معلقة زهير بن ابي سلمى مكتوبة مع التشكيل والشرح , شرح معلقة زهير بن ابي سلمى
– أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ * * * * * بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ
2- وَدَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا * * * * * مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ
3- بِهَا العِيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَـةً * * * * * وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
4- وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً * * * * * فَـلأيَاً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ
5- أَثَـافِيَ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَـلِ * * * * * وَنُـؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّـمِ
6- فَلَـمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَـا * * * * * أَلاَ أَنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَـمِ
7- تَبَصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِـنٍ * * * * * تَحَمَّلْـنَ بِالْعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُـمِ
8- جَعَلْـنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَـهُ * * * * * وَكَـمْ بِالقَنَانِ مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْـرِمِ
9- عَلَـوْنَ بِأَنْمَـاطٍ عِتَاقٍ وكِلَّـةٍ * * * * * وِرَادٍ حَوَاشِيْهَـا مُشَاكِهَةُ الـدَّمِ
10- وَوَرَّكْنَ فِي السُّوبَانِ يَعْلُوْنَ مَتْنَـهُ * * * * * عَلَيْهِـنَّ دَلُّ النَّـاعِمِ المُتَنَعِّــمِ
11- بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحْرَنَ بِسُحْـرَةٍ * * * * * فَهُـنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَـمِ
12- وَفِيْهـِنَّ مَلْهَـىً لِلَّطِيْفِ وَمَنْظَـرٌ * * * * * أَنِيْـقٌ لِعَيْـنِ النَّـاظِرِ المُتَوَسِّـمِ
13- كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْـزِلٍ * * * * * نَـزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّـمِ
14- فَـلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقاً جِمَامُـهُ * * * * * وَضَعْـنَ عِصِيَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّـمِ
15- ظَهَرْنَ مِنْ السُّوْبَانِ ثُمَّ جَزَعْنَـهُ * * * * * عَلَى كُلِّ قَيْنِـيٍّ قَشِيْبٍ وَمُفْـأَمِ
16- فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِّي طَافَ حَوْلَهُ * * * * * رِجَـالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُـمِ
17- يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا * * * * * عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ
18- تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا * * * * * تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
19- وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعـاً * * * * * بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَـمِ
20- فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِـنٍ * * * * * بَعِيـدَيْنِ فِيْهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَـمِ
21- عَظِيمَيْـنِ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيْتُمَـا * * * * * وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنَ المَجْدِ يَعْظُـمِ
22- تُعَفِّـى الكُلُومُ بِالمِئينَ فَأَصْبَحَـتْ * * * * * يُنَجِّمُهَـا مَنْ لَيْسَ فِيْهَا بِمُجْـرِمِ
23- يُنَجِّمُهَـا قَـوْمٌ لِقَـوْمٍ غَرَامَـةً * * * * * وَلَـمْ يَهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَـمِ
24- فَأَصْبَحَ يَجْرِي فِيْهِمُ مِنْ تِلاَدِكُـمْ * * * * * مَغَـانِمُ شَتَّـى مِنْ إِفَـالٍ مُزَنَّـمِ
25- أَلاَ أَبْلِـغِ الأَحْلاَفَ عَنِّى رِسَالَـةً * * * * * وَذُبْيَـانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَـمِ
26- فَـلاَ تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوسِكُـمْ * * * * * لِيَخْفَـى وَمَهْمَـا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَـمِ
27- يُؤَخَّـرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَـرْ * * * * * لِيَـوْمِ الحِسَـابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَـمِ
28- وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ * * * * * وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
29- مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً * * * * * وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
30- فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا * * * * * وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ
31- فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ * * * * * كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِـمِ
32- فَتُغْـلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِـلُّ لأَهْلِهَـا * * * * * قُـرَىً بِالْعِـرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَـمِ
33- لَعَمْـرِي لَنِعْمَ الحَـيِّ جَرَّ عَلَيْهِـمُ * * * * * بِمَا لاَ يُؤَاتِيْهِم حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَـمِ
34- وَكَانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّـةٍ * * * * * فَـلاَ هُـوَ أَبْـدَاهَا وَلَمْ يَتَقَـدَّمِ
35- وَقَـالَ سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِـي * * * * * عَـدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلْجَـمِ
36- فَشَـدَّ فَلَمْ يُفْـزِعْ بُيُـوتاً كَثِيـرَةً * * * * * لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَـمِ
37- لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِلاحِ مُقَـذَّفٍ * * * * * لَـهُ لِبَـدٌ أَظْفَـارُهُ لَـمْ تُقَلَّــمِ
38- جَـريءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقَبْ بِظُلْمِـهِ * * * * * سَرِيْعـاً وَإِلاَّ يُبْدِ بِالظُّلْـمِ يَظْلِـمِ
39- دَعَـوْا ظِمْئهُمْ حَتَى إِذَا تَمَّ أَوْرَدُوا * * * * * غِمَـاراً تَفَرَّى بِالسِّـلاحِ وَبِالـدَّمِ
40- فَقَضَّـوْا مَنَايَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَصْـدَرُوا * * * * * إِلَـى كَلَـأٍ مُسْتَـوْبَلٍ مُتَوَخِّـمِ
41- لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُـمْ * * * * * دَمَ ابْـنِ نَهِيْـكٍ أَوْ قَتِيْـلِ المُثَلَّـمِ
42- وَلاَ شَارَكَتْ فِي المَوْتِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ * * * * * وَلاَ وَهَـبٍ مِنْهَـا وَلا ابْنِ المُخَـزَّمِ
43- فَكُـلاً أَرَاهُمْ أَصْبَحُـوا يَعْقِلُونَـهُ * * * * * صَحِيْحَـاتِ مَالٍ طَالِعَاتٍ بِمَخْـرِمِ
44- لِحَـيِّ حَلالٍ يَعْصِمُ النَّاسَ أَمْرَهُـمْ * * * * * إِذَا طَـرَقَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَـمِ
