قصائد غزل جميلة
شعر الغزل
نهج امرؤ القيس نهجا في الشعر اتبعه سائر الشعراء من بعده، وهو أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى، وهو أول من أرسى قواعد شعر المعلقات، وعلى الرغم من أنه شبّ في بيت رفيع العماد إلّا أنّه عاش شريداً طريداً بسبب انشغاله بالصيد وانغماسه بالخمرة والمجون، ومطاردته النساء، ولقد لقي حتفه بعيداً عن دياره في أنقرة. ولهذا، نقدّم لكم أول قصيدة غزلية لامرئ القيس، إضافة إلى مجموعة من القصائد الغزلية الأخرى.
قصيدة تعلّق قلبي
امرؤ القيس
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجَبَلْ
مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَلْ
عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَبٍ
ومُنخَفَضٍ طَام تَنَكَّرَ واضمَحَلْ
وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت
عَلَى غَيرِ سُكَّانٍ وَمَنْ سَكَنَ ارتَحَلْ
تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنهُ مُجَلجِلٌ
أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَلْ
بِرِيحٍ وبَرقٍ لاَحَ بَينَ سَحَائِبٍ
ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَلْ
فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ
ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسلْ
وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَلْ
وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَلْ
وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَلْ
وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ
ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ فِي سَيرِهِ مَيَلْ
فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي
تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانْهمَلْ
فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي
تَمَتَّعتِ لا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَلْ
لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَفاً
ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَلْ
ومَأوىً لأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ
ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَلْ
لَقَد كُنتُ أَسبَى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئاً
ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَلْ
لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ
مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَلْ
كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ فِي عُكنَاتِهَا
عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِلْ
تَعَلَّقَ قَلبِي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
تَنَعمُ فِي الدِّيبَاجِ والحُلِيِّ والحُلَلْ
لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَا
إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ للهِ وابتَهَلْ
لأصبَحَ مَفتُوناً مُعَنًّى بِحُبِّهَا
كَأَن لَمْ يَصُمْ للهِ يَوماً ولَمْ يُصَلْ
أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَا
إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَلْ
فَقَالَتِ لأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ
فَكَيفَ بِهِ إِنْ مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَلْ
أَيَخفَى لَنَا إِنْ كَانَ فِي اللَّيلِ دَفنُهُ
فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلالُ إِذَا أَفَلْ
قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي
تَدَانَت لَهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَلْ
لِمَه تَقتُلي المَشهُورَ والفَارِسَ الذي
يُفَلِّقُ هَامَاتِ الرِّجَالِ بِلا وَجَلْ
أَلا يا بَنِي كِندَةَ اقتُلوا بِابنِ عَمِّكم
وإِلاّ فَمَا أَنتُم قَبِيلٌ ولا خَوَلْ
قَتِيلٌ بِوَادِي الحُبِّ مِن غَيرِ قَاتِلٍ
ولا مَيِّتٍ يُعزَى هُنَاكَ ولا زُمَلْ
فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بِحُبِّهَا
مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَلْ
ولي وَلَها فِي النَّاسِ قَولٌ وسُمعَةٌ
ولي وَلَهَا فِي كلِّ نَاحِيَةٍ مَثَلْ
كأَنَّ عَلَى أَسنَانِها بَعدَ هَجعَةٍ
سَفَرجلَ أَو تُفَّاحَ فِي القَندِ والعَسَلْ
رَدَاحٌ صَمُوتُ الحِجلِ تَمشى تَبختراً
وصَرَّاخَةُ الحِجلينِ يَصرُخنَ فِي زَجَلْ
غمُوضٌ عَضُوضُ الحِجلِ لَو أَنّهَا مَشَت
بِهِ عِندَ بَابَ السَّبسَبِيِّينَ لانفَصَلْ
فَهِي هِي وهِي ثُمَّ هِي هِي وهي وَهِي
مُنىً لِي مِنَ الدُّنيا مِنَ النَّاسِ بالجُمَلْ
أَلا لا أَلا إِلاَّ لآلاءِ لابِثٍ
ولا لا أَلا إِلا لآلاءِ مَن رَحَلْ
فكَم كَم وكَم كَم ثُمَّ كَم كَم وكَم وَكَم
قَطَعتُ الفَيافِي والمَهَامِهَ لَمْ أَمَلْ
وكَافٌ وكَفكافٌ وكَفِّي بِكَفِّهَا
وكَافٌ كَفُوفُ الوَدقِ مِن كَفِّها انهَملْ
فَلَو لَو ولَو لَو ثُمَّ لَو لَو ولَو ولَو
دَنَا دَارُ سَلمَى كُنتُ أَوَّلَ مَن وَصَلْ
وعَن عَن وعَن عَن ثُمَّ عَن عَن وعَن وَعَن
أُسَائِلُ عَنها كُلَّ مَن سَارَ وارتَحَلْ
وفِي وفِي فِي ثُمَّ فِي فِي وفِي وفِي
وفِي وجنَتَي سَلمَى أُقَبِّلُ لَمْ أَمَلْ
وسَل سَل وسَل سَل ثُمَّ سَل سَل وسَل
وسَل دَارَ سَلمى والرَّبُوعَ فَكَم أَسَلْ
وشَنصِل وشَنصِل ثُمَّ شَنصِل عَشَنصَلٍ
عَلى حاجِبَي سَلمَى يَزِينُ مَعَ المُقَلْ
حِجَازيَّة العَينَين مَكيَّةُ الحَشَا
عِرَاقِيَّةُ الأَطرَافِ رُومِيَّةُ الكَفَلْ
تِهامِيَّةَ الأَبدانِ عَبسِيَّةُ اللَمَى
خُزَاعِيَّة الأَسنَانِ دُرِّيَّة القبَلْ
وقُلتُ لَها أَيُّ القَبائِل تُنسَبى
لَعَلِّي بَينَ النَّاسِ فِي الشِّعرِ كَي أُسَلْ
فَقالت أَنَا كِندِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ
فَقُلتُ لَها حَاشَا وكَلاَّ وهَل وبَلْ
فقَالت أَنَا رُومِيَّةٌ عَجَمِيَّة
فقُلتُ لَهَا ورخِيز بِباخُوشَ مِن قُزَلْ
فَلَمَّا تَلاقَينا وجَدتُ بَنانَها
مُخَضّبَةً تَحْكِي الشَوَاعِلَ بِالشُّعَلْ
ولاعَبتُها الشِّطرَنج خَيلى تَرَادَفَت
ورُخّى عَليها دارَ بِالشاهِ بالعَجَلْ
فَقَالَت ومَا هَذا شَطَارَة لاعِبٍ
ولكِن قَتلَ الشَّاهِ بالفِيلِ هُوَ الأَجَلْ
فَنَاصَبتُها مَنصُوبَ بِالفِيلِ عَاجِلا
مِنَ اثنَينِ فِي تِسعٍ بِسُرعٍ فَلَم أَمَلْ
وقَد كَانَ لَعِبِي كُلَّ دَستٍ بِقُبلَةٍ
أُقَبِّلُ ثَغراً كَالهِلالِ إِذَا أَفَلْ
فَقَبَّلتُهَا تِسعاً وتِسعِينَ قُبلَةً
ووَاحِدَةً أُخرَى وكُنتُ عَلَى عَجَلْ
وعَانَقتُهَا حَتَّى تَقَطَّعَ عِقدُهَا وحَتَّى
فَصُوصُ الطَّوقِ مِن جِيدِهَا انفَصَلْ
