ما علاج الخوف الشديد
الخوف والإنسان
انتشرت في الآونةِ الأخيرةِ الكثيرِ من الأمراضِ التي تُهدّدُ صحّةَ وحياةَ الإنسانِ، سواءً الأمراض الجسديّة أو الأوبئة أو الأمراض النفسيّة، فكما أنّ الأمراض الجسديّة تفتك بصحّة الكثير من النّاس، كذلك الأمرُ بالنِّسبة للأمراضِ النَفسيّة، فبعضُ الأمراضِ النَفسيّةِ التي قد تُصيبُ الإنسانَ وتُسبّبُ الكثيرَ من المشاكلِ الصحِّية والأمراض؛ كالضّغط، وأمراض القلب والسُكريّ، إلى جانب الأضرارِ البالغةِ التي تُحدِثها في نفسيّة وشخصّيةِ الإنسان، ومن أكثر الأمراض النفسيّة فتكاً بالنّاس هو مرض الخوف.[١]
تعريف الخوف
الخوفُ كما عُرِّف في اللّغة هو الفزع، خافه يخافه خوفاً ومَخافةً، ونقولُ خوّفَ الرّجل رجلاً آخر أي بمعنى جعلَ في قلبهِ الخوفَ والفزع، وأيضاً خوّف الرّجل أي بمعنى جعل النّاس يخافون منه. أمّا اصطلاحاً: هو عبارة عن غريزة مُرتبطة بالعقل تظهر في أعراض مُتعدّدة لأسباب مُتعدّدة.[٢]
تعريف الخوف المرضي “الفوبيا”
الخوفُ المرضيُّ أو ما يُطلقُ عليهِ علميّاً “الفوبيا” أو “الرّهاب”، هو حالةٌ تشيرُ إلى الخوفِ المُفرطِ وغير المناسبِ تجاه موضوعٍ أو شيءٍ أو موقفٍ مُعيّنٍ يَشعرُ فيه الشّخص بأنّه فاقدٌ للسّيطرةِ على هذا الإحساسِ المُفرطِ بالقلقِ والخوفِ، ولا يستطيع التوقّفَ عنه، وهذا الخوفُ مُرتبطٌ بمثيراتٍ مُتنوّعةِ تُؤدّي إلى حصولهِ.[٣]
الأَسبابُ التي تقفُ وراءَ الشّعور بالخوف
إنَّ الإحساس بالخوف هو شعورٌ واحدٌ يختلفُ بشدّته وتعريفه من شخص لآخر، فقد يُعبِّر عنه شخصٌ باسمه المُجرّد (أي بالخوف)، وقد يُعبّر عنه آخر بأنّه رعبٌ مثلاً، وهذا يدلّ على أنَّ للخوف حِدةٌ ودرجاتٌ مُختلفةٌ.
إنّ الخوفَ في الإنسان فطريٌّ مُكتَسب؛ أي أنَّه موجودٌ في الطبيعة البشريةِ الفطريةِ، فمثلاً يخافُ الأطفالُ من الوجوهِ غيرِ المألوفةِ، أو من الأصواتِ العاليةِ أو الضّوضاءِ، لكنّ المواقِفَ المُثيرةَ للخوفِ تكتسبُ قوّتها وشِدَّتها بالتعلُّم المُقترِنِ بالشّعورُ بالألمِ أو الضّيق، لذا فهي مُختلفةٌ بنوعها وتأثيرها من شخصٍ لآخر، فمثلاً قد يرفَعُ الطّفلُ يديه ليُدافعَ عن نفسه لو أحسَّ أنّ مَن أمامهُ غاضبٌ إذا كان قد تعرَّضَ سابقاً للضّرب من شخصٍ غاضبٍ وأشعرهُ ذلك الموقِفُ بالألمِ، ليُكَوّن خبرةً تُثير الخوفَ لديه عند التعرّضِ لمواقفَ مشابهة.[٤]
أقسام الخوف
الخوف بشكلٍ عام يُقسم إلى خمسة أقسام رئيسة:[٥]
- الخوف من الفَناء: وبمعنىً آخر الخوف من الموت، وتَندرجُ تَحتهُ الكثيرُ من المَخاوفِ التي هي بالأصلِ خوفٌ من النّهايةِ أو الموتِ مُفسَّرٌ بطُرقٍ مُختلفةٍ، فالخوفُ من المُرتفعاتِ مثلاً هو خوفٌ من السّقوطِ وبالتّالي الزّوال.
- الخوفُ من البتر أو التشوّه: حيثُ تندرجُ تحتَ هذا النَّوعِ جميعُ المخاوفِ التي لها علاقةٌ بجسدِ الإنسانِ واحتماليّةِ تعرّضهِ لخَطرٍ أو تشوُّهاتٍ أو لأعطالٍ في أنظمةِ العملِ فيهِ، مثلَ الخوفِ من الحشراتِ أو الأفاعي التي قد تشوِّهُ الشَّكلَ أو تُسممُ الجَسدَ.