45- كِـرَامٍ فَلاَ ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَـهُ * * * * * وَلا الجَـارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَـمِ
46- سَئِمْـتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِـشُ * * * * * ثَمَانِيـنَ حَـوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْـأَمِ
47- وأَعْلـَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَـهُ * * * * * وَلكِنَّنِـي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَـمِ
48- رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ * * * * * تُمِـتْهُ وَمَنْ تُخْطِىء يُعَمَّـرْ فَيَهْـرَمِ
49- وَمَنْ لَمْ يُصَـانِعْ فِي أُمُـورٍ كَثِيـرَةٍ * * * * * يُضَـرَّسْ بِأَنْيَـابٍ وَيُوْطَأ بِمَنْسِـمِ
50- وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ * * * * * يَفِـرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْـمَ يُشْتَـمِ
51- وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْـلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِـهِ * * * * * عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْـنَ عَنْـهُ وَيُذْمَـمِ
52- وَمَنْ يُوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُـهُ * * * * * إِلَـى مُطْمَئِـنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَـمِ
53- وَمَنْ هَابَ أَسْـبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَـهُ * * * * * وَإِنْ يَرْقَ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّـمِ
54- وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِـهِ * * * * * يَكُـنْ حَمْـدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْـدَمِ
55- وَمَنْ يَعْصِ أَطْـرَافَ الزُّجَاجِ فَإِنَّـهُ * * * * * يُطِيـعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْـذَمِ
56- وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِـهِ * * * * * يُهَـدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ
57- وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُواً صَدِيقَـهُ * * * * * وَمَنْ لَم يُكَـرِّمْ نَفْسَـهُ لَم يُكَـرَّمِ
58- وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَـةٍ * * * * * وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَـمِ
59- وَكَاءٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِـبٍ * * * * * زِيَـادَتُهُ أَو نَقْصُـهُ فِـي التَّكَلُّـمِ
60- لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ * * * * * فَلَمْ يَبْـقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ
61- وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّـيْخِ لا حِلْمَ بَعْـدَهُ * * * * * وَإِنَّ الفَتَـى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُـمِ
62- سَألْنَـا فَأَعْطَيْتُـمْ وَعُداً فَعُدْتُـمُ * * * * * وَمَنْ أَكْـثَرَ التّسْآلَ يَوْماً سَيُحْـرَمِ
نظمت معلقة زهير، كما ذكر التبريزي، في ظروف حرب البسوس التي احتدم أوراها بين عبس
وذبيان، استهلها زهير بالغزل ووصف الديار والأطلال الدارسة، ثم تحوّل إلى مدح هرم بن سنان
والحارث بن عوف، وحمدهما على فضلهما في حقن الدماء وتحمل تبعات الصلح بين الفريقين
المتنازعين. وأردف زهير هذا المديح بحكمه التي محض بها المتحاربين النصح ودعاهم إلى السلم
وحملهم على أن يرهبوا عواقب الحرب ممثلاً لهم أهوالها التي عاشوا في أتونها: وما الحرب إلا ما
علمتُم وذقتُم- وما هو عنها بالحديثِ المرجّمِ. واستتبع زهير وصف ويلات الحرب بالكلام على حصين
بن ضمضم، الذي لم يلتزم بعهد الصلح بل خانه وغدر برجل من بني عبس إمعاناً في الثأر والانتقام.
وأفضل ما نذيل به الكلام على شعر زهير التنويه بحولياته، وهي قصائده التي دأب فيها مهذّباً جاهداً
في التشذيب والإحكام، فقد كان ينظم الواحدة من هذه القصائد في أربعة أشهر، ثم يعمد إليها
مصوّباً ومنقحاً في أربعة ثانية، وفي الأربعة الثالثة يعرضها على أخصّائه، ليعلنها على النّاس خلال
الربع الأخير من السنة أو الحول. هكذا تأتّى لزهير أن يكون من شعراء المدرسة الأوسية التي
تزعّمها أوس بن حجر، فجاء شعره مضرب المثل في الجودة والإتقان.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات محاولين التعرف على الظروف الاجتماعية
المحيطة بهم، والأسباب التي دفعتهم لنظمهم هذه المعلقات وعن أي موضوع تتحدث، فقد قال
دبليو إى كلوستون عن معلقة زهير، في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: نظمت
معلقته لما آلت إليه حرب داحس والغبراء، وفي مديح الحارث بن عوف والحارم بن سنان، صانعي
السلام. وقالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن معلقة زهير في كتاب لهما عن المعلقات
السبع صدر في بداية القرن العشرين: ورد سبب نظم القصيدة في كتاب الأغاني على النحو التالي:
قال الحار أوس بن حارثة بن لأم الطائي. فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، ففعل. فركبا حتى أتيا
أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في منزله. فلما رأى الحارث بن عوفٍ قال: مرحباً بك يا حار. قال:
وبك. قال: ما جاء بك يا حار? قال: جئتك خاطباً. قال: لست هناك. فانصرف ولم يكلمه. ودخل أوسٌ
على امرأته مغضباً وكانث بن عوف بن أبي حارثة: أتراني أخطب إلى أحد فيردني? قال نعم. قال:
ومن ذاك. قال: ت من عبس فقالت: من رجلٌ وقف عليك فلم يطل ولم تكلمه? قال: ذاك سيد العرب
الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري. قالت: فما لك لم تستنزله? قال: إنه استحمق. قالت: وكيف?
قال: جاءني خاطباً. قالت: أفتريد أن تزوجك بناتك? قال: نعم. قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن?
قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا? قالت: تلحقه فترده. قال: وكيف وقد فرط
مني ما فرط إليه? قالت: تقول له: إنك لقيتني مغضباً بأمرٍ لم تقدم فيه قولاً، فلم يكن عندي فيه من
الجواب إلا ما سمعت، فانصرف ولك عندي كل ما أحببت فإنه سيفعل. فركب في أثرهما. قال خارجة
بن سنان: فو الله إني لأسير إذ حانت مني التفاتةٌ فرأيته، فأقبلت على الحارث وما يكلمني غماً
فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا. قال: وما نصنع به ! امض !. فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حار
اربع علي ساعةً. فوقفنا له فكلمه بذلك الكلام فرجع مسروراً. فبلغني أن أوساً لما دخل منزله قال
لزوجته أدعي لي فلانة ” لأكبر بناته ” فأتته، فقال: يا بنية، هذا الحارث بن عوف سيدٌ من سادات
العرب، قد جاءني طالباً خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين? قالت: لا تفعل. قال: ولم? قالت:
لأني امرأة في وجهي ردة ، وفي خلقي بعض العهدة ، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس
بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي في ذلك ما فيه.