كأَنَّ فُصُوصَ الطَوقِ لَمَّا تَنَاثَرَت
ضِيَاءُ مَصابِيحٍ تَطَايَرنَ عَن شَعَلْ
وآخِرُ قَولِي مِثلُ مَا قَلتُ أَوَّلاً
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجَبَل
قصيدة شهِدتُ بأني لم تَغَيّر مودّتي
جميل بثينة
شهِدتُ بأني لم تَغَيّر مودّتي
وأني بكم، حتى الممات، ضنينُ
وأنّ فؤادي لا يلينُ إلى هوى
سواكِ، وإن قالوا: بلى، سيلينُ
فَقَدْ بَانَ أَيَّام الصِّبَا ثُمَّ لَمْ يَكَدْ
مِنَ الدَّهْرِ، شَيْءٌ، بَعْدَهُنَّ، يَلينُ
ولمّا علونَ اللابتينِ، تشوفت
قلوبٌ إلى وادي القُرى، وعيونُ
كأنّ دموعَ العينِ، يومَ تحملتْ
بُثينة ُ، يسقِيها الرِّشاشَ مَعِينُ
ظعائِنُ، ما في قُرْبهنّ لذي هوًى
من الناس، إلا شقوة ٌ وفنونُ
وواكلنهُ والهمَّ، ثمّ تركنه،
وفي القلبِ، من وجد بهنّ، حنين
ورُحنَ، وقد أودَعنَ قلبي أمانة ً
لبثينة َ: سرٌّ في الفؤاد، كمينُ
كسِرّ النّدى، لم يعلم الناسُ أنّه
ثَوَى في قَرَارِ الأرضِ وهو دَفين
إذا جاوزَ الاثنينِ سرٌّ، فإنه
بنَثٍّ وإفشاءِ الحديثِ، قَمِين
تُشيِّبُ رَوعاتُ الفِراق مفَارقي
وأنشَزنَ نفسي فوقَ حيثُ تكون
فوا حسرَتا! إنْ حِيلَ بيني وبينها
ويا حينَ نفسي، كيف فيكِ تحينُ!
وإني لأستغشي، وما بيَ نَعسة ٌ
لعلّ لِقاءً، في المنام، يكون
فإن دامَ هذا الصّرمُ منكِ، فإنني
لأغبرها، في الجانبينَ، رهينُ
يقولون: ما أبلاكَ، والمالُ عامرٌ
عليك، وضاحي الجلد منك كنِين
فقلت لهم: لا تَعذُلوني، وانظُروا
إلى النازِعِ المقصورِ كيف يكونُ.
قصيدة تذكّرت ليلى
قيس بن ذريع
تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا
وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا
بِثَمدَينِ لاحَت نارَ لَيلى وَصَحبَتي
بِذاتِ الغَضا تَزجي المَطِيَّ النَواجِيا
فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً
بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا
فَقُلتُ لَهُ بَل نارَ لَيلى تَوَقَّدَت
بِعَليا تَسامى ضَوؤُها فَبَدا لِيا
فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضا
وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا
فَقُلتُ وَلَم أَملِك لِعَمروِ بنِ مالِكٍ
أَحتَفٌ بِذاتِ الرَقمَتَينِ بَدا لِيا
تَبَدَّلتِ مِن جَدواكِ يا أُمَّ مالِكٍ
وَساوِسَ هَمٍّ يَحتَضِرنَ وِسادِيا
فَإِنَّ الَّذي أَمَّلتَ مِن أُمِّ مالِكٍ
أَشابَ قَذالي وَاِستَهامَ فُؤادِيا
فَلَيتَكُمُ لَم تَعرِفوني وَلَيتَكُم
تَخَلَّيتُ عَنكُم لا عَلَيَّ وَلا لِيا
خَليلَيَّ إِن بانوا بِلَيلى فَقَرِّبا
لِيَ النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا
وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي
وَرُدّوا عَلى عَينَيَّ فَضلَ رِدائِيا
وَلا تَحسِداني بارَكَ اللَهُ فيكُما مِنَ
الأَرضِ ذاتِ العَرضِ أَن توسِعا لِيا
فَيَومانِ يَومٌ في الأَنيسِ مُرَنَّقٌ
وَيَومَ أُباري الرائِحاتِ الجَوارِيا
إِذا نَحنُ أَدلَجنا وَأَنتَ أَمامَنا
كَفى لِمَطايانا بِريحِكِ هادِيا
أَعِدَّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أُعِدَّ اللَيالِيا
إِذا ما طَواكِ الدَهرُ يا أُمَّ مالِكٍ
فَشَأنُ المَنايا القاضِياتِ وَشانِيا
رُوَيداً لِئَلّا يَركَبَ الحُبُّ وَالهَوى
عِظامَكَ حَتّى يَنطَلِقنَ عَوارِيا
وَيَأخُذَكَ الوَسواسُ مِن لاعِجِ الهَوى
وَتَخرَسُ حَتّى لا تُجيبُ المُنادِيا
