دعاء السجود
الدعاء
إن الدعاء هو عبارة عن عبادة، ومعنى كلمة (صلاة)، في أصلها (دعاء)؛ فالدعاء هو أسمى درجات العبادة، والقرب من الله سبحانه وتعالى، فإنّه عبادة وتقرب إلى الله عزّ وجلّ، بل هو أعظم عبادة؛ لأن العبد يلجأ إلى ربه، ويتضرع إليه، ويرتبط به ارتباطاً يجعل العبد في أقصى درجات السمو الروحي، فإنّها عبادة جليلة، وعد الله عباده فيها بقبول دعوتهم، وحصولهم على ما يطلبونه من الله سبحانه وتعالى، لذا نرى أن نفع عبادة الدعاء عائد على الداعي؛ لأنّ الله غنيّ عن عبادة الخلق، ولعل الدعاء حكمة تشريعية تجعل العبد يحصل على الأمر المطلوب بالالحاح في الدعاء، وطرق باب الجليل في دفع البلاء أو الابتلاء، وغير هذا من الأمور المكروهة عند العبد، فيحقق الله للعبد مطالبه بالدعاء.
حكم الدعاء وموضعه
شرع الله لعباده المصلين الدعاء في الصلاة، وخير محل للدعاء عند السجود، فتلك الرقعة الصغيرة إنّما هي مساحة كبيرة وفضاء كبير بين العبد وربه حين يضع العبد رأسه في رحاب الله داعياً خاشعاً متذللاً وطامعاً في رضا الله سبحانه، ومن عظيم علاقة العبد بربه هي التقرب إلى الله بالدعاء.
فقد قال سبحانه في آي القرآن الكريم: “وإذا سألك عبادي عني فإنّ قريبٌ أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ” {سورة البقرة: 186}، وقال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه في السجود)، وبهذا نرى الدلائل القرآنية والتشريعات السنية بجواز الدعاء، ويفسر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية الكريمة في قوله تعالى “قريب” يقوله -عليه الصلاة والسلام- (أقرب)، فالحديث النبوي الشريف إنّما هو تفسير في وضعية قرب العبد لربه، فإنّ الدعاء في الصلاة يكون في السجود.
مواضع الدعاء
هناك مواضع أخرى غير السجود يدعو فيها العبد، وهي:
- أن يدعو بعد تكبيرة الإحرام، وقبل أن يقرأ سورة الفاتحة، دعاءً يمسى بدعاء الاستفتاح.
- وهناك دعاء يقرأ في صلاة الوتر بعد الركوع، وهو دعاء يسمى بـ (دعاء القنوت)، وهو دعاء طويل جداً يقرأ بعض المصلين جزءاً منه أحياناً، ويزيدون على ذلك في أحيان أخرى.
- ودعاء آخر يقرأه المصلي بعد الانتهاء من الركوع، ويقرأ هذا في كل الصلوات، ويؤمن المصلّين خلف الإمام بعده.
- دعاء أثناء الركوع، وأن يكون لتعظيم الله -كما ورد عن النبي-.
- يدعو المصلي للمؤمنين بين السجدتين وللوالدين بالرحمة والغفران.
- دعاء يكون بعد التشهد الأخير وقبل التسليم، ويكون بالتعوذ بالله، وبما يشاء من الدعاء بطلب خير الدنيا وجنة الآخرة.
- لا حرج إن كان الدعاء في صلاة الفريضة أو النافلة، ويكون محل الدعاء في صلاتنا هو عند السجود، وبعد التشهد في آخر الصلاة والصلاة على النبي، وبين السجدتين، وقد أوضح النبي في حديثه الشريف أن الركوع لتعظيم الله، والسجود تسبيح الله الأعلى، فالدعاء يكون بما اجتهد عليه الإنسان، فهو جدير بالاستجابة.
ماذا أدعو في السجود
- يكون الدعاء بما استحب الإنسان في أمور الآخرة أو في المصالح الدنيوية، فالسجود هو أكثر موضع يرجى فيه الاستجابة للدعاء، فقد تدعو المرأة والرجل في السجود بأن يرزقهم الله شريكاً صالحاً، ورزقاً طيباً حلالاً، وأن يهبهم الذريّة الصالحة، فهذا من أفضل الدعاء؛ لأن الزواج لا يقتصر على الأمر الدنيوي، بل إنه عبادة مشروعة، وهي طريق حياة أخرى، وفيه مصالح كثيرة للرجل والمرأة، فهي ستنشئ جيلاً آخر تقوم على أكتافه حياة عصر جديد.
- ومن الأدعية أيضاً أمور تخص العبد بربه، كأن يدعو العبد بأن يرضى عليه الله، ويوفقه في حياته ورزقه ومعاشه، وأن يغنيه بفضله عمن سواه، وألّا يحتاج عبد إلى عبد، فيغنيه الله عن الحاجة والسؤال من العبد، ويكون الله وكيل أموره في الدنيا والآخرة.