قال: قومي بارك الله عليك. ادعي لي فلانة ” لابنته الوسطى “؛ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله
لأختها؛ فأجابته بمثل جوابها وقالت: إني خرقاء وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره
فيطلقني فيكون علي في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمي فيرعى حقي، ولا جارك في بلدك
فيستحييك. قال: قومي بارك الله عليك. أدعي لي بهيسة ” يعني الصغرى “، فأتي بها فقال لها كما
قال لهما. فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إني قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. فقالت – ولم يذكر لها
مقالتيهما – لكني والله الجميلة وجهاً، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً، الحسيبة أباً، فإن طلقني فلا أخلف
الله عليه بخير. فقال: بارك الله عليك. ثم خرج إلينا فقال: قد زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس. قال:
قد قبلت. فأمر أمها أن تهيئها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه. فلما هيئت بعث
بها إليه. فلما أدخلت إليه لبث هنيهةً ثم خرج إلي. فقلت: أفرغت من شأنك? قال: لا والله. قلت:
وكيف ذاك? قال: لما مددت يدي إليها قالت: مه ! أعند أبي وإخوتي !! هذا والله ما لا يكون. قال: فأمر
بالرحلة فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله. ثم قال لي: تقدم فتقدمت، وعدل بها عن
الطريق، فلما لبث أن لحق بي. فقلت: أفرغت? قال: لا والله. قلت: ولم? قال: قالت لي: أكما يفعل
بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة ! لا والله حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما
يعمل لمثلي. قلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبةً إن شاء الله. فرحلنا
حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إلي. فقلت: أفرغت? قال: لا. قلت: ولم?
قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من
الشرف ما لا أراه فيك. قلت: وكيف? قالت: أتفرغ لنكاح النساء والعرب تقتل بعضها ! ” وذلك في أيام
حرب عبس وذبيان “. قلت: فيكون ماذا? قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى
أهلك فلن يفوتك. فقلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، ولقد قالت قولاً. قال: فاخرج بنا. فخرجنا حتى
أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى؛ فيؤخذ الفضل ممن هو
عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة الآف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذكر. قال
محمد بن عبد العزيز: فمدحوا بذلك، وقال فيه زهير بن أبي سلمى قصيدته. نظم زهير معلقته في
مأثرة صانعي السلام هذين. يبدو أنها نظمت في فترة متأخرة من حياته، إذ أنها تلخص كل حكمة بدو
الناضجة، التي ما تزال موجودة في الصحراء حتى يومنا هذا.
? – 13 ق. هـ / ? – 609 م
زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مُضَر.
حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة.
قال ابن الأعرابي: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد)، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام.
قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
ويقال : إن أبياته في آخرها تشبه كلام الأنبياء.
و قد عمر ما يقارب 90 عاما
1
الدمنة : ما اسود من آثار الدار بالعبر والرماد وغيرهما ، والجمع الدمن ، والدمنة الحقد ، والدمنة
السرجين وهي في البيت بمعنى الأول ، حومانة الدراج والمتلثم : موضعان . وقوله : أمن أم أوفى ،
يعني أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفي دمنة لا تجيب ؟ وقوله : لم تكلم ، جزم بلم ثم حرك
الميم بالكسر لأن الساكن إذا حرك كان الأحرى تحريكه بالكسر ولم يكن بد ههنا من تحريكه
ليستقيم الوزن ويثبت السجع ثم أشبعت الكسرة بالاطلاق لأن القصيدة مطلقة القوافي . يقول :
أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب سؤالها بهذين الموضعين . أخرج الشاعر الكلام
في معرض الشك ليدل بذلك على أنه لبعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها لم يعرفها معرفة قطع وتحقيق
2
الرقمتان : حارتان إحداهما قريبة من البصرة والأخرى قريبة من المدينة ، المراجيع : جمع المرجوع ،
من قولهم : رجعه رجعا ، أراد الوشم المجدد والمردد ، نواشر المعصم : عروقه ، الواحد : ناشر وقيل
ناشرة ، والمعصم : موضع السوار من اليد ، والجمع المعاصم يقول : أمن منازلها دار بالرقمتين ؟
يريد أنها تحل الموضعين عند الانتجاع ولم يرد أنها تسكنهما جميعا لان بينهما مسافة بعيدة ، ثم
شبه رسوم دار بهما بوشم في المعصم قد رمم وجدد بعد انمحائه ، شبه رسوم الدار عند تجديد
السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم ؛ وتلخيص المعنى : أنه أخرج الكلام في معرض
الشك في هذه الدار أهي لها أم لا ، ثم شبه رسومها بالوشم المجدد في المعصم ؛ وقوله ، ودار لها
بالرقمتين ، يريد : وداران لها بهما ، فاجتزأ بالواحد عن التثنية لزوال اللبس إذ لا ريب في أن الدار
الواحدة لا تكون قريبة من البصرة والمدينة ؛ وقوله كأنها ، أراد كأن رسومها وأطلالها ، فحذف المضاف
3
قوله : بها العين ، أي البقر العين ، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه ، والعين : الواسعات العيون ،