خَليلَيَّ إِن دارَت عَلى أُمِّ مالِكٍ
صَروفُ اللَيالي فَاِبغِيا لِيَ ناعِيا
وَلا تَترِكاني لا لِخَيرٍ مُعَجَّلٍ
وَلا لِبَقاءٍ تَطلُبانِ بَقائِيا
خَليلَيَّ لَيلى قُرَّةُ العَينِ فَاِطلُبا
إِلى قُرَّةِ العَينَينِ تَشفى سَقامِيا
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ البُكا
إِذا عَلَمٌ مِن آلِ لَيلى بَدا لِيا
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي
قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا
قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرَ لَيلى اِبتَلانِيا
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا دائِمَ البُكا
فَلَيسَ كَثيراً أَن أُديمَ بُكائِيا
وَكَيفَ وَما في العَينِ مِن مُضمَرِ الحَشا
تُضَمِّنُهُ الأَحزانُ مِنها مَكاوِيا
فَيا رَبَّ سَوِّ الحُبَّ بَيني وَبَينَها
يَكونُ كِفافا لا عَلَيَّ وَلا لِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها
تَكُن نِعمَةً ذا العَرشِ أَهدَيتَها لِيا
أَرى الدَهرَ وَالأَيامَ تَفنى وَتَنقَضي
وَحُبُّكِ لا يَزدادُ إِلّا تَمادِيا
فَيا رَبِّ إِن زادَت بَقيَّةُ ذَنبِها عَلى
أَجرِها فَاِنقُص لَها مِن كِتابِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا
وَبِالشَوقِ وَالإِبعادِ مِنها قَضى لِيا
فَإِن يَكُ فيكُم بَعلَ لَيلى فَإِنَّني
وَذي العَرشِ قَد قَبَّلتُ لَيلى ثَمانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم نَزَل
بِخَيرٍ وَأَجلَت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ نَغَّصتِ عيشَتي
وَإِن شِئتِ بَعدَ اللَهِ أَنعَمتِ بالِيا
وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ
لَعَلَّ خَيالاً مِنكِ يَلقى خَيالِيا
وَإِنّي إِذا صَلَّيتُ وَجَّهتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
كَعودِ الشَجى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمُها
وَشابَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
فَيا لَيلُ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٌ
إِذا جِئتَكُم يا لَيلُ لَم أَدرِ ما هِيا
أَخافُ إِذا نَبَّأتُكُم أَن تَرِدِّني
فَأَترُكَها ثِقلاً عَلَيَّ كَما هِيا
أُصَلّي فَما أَدري إِذا ما ذَكَرتُها اِثـ
ـنَتَينِ صَلَّيتُ الضُحى أَم ثَمانِيا
وَما جِئتَها أَبغي شِفائي بِنَظرَةٍ
فَأُبصِرُها إِلّا اِنصَرَفتُ بِدائِيا
دَعَوتُ إِلَهَ الناسِ عِشرينَ حِجَّةً
نَهاري وَلَيلي في الأَنيسِ وَخالِيا
لِكَي تُبتَلى لَيلى بِمِثلِ بَليَّتي
فَيُنصِفَني مِنها فَتَعلَمُ حالِيا
فَلَم يَستَجِب لي مِن هَواها بِدَعوَةٍ
وَما زادَ بُغضي اليَومَ إِلّا تَمادِيا
وَتَذنُبُ لَيلى ثُمَّ تَزعَمُ أَنَّني
أَسَأتُ وَلا يَخفى عَلى الناسِ ما بِيا
وَتُعرِضُ لَيلى عَن كَلامي كَأَنَّني
قَتَلتُ لِلَيلى إِخوَةً وَمَوالِيا
يَقولُ أُناسٌ عَلَّ مَجنونَ عامِرٍ
يَرومُ سَلوّاً قُلتُ أَنّى بِهِ لِيا
بِيَ اليَومَ داءٌ لِلهِيامِ أَصابَني
وَما مِثلُهُ داءً أَصابَ سَوائِيا
فَإِن تَمنَعوا لَيلى وَحُسنَ حَديثِها
فَلَم تَمنَعوا عَنّي البُكا وَالقَوافِيا
يُلَوِّمُني اللوّامُ فيها جَهالَةً
فَلَيتَ الهَوى بِاللائِمينَ مَكانِيا
لَوَ أَنَّ الهَوى في حُبِّ لَيلى أَطاعَني
أَطَعتُ وَلَكِنَّ الهَوى قَد عَصانِيا