- الخوفُ من فقدانِ الحريَّةِ: تَندرجُ تحت هذا النَّوعِ المَخاوفُ التي لها علاقةٌ بفقدِ السّيطرةِ والاحتجاز، مثل الخوفِ من الأماكنِ المُغلقةِ، ولكنّها أيضاً ذات جانب يُؤثّر في بعض الحالات على علاقاتِ الفردِ، مثلَ الخوفِ من الارتباط.
- الخوفُ من الفقدانِ أو الانفصالِ: هذا الخوفُ مُرتبطٌ بالآخرينَ بشكلٍ كبيرٍ حيثُ تندرجُ تحتهُ مُشكلاتُ التَعلُّقِ والخوفِ من الابتعادِ عن الآخرينَ أو الانفصالِ عمِّن نُحبُّ.
- الخوفُ من المَساس بالأنا: الأنا هي ذاتُ الإنسانِ وشخصيَّتهُ وما هو عليهِ مِن أفكارٍ وأفعالٍ، وهذا الخوفُ يكونُ على الأنامن الشُّعورِ بالإهانةِ، أو عدمِ التَّقديرِ، أو منَ التعرُّضِ للذُلِّ، أو مساسٍ يَنتقصُ من الكرامةِ أو احترامِ الذَّاتِ.
علاج الخوف الشديد
هناكَ أكثرُ من طريقةٍ في علم النّفسِ تُستخدَمُ لمعالَجةِ المريضِ ومساعدتِهِ للتخلُّصِ من الخوف الشّديد، يستطيعُ المريضُ أن يقومَ بها بنفسهِ أو يقومُ بها ويشرفُ عليها معالجٌ مختصّ.[٤]
علاجُ المواقفِ التي تقومُ على المُعتقداتِ الخاطئةِ
يقومُ هذا الأسلوبُ على مخاطبةِ المنطقِ لدى المريضِ وتصحيحِ الاعتقاداتِ الخاطئةِ التي تَقودهُ إلى الشّعورِ بالخوف، وغالباً ما تكون المخاوف في هذهِ الحالةِ تقومُ على أمورٍ افتراضيّةٍ يُفكّر بها الشّخص؛ فمثلاً الأشخاصُ الذين يعانونَ من الخوف من استخدامِ المِصعد أو “فوبيا المصاعد”؛ هم أشخاصٌ يعتقدونَ بأنَّ المِصعد لو توقّف فإنّ الهواءَ سينفد، وأنّهم سيعانونَ من نقصٍ في الأكسجين ثمَّ الاختناق، وبالتّالي فإنّ سبب خوفهم هو مُجرَّد هواجسَ وأفكارٍ من المُمكن تصحيحها، وليسَ مبنيّاً على واقعٍ أو حقائقَ علميةٍ.
التعَّرضُ المُكثَّف للخوفِ أو العلاج بطريقة الغَمرِ
وهذا النَّوع من العلاجِ يكون عن طريق إرغامِ المريضِ على مواجهةِ مَخاوفهِ أو المثيراتِ التي تُسبّب له الخوف، ويتم ذلك إمّا عن طريقِ المواجهةِ بالتَّخيلِ أو المواجَهةِ الحقيقيّةِ.
المواجهة بالتخّيل
في هذه الحالة يطلبُ المعالجُ من المريضِ أن يتخيَّلَ المواقِفَ أو الأشياء التي تجعلهُ خائفاً وتثير قلقاً كبيراً لديه، ويهوّل الخيال له ويستثيره لديه ليُشعرَه بخوفٍ أكبرٍ وبعدمِ راحةٍ أكبر، حيث يتدرَّجُ الشّعورُ بالخوفِ من المواقفِ الأقلِّ إثارةً إلى الأكثرِ إثارةَ ليصبحَ المريضُ بحالةٍ من القلق الشّديد لمدّةٍ طويلةٍ من تخيُّلِ ما يخيفهُ، والتّفكير به والخوف منه حتى يتحصّن تدريجيّاً هذا الخوف ويتخلّص منه.
الغمر بالواقع
في هذه الحالةِ يُرغَم المريضُ على مواجهةِ مخاوفهِ بشكلٍ مُباشرٍ لفتراتٍ طويلةٍ بحيثُ يتصاعدُ القلقُ نسبيّاً حتى يصلَ ذروتهُ ثم من بعد ذلك يبدأُ هذا الخوفُ بالانخفاضِ التدريجيّ. فمثلاً، إذا كانَ المريضُ يُعاني من الخوفِ من استخدامِ السّيارةِ فإنّ المُعالِجَ يجبرهُ على استخدامها لمسافاتٍ طويلةٍ لأكثرَ من مرّة فيشعرُ المريضُبالقلق الشّديدِ والخوفِ من إطالةِ المسافةِ حتى يُنهيها، ثم يقلُّ هذا القلقُ تدريجيّاً بالتّكرار حتى تنخفضَ حدَّتُه ويزولُ تماماً ويتخلصًّ المريضُ من الخوف. الجديرُ بالذِّكر هنا أنَّ هذهِ الطريقة تثبتُ فعاليّةً أكبر عندما يقومُ بها معالجٌ من أن يقومَ بها المريضُ بنفسه.