والعين سعة العين ، الأرآم : جمع رئم وهو الظبي الأبيض خالص البياض ، وقوله : خلفه ، أي يخلف
بعضها بعضا إذا مضى قطيع منها جاء قطيع آخر ، ومنه قوله تعالى :”وهو الذي جعل الليل والنهار
خلفة” الاطلاء : جمع الطلا وهو ولد الظبية والبقرة الوحشية ويستعار لولد الإنسان . ، الجثوم للناس
والطير والوحوش ، والفعل جثم يجثم ، والمجثم : موضع الجثوم ، والمجثم الجثوم ، فالمفعل من
باب فعل يفعل ، إذا كان مفتوح العين كان مصدرا ، وإذا كان مكسور العين كان موضعا ، المضرب
بالفتح والمضرب بالكسر يقول : بهذه الدار بقر وحش واسعات العيون وظباء بيض يمشين بها خالفات
بعضها بعضا وتنهض أولادها من مرابضها لترضعها أمهاتها
4
الحجة : السنة ، والجمع الحجج ، اللأي : الجهد والمشقة يقول : وقفت بدار أم أوفى بعد مضي
عشرين سنة من بينها ، وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة مشقة ، يريد أنه لم يثبتها
إلا بعد جهد ومشقة لبعد العهد بها ودروس أعلامها
5
الأثافية : جمعها الأثافي بتثقيل الياء وتخفيفها ، وهي حجارة توضع القدر عليها ، ثم إن كان من
الحديد سمي منصبا ، والجمع المناصب ، ولا يسمى أثفية ، السفع : السود ، والأسفع مثل الأسود
، والسفاع مثل السواد ، المعرس : أصله المنزل ، من التعريس وهو النزول في وقت السحر ، ثم
استعير للمكان الذي تنصب فيه القدر ، المرجل : القدر عند ثعلب من أي صنف من المعادن كانت ،
النؤي : نهير يحفر حول البيت ليجري فيه الماء الذي ينصب من البيت عند المطر ولا يدخل البيت ،
والجمع الآناء ، الجذم : الأصل ، ويروى: كحوض الجد ، والجد : البئر القريبة من الكلا ، وقيل بل هي
البئر القديمة يقول : عرفت حجارة سودا تنصب عليها القدر ، وعرفت نهيرا كان حول بيت أم أوفى
بقي غير متلثم كأنه حوض وقد نصب أثافي على البدل من الدار في قوله عرفت الدار ، يريد أن هذه
الأشياء دلته على أنها دار أم أوفى
6
كانت العرب تقول في تحيتها : أنعم صباحا أي نعمت صباحا ، أي طاب عيشك في صباحك ، من
النعمة وهي طيب العيش ، وخص الصباح بهذا الدعاء لأن الغارات والكرائه تقع صباحا ، وفيها أربع
لغات : أنعم صباحا ، بفتح العين ، من نعم ينعم مثل علم يعلم . والثانية أنعم ، بكسر العين ، من
نعم ينعم مثل حسب يحسب ، ولم يأت على فعل يفعل من الصحيح غيرهما ، وقد ذكر سيبويه أن
بعض العرب أنشده قول امرئ القيس : ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن منن كان في
العصر الخالي؟ بكسر العين من ينعم . والثالثة عم صباحا من وعم يعم مثل وضع يضع ، والرابعة عم
صباحا من وعم يعم مثل وعد يعد يقول : وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييا إياها وداعيا لها :
طاب عيشك في صباحك وسلمت
7
الظعائن : جمع ظعينة ، لأنها تظعن مع زوجها ، من الظعن وهو الارتحال ، بالعلياء: أي بالأرض العلياء
أي المرتفعة ، جرثم : ماء بعينه يقول : فقلت لخليلي : أنظر يا خليلي هل بالأرض العالية من فوق
هذا الماء نساء في هوادج على إبل ؟ يريد أن الوجد يرح به والصبابة ألحت عليه حتى ظن المحال
لفرط ولهه ، لأن كونهن بحيث يراهن خليله بعد مضي عشرين سنة محال ، التبصر : النظر ، التحمل
: الترحل
8
القنان : جبل لبني أسد ، عن يمين ، يريد الظعائن ، الحزن : ما غلظ من الأرض وكان مستويا .
والحزن ما غلظ من الأرض وكان مرتفعا ، من محل ومحرم ، يقال : حل الرجل من إحرامه وأحل ، وقال
الأصمعي : من محل ومحرم ، يريد من له حرمة ومن لا حرمة له ، وقال غيره : ويريد دخل في أشهر
الحل ودخل فى أشهر الحرم يقول مررت بهم أشهر الحل ودخل وأشهر الحرم
9
الباء في قوله علون بأنماط للتعدية ويروى : وأعلين وهما بمعنى واحد ، والمعالاة قد تكون بمعنى الإعلاء ومنه قول الشاعر : عاليت أنساعي وجلب الكور على سراة رائح ممطور أنماط : جمع نمط وهو ما يبسط من صنوف الثياب ، العتاق : الكرام الواحد عتيق ، الكلة : الستر الرقيق ، والجمع الكلل ، الوارد : جمع ورد وهو الأحمر والذي يضرب لونه إلى الحمرة ، المشاكهة : المشابهة ، ويروى وارد الحواشي لونها لون عندم ، العندم : البقم ، والعندم دم الأخوين يقول : وأعلين أنماطا كراما ذات أخطار وسترا رقيقا ، أي القينها على الهوادج وغشين بها . ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه ألوانها الدم في شدة الحمرة أو البقم أو دم الأخوين
10
السوبان : الأرض المرتفعة اسم علم لها ، التوريك : ركوب أوراك الدواب ، الدل والدلال والداله واحد ،
وقد أدلت المرأة وتدللت ، النعمة: طيب العيش والنتعم : تكلف النعمة يقول : وركبت هؤلاء النسوة
أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان وعليهن دلال الإنسان الطيب العيش الذي يتكلف ذلك
11
بكر وابتكر وبكر وأبكر : سار بكرة ، استحر: ساحر سحرا سحرة : اسم للسحر ، لا تصرف سحرة
وسحر إذا عنيتهما من يومك الذي أنت فيه . وان عنيت سحرا من الأسحار صرفتهما ، وادي الرس :
واد بعينه يقول : ابتدأن السير وسرن سحرا وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة الفم
لا تخطئه
12
الملهى : اللهو وموضعه ، اللطيف : المتأنق الحسن المنظر ، الأنيق : المعجب ، فعيل بمعنى
المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع والأليم بمعنى المؤلم ، ومنه قوله عز
وجل:”عذاب أليم” ، ومنه قول الشاعر ابن معدي كرب: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني
وأصحابي هجوع أي المسمع ، والإيناق : الإعجاب ، التوسم : التفرس ، ومنه قوله تعالى:”وإن في
ذلك لآيات للمتوسمين” وأصله من الوسامة وهما الحسن كأن التوسم تتبع محاسن الشيء ، وقد
يكون من الوسم فيكون تتبع علامات الشيء وسماته يقول : وفي هؤلاء النسوة لهو للمتأنق
الحسن المنظر ومناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن
13
الفتات : اسم لما انفت من الشيئ أي تقطع وتفرق ، وأصله من الفت وهو التقطع والتفريق ،
والفعل منه فت يفت ، والمبالغة التفتيت والمطاوع الانفتات والتفتت ، الفنا : عنب الثعلب ، التحطم
: التكسر ، والحطم التكسر ، العهن : الصوف المصبوغ ، والجمع العهون يقول : كأن قطع الصوف
المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة حب عنب الثعلب في حال كونه غير
محطم ، لأنه إذا حطم زايله لونه ، شبه الصوف الأحمر بحب عنب الثعلب قبل تحطيمه
14
الزرقة : شدة الصفاء ، ونصل أزرق وماء أزرق إذا اشتد صفاؤهما والجمع زرق ، ومنه زرقة العين ،
العين الجمام : جمع جم الماء وجمته ، وهو ما اجتمع منه في البئر والحوض أو غيرهما ، وضع
العصي : كناية عن الإقامة ، لأن المسافرين إذا أقاموا وضعوا عصيهم ، التخييم : ابتناء الخيمة . فلما
وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض عزمن على الإقامة
كالحاضر المبتني الخيمة
15
الجزع : قطع الوادي ، والفعل جزع يجزع ، ومنه قول امرئ القيس : وآخر منهم جازع نجد كبكب أي
قاطع ، القين : كل صانع عند العرب ، فالحداد قين ، والجزار قين ، فالقين هنا الرحال ، وجمع العين
قيون مثل بيت وبيوت ، وأصل القين الإصلاح ، والفعل منه قان يقين ، ثم وضع المصدر موضع اسم
الفاعل وجعل كل صانع قينا لانه مصلح ؛ ومنه قول الشاعر : ولي كبد مجروحة قد بدا بها صدوع
الهوى لو أن قينا يقينها أي لو أن مصلحا يصلحها . ويروى : على كل حيري ، منسوب إلى الحيرة ،
وهي بلدة ، القشيب: الجديد ، المفأم : الموسع يقول : علون من وادي السوبان ثم قطعته مرة
اخرى لانه اعترض لهن في طريقهن مرتين وهن على كل رحل حيري أو قيني جديد موسع
16
يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين ، جرهم قبيلة قديمة تزوج فيهم
إسماعيل ، عليه السلام ، فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته ، عليه السلام ، وضعف أمر أولاده ،
ثم استولت عليها بعد جرهم ، خزاعة ، إلى أن عادت إلى قريش ، وقريش اسم لولد النضرين ابن كنانة
17
السحيل : المفتول على قوة واحدة ، المبرم : المفتول على قوتين أو أكثر ، ثم يستعار السحيل
للضعيف والمبرم القوي يقول : حلفت يمينا ، أي حلفت حلفا ، نعم السيدان وجدتما على كل حال
ضعيفة وحال قوية ، لقد وجدتما كاملين مستوفيين لخلال الشرف في حال يحتاج فيها إلى ممارسة
الشدائد وحال يفتقر فيها إلى معاناة النوائب ، وأراد بالسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف ،
مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما أعباء ديات القتلى
18
التدارك : التلافي ، أي تداركتما امرهما ، التفاني : التشارك في الفناء ، منشم : قيل فيه انه اسم
امرأة عطارة اشترى قوم منها جفنه من العطر ، وتعاقدوا وتحالفوا وجعلوا آية الحلف غمسهم الايدي
في ذلك العطر، فقاتلوا العدو الذي تحالفوا على قتاله فقتلوا عن آخرهم ، فتطير العرب بعطر منشم
وسار المثل به ، وقيل : بل كان عطارا يشترى منه ما يحنط به الموتى فسار المثل به يقول ،
تلافيتما امر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة ، أي بعد إتيان
القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين
19
السلم : الصلح ، يذكر ويؤنث يقول : وقد قلتما ، إن أدركنا الصلح واسعا ، أي أن اتفق لنا إتمام الصلح
بين القبيلتين ببذل المال واسداء المعروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر
20
العقوق : العصيان ، ومنه قوله ، عليه السلام ، “لايدخل الجنة عاق لابويه” ، المأثم ، الاثم ، يقال
أثم الرجل يأثم أذا أقدم على إثم ، وأثمة الله يأثمه إثاما وإثما إذا جازاه بإثمه ، وأثمه إيثاما صيره ذا
إثم ، وتأثم الرجل تأثما إذا تجنب الاثم ، مثل تحرج وتحنث وتحوب اذا تجنب الحرج والحنث والحوب
يقول : فأصبحنا على خير موطن من الصلح بعيدين في إتمامه من عقوق الاقارب والاثم بقطيعة
الرحم ؛ وتلخيص المعنى ، انكما طلبتما الصلح بين العشائر ببذل الاعلاق وظفرتما به وبعدتما عن
قطيعة الرحم . والضمير في منها يعود إلى السلم ، يذكر ويؤنث
21
العليا ، تأنيث الاعلى ، وجمعها العليات والعلى مثل الكبرى في تأنيث الاكبر والكبريات والكبر في
جمعها ، وكذلك قياس الباب ، وقوله هديتما ، دعاء لهما ، الاستباحة : وجود الشيء مباح ،
والاستباحة الاستئصال . ويروى يعظم من الاعظام بمعنى التعظيم ، ونصب عظيمين على الحال
يقول : ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها ، ثم دعا لهما
فقال : هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح ، ثم قال : ومن وجد كنزا من المجد مباحا
واستأصله عظم أمره أو عظم فيما بين الكرام
22
الكلوم والكلام : جمع كلم وهو الجرح ، وقد يكون مصدرا كالجرح ، التعفيه : التمحية ، من قولهم :
عفا الشيئ يعفو اذا انمحى ودرس وعفاه غيره ويعفيه وعفاه أيضا عفوا ، ينجمها أي يعطيها نجوما .