وَلي مِثلُ ما في شِعرِ مَن كانَ ذا هَوىً
يَبيتُ جَريحَ القَلبِ حَرّانَ ساهِيا
فَإِن يَكُ فيكُم بَعلَ لَيلى فَقُل لَهُ
تَصَدَّق بِلَيلى طَيِّبِ النَفسِ راضِيا
فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَني أُحِبُّها
فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا
خَليلَيَّ إِن أَغلَوا بِلَيلى فَأَغلِيا
عَلَيَّ وَإِن أَبقَوا فَلا تُبقِيا لِيا
وَإِن سَأَلوا إِحدى يَدَيَّ فَأَعطِيا
يَميني وَإِن زادوا فَزيدوا شِمالِيا
أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورُها
وَمُتَخِذٌ جُرماً عَلى أَن تَرانِيا
ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَت
لَها وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا
وَخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ
لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا
فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت
فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا
إِذا الحُبُّ أَضناني دَعوا لي طَبيبَهُم
فَيا عَجَباً هَذا الطَبيبَ المُداوِيا
وَقالوا بِهِ داءٌ قَدَ اَعيا دَواؤُهُ
وَقَد عَلِمَت نَفسي مَكانَ شِفائِيا
وَقَد كُنتُ أَعلو الحُبَّ حيناً فَلَم يَزَل
بي النَقضُ وَالإِبرامُ حَتّى عَلانِيا
لَإِن ظَعَنَ الأَحبابُ يا أُمَّ مالِكٍ
لَما ظَعَنَ الحُبُّ الَّذي في فُؤادِيا
أَلا لَيتَنا كُنّا جَميعاً وَلَيتَ بي
مِنَ الداءِ ما لا يَعلَمونَ دَوائِيا
فَما هَبَّتِ الريحُ الجَنوبُ مِنَ أرضِها
مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا
وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَميَّةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا
خَليلَيَّ أَمّا حُبَّ لَيلى فَقاتِلٌ
فَمَن لي بِلَيلى قَبلَ مَوتِ عَلانِيا
فَلَو كانَ واشٍ بِاليَمامَةِ دارُهُ
وَداري بِأَعلى حَضرَمَوتَ اِهتَدى لِيا
وَماذا لَهُم لا أَحسَنَ اللَهُ حِفظَهُم
مِنَ الحَظِّ في تَصريمِ لَيلى حِبالِيا
وَمِن أَجلِها سُمّيتُ مَجنونَ عامِرٍ
فِداها مِنَ المَكروهِ نَفسي وَمالِيا
فَلَو كُنتُ أَعمى أَخبِطُ الأَرضَ بِالعَصا
أَصَمَّ فَنادَتني أَجَبتُ المُنادِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ يا لَيلَ خالِيا
وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا
سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا
وَلا طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ
وَلا البَرقُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا
بِنَفسي وَأَهلي مَن لَوَ أَنّي أَتَيتُهُ
عَلى البَحرِ وَاِستَسقَيتُهُ ما سَقانِيا
وَمَن قَد عَصَيتُ الناسَ فيهِ جَماعَةً
وَصَرَّمتُ خِلّاني بِهِ وَجَفانِيا
وَمَن لَو رَأى الأَعداءَ يَكتَنِفونَني
لَهُم غَرَضاً يَرمونَني لَرَمانِيا
وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنى
وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا
وَلا نِسوَةٌ صَبَّغنَ كَبداءَ جَلعَداً
لِتُشبِهَ لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا
حَلَفتُ لَإِن لاقَيتُ لَيلى بِخَلوَةٍ
أَطوفُ بِبَيتِ اللَهِ رَجلانَ حافِيا
شَكَرتُ لِرَبّي إِذ رَأَيتُكِ نَظرَةً
نَظَرتُ بِها لا شَكَّ تَشفي هُيامِيا