قصة جابر بن سمرة
الصحابة الكرام هم القدوة الطيبة، الذين علمونا كيف نطبق شرعنا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد عاصروه وتعلموا منه كل شاردة وواردة، حتى أصبحوا منارات للهدى، يستضاء بنورهم، وينهل من علمهم.
وكم من صحابي تتلمذ في حلقة الحبيب المصطفى ؟ ومع ذلك، لمع من هؤلاء الصحابة عدد لا يمكن أن نقف عند ذكر أسمائهم، كالصحابي الجليل جابر بن سمرة.
من هو جابر ؟ ومن والده ؟ وكيف عاش حياته مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟
إنه الصحابي الجليل أبو خالد جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب، أبو خالد السوائي، من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حليف بني زهرة، وقد لازم النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ حتى روى عنه الكثير من الأحاديث.
وقد جالس جابر بن سمرة الحبيب المصطفى أكثر من مئة مرة، وصلى خلفه في مسجد قباء أكثر من ألف صلاة مكتوبة.
وكان أبوه سمرة بن جنادة قد دخل في حلف بني زهرة، وأعطاهم الولاء والبيعة. وأمه أم جابر، واسمها خالدة بنت أبي وقاص، أخت الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، وبهذا يكون سعد خال الصحابي الجليل جابر بن سمرة.
ومن طريف المواقف التي جاءت عن جابر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه مرة يجلس في الشمس، فتوقف الذي لا ينطق عن الهوى ؛ حتى ينظر إليه، ثم ناداه، ونهاه عن ابتدار الشمس، ونصحه بالجلوس في الظل، قائلاً: “تحول إلى الظل، فإنه مبارك”.
كما جاء في أثر هذا الصحابي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر يوماً من أمام صحابته الكرام، فأخذ يمسح على وجوههم، وخدودهم بكفه الشريفة الطاهرة، ومسح على خد جابر بن سمرة يومئذ، فيقول جابر عن هذا: (لقد كان خدي الذي مسح عليه، أفضل وأحسن من الآخر طوال حياتي).
وقد اقتدى جابر بحبيبه المصطفى في هديه، وسار على نهجه حينما كان يخطب في الصلاة، فقد روي أنه رأى المبعوث رحمة للعالمين يخطب خطبته، ثم يقعد قعدةً، ثم يقوم ليخطب خطبته الثانية. وهكذا كان يفعل هو أيضاً.
وشهد الصحابي الجليل جابر بن سمرة خطبة الجباية، التي أداها عمر بن الخطاب، حيث قال: ( قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: “أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”).
ثم بين كيف يتغير الزمان بعد ذلك، حيث ينتشر الكذب، وتنتشر شهادة الزور، ويعم الظلم، ويفشو المجتمع العديد من ألوان الفتن، فإن اجتمع رجل بامرأة فلا يخلون بها، إلا مع محرم.
ومن المواقف التي ذكرها جابر من خلال حياته مع الذي لا ينطق عن الهوى، أنه روى قصة رجل مات في عهد الحبيب المصطفى، فقيل للرسول -صلى الله عليه وسلم-: إنه مات، فقال: “لم يمت”، ثم قالوا ثانية: إنه مات، فقال: “لم يمت”، ثم جاءوا الثالثة، وقالوا بموته، فسأل عن موته، فقيل: مات منتحراً، فلم يصلوا عليه.
وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، انتقل جابر بن سمرة إلى الكوفة، وسكن فيها، واستقر بها، حتى نزل به الموت، وكان هذا في ولاية بشر بن مروان في عام أربع وسبعون للهجرة، وقد خلف وراءه من الأبناء ثلاثة ذكور، هم: خالد، وطلحة، وسلم.