يقول : تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل فأصبحت الإبل يعطيها نجوما من هو بريء الساحة بعيد
عن الجرم في هذه الحروب ، يريد أنهما بمعزل عن إراقة الدماء وقد ضمنا إعطاء الديات وأخرجاها
نجوما ، وكذلك نعطى الديات
23
أراق الماء والدم يريقه ، وهرقه يهريقه ، وأهراقه يهريقه لغات ، والأصل اللغة الأولى ، والهاء في
الثانية بدل من الهمزة في الأولى ، وجمع في الثالثة بين البدل والمبدل توهما أن همزة أفعل لم
تلحقه بعد ، المحجم : آلة الحجام ، والجمع المحاجم يقول : ينجم الإبل قوم غرامة لقوم ، أي
ينجمها هذان السيدان غرامة للقتلى ، لأن الديات تلزمهم دونهما ، ثم قال : هؤلاء الذين ينجمون
الديات لم يريقوا مقدار ما يملأ محجما من الدماء ، والملء مصدر ملأت الشيء ، والملء مقدار
الشيء الذي يملأ الإناء وغيره ، وجمعه أملأ ، يقال : أعطني ملء القدح ومليئة وثلاثة أملائه
24
التلاد والتليد : المال القديم الموروث ، المغانم جمع المغنم وهو الغنيمة ، شتى أي متفرقة ، الإفال
: جمع أفيل وهو الصغير السن من الإبل ، المزنم : المعلم بزنمه يقول : فأصبح يجري في أولياء
المقتولين من نفائس أموالكم القديمة الموروثة غنائم متفرقة من إبل صغار معلمة ، وخص الصغار
لأن الديات تعطى من بنات اللبون والحقاق ولأجذاع ، ولم يقل المزنمة وإن كان وصفه الإفال حملا
على اللفظ لأن فعالا من الأبنية التي اشترك فيها الآحاد والجموع وكل بناء انخرط في هذا السلك
ساغ تذكيره حملا على اللفظ
25
الأحلاف والحلفاء : الجيران ، جمع حليف على أحلاف كما جمع نجيب على أنجاب وشريف على
أشراف وشهيد على أشهاد ، أنشد يعقوب : قد أغتدي بقينة أنجاب وجهمة الليل إلى ذهاب أقسم
أي حلف ، وتقاسم القوم أي تحالفوا ، والقسم الحلف ، والجمع الأقسام ، وكذلك القسيمة ، هل
أقسمتم أي قد أقسمتم ، ومنه قوله تعالى : ” هل أتى على الأنسان” أي قد أتى ، وأنشد سيبويه
: سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رؤونا بسفح القف ذي الأكم أي قد رؤونا ، لأن حرف الاستفهام لا
يلحق حرف الاستفهام يقول : أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم قد حلفتم على إبرام حبل الصلح كل
حف فتحرجوا الحنث وتجنبوا
26
يقول : لا تخفوا من الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد ليخفى على الله ومهما يكتم من شيء
يعلمه الله ، يريد أن الله عالم بالخفيات والسرائر ولا يخفى عليه شيئ من ضمائر العباد ، فلا تضمروا
الغدر ونقض العهد فإنكم إن أضمرتموه علمه الله ، وقوله يكتم الله أي يكتم من الله
27
أي يؤخر عقابه في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى الآخرة
فينتقم من صاحبه ، يريد لا مخلص من عقاب آجلا أو عاجلا
28
الذوق : التجربة ، الحديث المرجم : الذي يرجم فيه بالظنون أي يحكم فيه بظنونها يقول : ليست
الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها وما هذا الذي أقوله بحديث مرجم عن الحرب ،
أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون
29
الضرى : شدة الحرب واستعار نارها ، وكذلك الضراوة ، والفعل ضري بضرى ، والإضراء والتضرية الحمل
على الضراوة ، ضرمت النار تضرم ضرما واضطرمت وتضرمت : التهبت ، وأضرمتها وضرمتها : ألهبتها
يقول : متى تبعثوا الحرب مذمومة أي تذمون على إثارتها ، و اشتد ضرمها إذ حملتموها على شدة
الضرى فتلتهب نيرانها ، وتلخيص المعنى : إنكم إذ أوقدتم نار الحرب ذممتم ومتى أثرتموها ثارت
وهيجتموها فهو يحثهم على التمسك بالصلح ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب
30
ثفال الرحى : خرقة أو جلدة تبسط تحتها ليقع الطحين . والباء في قوله بثفالها بمعنى مع ، اللقح
واللقاح حمل الولد ، يقال : لقحت الناقة والإلقاح جعلها كذلك ، الكشاف : أن تلقح نعجة في السنة
مرتين أنتجت الناقة إنتاجا إذا ولدت عندي ونتجت الناقة تنتج ، الاتآم : أن تلد الأنثى توأمين ، وامرأة
متآم إذا كان ذلك دأبها ، والتوأم ، بجمع على التؤام يقول : وتعرككم الحرب عرك الرحى الحب مع
ثفاله ، وخص تلك الحالة لأنه لا يبسط إلا عند الطحن ، ثم قال وتلقح الحرب في السنة مرتين وتلد
توأمين ، جعل إنفاء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب
بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات ، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين : احدهما جعله إياها
لاقحة كشافا ، والآخر إتآمها
31
الشؤم : ضد اليمن ، ويقال رجل مشؤوم ورجال مشائيم كما يقال رجل ميمون ورجال ميامين ،
الأشأم أفعل من الشؤم ، وهو مبالغة المشؤوم وكذلك الأيمن مبالغة الميمون ، وجمعه الأشائم
، وأراد بأحمر عاد أحمر ثمود وهو عاقر الناقة ، واسمه قدار بن سالف يقول : فتولد لكم أبناء في أثناء
تلك الحروب كل واحد منهم بضاهي في الشؤم عاقر الناقة ، ثم ترضعهم الحروب وتقطعهم ، أي
تكون ولادتهم ونشؤهم في الحرب فيصبحون مشائيم على آبائهم
32
أغلت الأرض تغل إذا كانت لها غلة ، أظهر تضعيف المضاعف في محل الجزم والبناء على الوقف ،
يتهكم ويهزأ بهم يقول : فتغل لكم الحروب حينئذ ضروبا من الغلات لا يكون مثلها لقرى من العراق
التي تغل الدراهم بالقفيزات ، وتلخيص المعنى أن المضار المتولدة من هذه الحروب تربي على
المنافع المتولدة من هذه القرى كل هذا حث منه لهم على الاعتصام بحبل الصلح وزجر لهم عن
الغدر بإيقاد نار الحرب يقول : لم يتقدم بما أخفى فيعجل به ولكن أخره حتى يمكنه
33
