشعة، مما ورثوه من عادات وتقاليد بالية، وتفسير خاطئ للنصوص الشرعية، فأصبحت بعض هذه التصرفات مبررة من الجهتين العادات والدين، مما همّش المرأة وجعلها عنصراً خاملاً بل وفي بعض الأحيان معتدى عليه، من هنا وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وما حصل فيهنَّ من دمار وخراب على مستوى العالم لحق العناصر الضعيفة في المجتمعات كالمرأة والطفل بالدرجة الأولى، فإن العالم مال للإنسانية بشكل أكبر، إلا في بعض المواقف والمواضع، لأن كلمة السياسة هي الفيصل، ولكن هذا لا يعني أن نهمل حقوق الإنسان فهذا الموضوع بات يحتل جزءاً كبيراً من هم الإنسان على اختلاف أصله ودينه ولونه وما إلى ذلك من تصنيفات بشرية. ومن ضمن أهم حقوق الإنسان حقوق المرأة التي لاقت انتقادات واسعة في العالمين العربي والإسلامي بصفتها ثورة على القيم والعادات والدين – على حسب ادعائهم -، ولكنهم قطعاً لم يفهموا المغزى والهدف الرئيسي الذي ترمي إليه هذه الحقوق، هذا بالإضافة إلى أنهم لم يأخذوا برأي الدين الذي أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – بل أخذوا برأي الفقهاء الذين هم بشر يخطؤون ويصيبون، واللذين نصبوا أنفسهم ونصبوا باقي الرجال أوصياء على المرأة بحجة ولي الأمر، وجعلوا لأنفسهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون.
تمكين المرأة هو جزء من هذه المنظومة، حيث يدعو هذا المفهوم إلى أن تصير المرأة واعية ومدركة بالطريقة التي يمكنها بها أن ترسم خطوط مستقبلها، وأن تخط طريقها بنفسها لا أن تترك العنان لولي الأمر ليرسمه لها عوضاً عنها، مما يعطيها ثقة بالنفس ومساءلة ومما يلزمها بأن تكون قادرة على امتلاك الأدوات التي ستساعدها في ذلك، من علم وعمل ومعرفة وأخلاق، مثلها مثل الرجل لا تختلف عنه شيء، وهنا جوهر المشكلة.
تكمن المشكلة في دولنا، أنّه وبمجرد أن يطرح مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فإن الأقلام والأصوات تعلو وكلها باسم الدين للأسف وكلها تركز على التغرير بالناس العوام عن طريق التركيز على الناحية البيولوجية للمرأة بقولهم أنه لا يمكن أن يكون هناك مساواة بين الرجل والمرأة بسبب طبيعة تكوين الجسم وأن دورها في الأمومة هو دورها الرئيسي.
ولكن ما بال هذه الأصوات قد أغفلت حقيقة يرددونها هم بأن الله تعالى قد خلق الرجل والمرأة متساوين في التكاليف وفي العبادات وأن الله سيحاسب المرأة مثل حسابه للرجل لا يزيد ولا ينقص إلا أنه لن يحاسبها عن عدم قدرتها على القيام بواجباتها المطلوبة منها كالصلاة والصوم – على سبيل المثال – بسبب طبيعة تكوينها الجسدي، أليس هذا هو نفسه ما يدعو إليه مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ؟!
من قال إنّ تكمين المرأة أو المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع سيؤدي إلى سلب الأمومة من المرأة، وهل من يحتجون بذلك هم أحرص من المرأة على لعبها لهذا الدور منها هي؟! هل هم أحرص على أبنائها منها ؟! هل المرأة هي الوحيدة المسؤولة عن تربية الأبناء أم أنها مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة ؟! ماذا لو تنكر لها أبناؤها وزوجها في المستقبل من سيقوم برعايتها ؟! ولماذا افترضوا أن المرأة يجب أن تقبل على أن تأخذ النقود من أي أحد حتى لو كان من الدولة نفسها على اعتبار أنه حق لها حسب ما يزعمون وهل من يعطونها هذه الأموال سيوقنون أنه حق لها أم أنهم سيتمننون عليها؟! حتى لو لم يتنكر أحد لها، وتفوق من اعتنت بهم ومن رعتهم سواء الزوج والأولاد في حياتهم، هل سيكتب هذا التفوق باسمها أم باسمهم، وهل مجرد ذكر فضل الأم أو الزوجة كافٍ ؟! وهل المرأة غير قادرة فعلاً على أداء المهام المطلوبة منها كما يدعون أم أنها قد تثبت كفاءة أفضل من الرجل في بعض المواقف ؟! كل هذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى أجوبة.