- وقد يدعو العبد بأمور الآخرة، فيسأل الله الجنة، ويجنبه من عذاب النار، وأن يجنبه فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب القبر وظلمته ووحشته، يعوذ بالله من فتنة المحيا، ويجنبه فتنة الممات، وأن يغفر الله جميع ذنوبه، فيكون أبيض القلب سليماً يوم العرض ويوم القيامة والسؤال.
- وقد يدعو العبد لبلده، وحال أمته وإصلاح شأنها، ويعوذ بالله من ضياع الحق واختلاطه بالباطل، وأن يجعل الله الحق دائماً واضحاً أمام أعيننا، فلا يغطي عيوننا زيف الضلال، ويحمينا من الوقوع في الزلل والركض خلف فتن الزمان.
- ويدعو العبد لوالديه، لإخوته، ولمؤمنين الأمة جمعاء، فما أراد العبد لامرئ خيراً إلّا وقد نزل له أضعافه، فيكون لسان قولنا دائما بالدعاء بالخير لجميع المؤمنين، ويدعو بأن يحفظ الله زوجه وولده، ويجنبه قطيعة الرحم، وليجعل العبد دوماً لسان قوله : ” اللهم إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني، فإنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت”، ويدعو الله دوماً بأن يوفقه للطاعة، ويشرح صدره للإيمان، وغيرها من الأدعية التي يرغب بها العبد للتقرب من الله وسؤال الحاجة منه.
ثمار الدعاء
إن الدعاء هو أسمى درجات القرب من الله، سواء أستجاب الله أم لم يستجب، ولا يخرج العبد إذا لاذ بالدعاء إلى سبحانه وتعالى إلا ويرزقه الله بثمار عدة، وهي:
- يستجيب الله دعاء العبد إذا دعا، بل ويدهش العبد بعظيم عطائه وجزيل فضله، فيرد العبد بشكر الله، ويضاعف الله شكر العبد بالخير.
- يكفُّ الله عنه شراً قد يلحقه في الدنيا؛ بسبب الدعاء، وطرق العبد لأبواب فضل الله.
- قد لا يتسجيب الله دعاء العبد، فيؤخر ثوابه إلى يوم القيامة، ويضاعفه بالحسنات، ومن عظيم الأجر، يقال إذا رأى الناس جزاء وثواب الدعوة التي لم يستجبها الله للعبد في دعائه، ودّ لو أن الله لم يستجب له دعوة دعاها في الدنيا قط لعظيم أجرها؛ وذلك لأن الله لا يرد الدعاء ولكن يؤجله إلى حينه.
آداب الدعاء
هناك أمور تحول بين الدعاء واستجابته، مثل: المعاصي، والتي هي أهم أسباب الحرمان من إجابة الدعاء، وكذلك أكل الحرام، والتساهل في ارتكاب المعصية، واستسهال الكسب المحرم في الرزق، فجميعها أمور تمنع الدعاء من الاستجابة، فالحذر منها والعناية برضا الله وطاعته أمور تسهل الاستجابة؛ فإنّ للدعاء آداب عدة؛ حتى يستجيب الله لدعائك، وله آداب عظيمة لا يستهان بها، ومنها:
- يجب أن تكون نيتك خالصة لله تعالى وحده.
- بعد الثناء والحمدلله، قم بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وتختم بدعائك.
- أن يكون الدعاء جازماً، وأن تكون بقناعة داخلية أن الله سبحانه سوف يستجيب لدعائك.
- الإلحاح في الدعاء والطلب، وعدم الاستعجال في الإجابة، فالله يحب سماع عبده إذا دعاه.
- أن يكون القلب حاضراً في الدعاء، فلا يقبل الله دعاء قلب منشغل لاهٍ يفكر في أمور أخرى، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
- خفض الصوت عند الدعاء، فلا يكن مرتفعاً ولا يكن خافتاً، بل بين المخافتة والجهر.
- الإقرار بالذنب، وكذلك الاعتراف بنعم الله.
- الخشوع في الدعاء، واستحضار عظمة الله وقدرته ورحمته.
- الطهارة التامة عند الدعاء، وأصغر أنواع الطهارة هي الوضوء.
- استقبال القبلة في حال إن كان الدعاء في غير السجود.
- تحري الأوقات التي يستجيب فيها الله الدعاء، فيوم عرفة يوم يستجاب به الدعاء، كما أنه بين الأذان والإقامة أيضاً يستجاب، والأيام الفاضلة كأيام العشر الأواخر من رمضان، والأوقات الفاضلة أيضاً مثل عند شرب ماء زمزم مع التضرع، وكذلك الطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، وفي منى ووقفة عرفة.