جر عليهم : جنى عليهم ، والجريرة الجناية ، والجمع الجرائر ، يؤاتيهم : يوافقهم ، وهذه المؤاتاة
هي قتل ورد بن حابس العبسي هرم بن ضمضم قبل هذا الصلح ، فلما اصطلحت القبيلتان عبس
وذبيان استتر وتوارى حصين بن ضمضم لئلا يطالب بالدخول في الصلح ، وكان ينتهز الفرصة حتى
ظفر برجل من عبس فشد عليه فقتله فركبت عبس فاستقر الأمر بين القبيلتين عل عقل القتيل
يقول : أقسم بحياتي لنعمت القبيلة جنى عليهم حصين بن ضمضم وإن لم يوافقوه في إضمار الغدر
ونقض العهد
34
الكشح منقطع الأضلاع ، والجمع كشوح ، والكاشح المضمر العداوة في كشحه ، وقيل نبل هو من
قولهم : كشح يكشح كشحا إذا أدبر وولى وإنما سمي العدو كاشحا لإعراضه عن الود والوفاق ،
ويقال طوى كشحه على كذا أي أضمر في صدره ، الاستكنان : طلب الكن ، والاستكنان الاستتار ،
وهو في البيت على المعنى الثاني ، فلا هو أبداها أي فلم يبدها وليكون لا مع الفعل الماضي
بمنزلة لم مع الفعل المستقبل في المعنى ، كقوله تعال “فلا صدق ولا صلى” أي فلم يصدق ولم
يصل ، وقوله تعالى :”فلا اقتحم العقبة” أي لم يقتحمها يقول : وكان حصين أضمر في صدره حقدا
وطوى كشحه على نية مستترة فيه ولم يظهرها لأحد قبل ولم يتقد عليها قبل إمكانه الفرصة
35
يقول : وقال حصين في نفسه : سأقضي حاجتي من قتل قاتل أخي أو قتل كفؤ له ثم أجعل بيني
وبين عدوي الف فارس ملجم فرسه أو ألفا من الخيل ملجما
36
الشدة : الحملة ، وقد شد عليه يشد شدا ، الإفزاع : الاخافة أم قشعم : كنية الموت يقول : فحمل
حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه ولم يفزع بيوتا كثيرة ، أي لم يتعرض لغيره عند ملقى
رحل المنية ، وملقى الرحل : المنزل ، لأن المسافر يلقي به رحله ، اراد عند منزل المنية
37
شاكي السلاح وشائك السلاح وشاك السلاح ، أي تام السلاح ، كله من الشوكة وهي العدة والقوة
، مقذف : أي يقذف به كثيرا إلى الوقائع ، والتقذيف القذف ، اللبد : جمع لبدة الآسد وهي ما تلبد
من شعر على منكبيه يقول : عند أسد تام السلاح يصلح لان يرمى به إلى الحروب . فالرجل يشبه
أسدا له لبدتان لم تقلم براثنه ، يريد أنه لا يعتريه ضعف ولا يعييه عدم شوكة كما أن الاسد لا يقل
براثنه ، والبيت كله من صفة حصين
38
الجرأة والجراءة : الشجاعة ، والفعل جرؤ يجرؤ وقد جرأته عليه بدأت بالشيء أبدأ به مهموز فقلبت
الهمزة ألفا ثم حذفت للجازم يقول : وهو شجاع منى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا ، وإن لم
يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لغنائه وحسن بلائه ، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله
وعنى به حصينا ، ثم اضرب عن قصته ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الاعتصام بالصلح
39
الرعي يقتصر على مفعول واحد : رعت الماشية الكلأ ، وقد يتعدى الى مفعولين نحو : رعيت
الماشية الكلأ ورعى الكلأ نفسه الظمأ : ما بين موردين ،والجمع الاظماء ، الغمار: جمع غمر وهو
الماء الكثير ، التفري : التشقق يقول: رعوا إبلهم الكلأ حتى إذا تم الظمأ اوردوها مياها كثيرة ، وهذا
كله استعارة ، والمعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما ترعى الابل مدة
معلومة ثم عاودوا الوقائع كما تورد الابل بعد الرعي فالحروب بمنزلة الغمار ولكنها تنشق عنهم
باستعمال السلاح وسفك الدماء
40
قضيت الشيء وقضيته : أحكمته وأتممته أصدرت : ضد أوردت ، استوبلت الشيء : وجدته وبيلا ،
واستوخمته وتوخمته : وجدته وخيما ، والوبيل والوخيم : الذي لا يستمرا يقول : فأحكموا وتمموا
منايا بينهم أي قتل كل واحد من الحيين صنفا من الآخر فكأنهم تمموا منايا قتلاهم ثم أصدروا إبلهم
بعد كلإ وبيل وخيم أي ، ثم أقلعوا عن القتال والقراع واشتغلوا بالاستعداد له ثانيا كما تصدر الإبل
فترعى إلى أن تورد ثانيا ، وجعل اعتزامهم على الحرب ثانية والاستعداد لها بمنزلة كلإ وبيل وخيم ،
كما جعل استعدادهم للحرب أولا وخوضهم غمراتها وإقلاعهم عنها زمنا وخوضهم إياها ثانية بمنزلة
رعي الإبل أولا ، وإيرادها وإصدارها ورعيها ثانيا ، وشبه تلك الحال بهذه الحال ، ثم أضرب عن هذا
الكلام وعاد إلى مدح الذين يعقلون القتلى ويدفعون الديات
41
يقول : أقسم ببقائك وحياتهم أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء ، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا
قاتليهم في سفك دمائهم ، والتأنيث في شاركت الرماح يبين براءة ذممهم عن سفك دمهم ليكون
ذلك أبلغ في مدحهم بعقلهم القتلى
42
مضى شرح هذا البيت في أثناء شرح البيت الذي قبله
43
عقلت القتيل : وديته ، وعقلت عن الرجل أعقل عنه ، أديت عنه الدية التي لزمته ، وسميت الدية
عقلا لأنها تعقل الدم عن السفك أي تحقنه وتحبسه ، وقيل بل سميت عقلا لأن الوادي كان يأتي
بالإبل إلى أقنية القتيل فيعقلها هناك بعقلها ، فعقل على هذا القول بمعنى المعقول ، ثم سميت
الدية عقلا وإن كانت دنانير ودراهم ، والأصل ما ذكرنا ، طلعت الثنية وأطلعتها : علوتها ، المخرم :
منقطع أنف الجبل والطريق فيه ، والجمع المخارم يقول : فكل واحد من القتلى أرى العاقلين يعقلونه
بصحيحات ابل تعلو في طرق الجبال عند سوقها إلى أولياء المقتولين
44
حلال : جمع حال ، مثل صاحب وصحاب ، وصائم وصيام ، وقائم وقيام ، يعصم : يمنع ، الطروق :
الإتيان ليلا ، والباء في قوله بمعظم يجوز كونه بمعنى مع وكونه للتعدية ، أعظم الأمر أي سار إلى
حال العظم ، كقولهم : أجز البر وأجد التمر وأقطف العنب ، أي يعقلون القتلى لأجل حي نازلين
يعصم أمرهم جيرانهم وحلفاءهم إذا اتت إحدى الليالي بأمر فظيع وخطب عظيم ، أي إذا نابتهم
عصموهم ومنعوهم
45
الضغن والضغينة واحد : وهو ما استكن في القلب من العداوة ، والجمع الأضغان والضغائن ، التبل :
الحقد ، والجمع التبول . الجارم والجاني واحد ، والجارم : ذو الجرم كاللابن والتامر يمعنى ، ذي اللبن
وذي التمر ، الإسلام : الخذلان يقول : لحي كرام لا يدرك ذو الوتر وتره عندهم ولا يقدر على الانتقام
منهم من ظلموه وجنى عليه بعض فتيانهم وحلفائهم وجيرانهم
46
سئمت الشيئ سآمة : مللته ، التكاليف : المشاق والشدائد ، لا أبالك : كلمه جافية لا يراد بها هنا
الجفاء وإنما يراد بها التنبيه والإعلام يقول : مللت مشاق الحياة وشدائدها ، ومن عاش ثمانين سنة
مل الكبر لا محالة
47
يقول : وقد يحيط علمي بما مضى وما حضر ولكني عمي القلب عن الإحاطة بما هو منتظر و متوقع
48
الخبط : الضرب باليد ، والفعل خبط يخبط ، العشواء : تأنيث الأعشى ، والياء في عشي منقلبة عن
الواو كما كانت في رضي منقلبة عنها ، والعشواء : الناقة التي لا تبصر ليلا ، ويقال في المثل : هو
خابط خبط عشواء ، أي قد ركب رأسه في الضلالة كالناقة التي لا تبصر ليلا فتخبط بيديها على عمى
فربما تردت في مهواة وربما وطئت سبعا أو حية أو غير ذلك قوله : ومن تخطئ ، أي ومن تخطئه ،
فحذف المفعول ، وحذفه سائغ كثير في الكلام والشعر والتنزيل ، التعمير : تطويل العمر يقول : رأيت
المنايا تصيب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة ، ثم قال
: من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته فبلغ الهرم
49
يقول : ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه وأذلوه وربما قتلوه كالذي يضرس
بالناب ويوطأ بالمنسم ، الضرس : العض على الشيئ بالضرس ، والتضريس مبالغة ، المنسم
للبعير : بمنزلة السنبك للفرس ، والجمع المناسم
50
يقول : ومن جعل معروفه ذابا ذم الرجال عن عرضه وجعل إحسانه واقيا عرضه – وفر مكارمه ، ومن لا
يتق شتم الناس إياه شتم : يريد أن من بذل معروفه صان عرضه ، ومن بخل بمعروفه عرض عرضه
للذم والشتم ، وفرت الشيء أفره وفرا : أكثرته ؛ ووفرته فوفر وفورا
51
يقول : من كان ذا فضل ومال فبخل به استغني عنه وذم ، فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز ،
لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف
52
وفيت بالعهد أفي به وفاء وأوفيت به إيفاء ، لغتان جيدتان والثانية أجودهما لأنها لغة القرآن ، قال الله
تعالى :”وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم” ، ويقال هديته الطريق وهديته إلى الطريق وهديته للطريق يقول
: ومن أوفى بعهده لم يلحقه ذم ، ومن هدى قلبه إلى بر يطمئن القلب إلى حسنه ويسكن إلى
وقوعه موقعه لم يتمتع في إسدائه وإيلائه
53
يقول : من خاف وهاب أسباب المنايا نالته ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعا ولو رام الصعود إلى
السماء فرارا منها
54
يقول : ومن وضع اياديه في غير من استحقها ، أي من أحسن إلى من لم يكن اهلا للاحسان إليه
والامتنان عليه ، ذمه الذي أحسن اليه ولم يحمده وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه
55
الزجاج ، جمع زج الرمح : وهو الحديد المركب في اسفله ، وإذا قيل : زج الرمح ، عني به ذلك الحديد
والسنان ، اللهذم : السنان الطويل ، عالية الرمح ضد سافلته والجمع العوالي ، إذا التقت فئتان من
العرب سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها وسعى الساعون في الصلح ، فإن أبتا إلا
التمادي في القتال قلبت كل واحدة منهما للرماح واقتتلتا بالأسنة يقول : ومن عصى أطراف الزجاج
أطاع عوالي الرماح التي ركبت فيها الأسنة الطوال ، وتحرير المعنى: من أبى الصلح ذللته الحرب
ولينته ، وقوله يطيع العوالي ، كان حقه أن يقول : يطيع العوالي ، بفتح الياء ، ولكنه سكن الياء
لإقامة الوزن وحمل النصب على الرفع والجر لأن هذه الياء مسكنة فيهما ، ومثله قول الراجز : كأن
أيديهن بالقاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورق
56
الذود : الكف والردع يقول : ومن لا يكف اعداءه عن حوضه بسلاحه هدم حوضه ، ومن كف عن ظلم
الناس ظلمه الناس ، يعني من لم يحم حريمه استبيح حريمه واستعار الحوض للحريم
57
يقول : من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء لأنه لم يجريهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم
، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس
58
يقول : ومهما كان للانسان من خلق فظن انه يخفى على الناس علم ولم يخف ، والخلق والخليقة
واحد ، والجمع الأخلاق والخلائق . وتحرير المعنى : أن الاخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى
59
في كائن ثلاث لغات : كأين وكائن وكئن ، مثل كعين وكاعن وكع ، الصمت والصمات والصموت واحد ،
والفعل صمت يصمت يقول : وكم صامت يعجبك صمته فتستحسنه وإنما تظهر زيادته على غيره
ونقصانه عن غيره عند تكلمه
60
هذا كقول العرب : المرء بأصغريه لسانه وجنانه
61
إذا كان الشيخ سفيها لم يرج حلمه لأنه لا حال بعد الشيب إلا الموت ، والفتى إن كان نزقا سفيها
أكسبه شيبه حلما ووقارا ، ومثله قوله صالح بن عبد القدوس : والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى
في ثرى رمسه
62
يقول : سألناكم رفدكم ومعروفكم فجدتم بهما فعدنا الى السؤال وعدتم الى النوال ، ومن أكثر السؤال حرم يوما لا محالة ، والتسآل : السؤال ، تفعال من ابنية المصادر