يوسف عليه السلام في البئر
يوسف عليه السلام
لقد بعث الله تعالى إلى البشر العديد من الأنبياء والرسل كي يدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده وألّا يشركوا به شيئاً، ومن ضمن هؤلاء الأنبياء الذين ورد ذكر قصصهم في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو يوسف عليه السلام، بل وهو أحد الأنبياء الذين سميت سورٌ في القرآن الكريم باسمهم، وهذا وإن دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على العبر العظيمة التي من الممكن أن يستقيها الإنسان من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، ففي قصته عبرةٌ للجميع وخاصّةً الشباب، فما واجهه عليه السلام في طفولته وشبابه هو نفسه ما قد يواجهه العديد من الشباب ولكن بدرجةٍ أعظم بكثير، فلهذا يمكن للشباب أن يأخذوا من قصته عليه السلام على العديد من العبر التي ستساعدهم في تخطي هذه العقبات المختلفة التي قد يجدها في طريقه.
طفولة سيدنا يوسف ورؤياه
فتبدأ قصة يوسف عليه السلام من حياته مع أبيه وإخوته، فهو ابن نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام جميعاً، فكان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ابناً يعود إليهم نسب الأسباط جميعهم، ومن بين هؤلاء الأبناء كان يوسف عليه السلام أجلّهم شأناً وأحبّهم إلى يعقوب عليه السلام.
قبل أن يبلغ يوسف عليه السلام الحلم رأى مناماً ذكره الله تعالى في القرآن الكريم إذ قال تعالى:”إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، فكانت هذه بداية قصته عليه السلام في القرآن الكريم، وعندما قصّ يوسف عليه السلام هذه الرؤيا على أبيه عرف تأويلها، فأخبره أنّه سيكون ذا شأنٍ عظيم، وكان سجود الكواكب الأحد عشر والشمس والقمر يدلّ على خضوع إخوته الأحد عشر وأبيه وأمّه له عليه السلام، وأخبره أبوه ألّا يخبر إخوته عن هذا الحلم كي لا يكيدوا له ويحسدوه، فقد كانوا يحسون أيضاً أنّ منزلته هو وأخوه يعنون عند أبيهم أكبر من منزلتهم ، فاقترحوا أن يقتلوا يوسف عليه السلام أو ينفوه بعيداً ويكونوا صالحين من بعدها فينالوا محبة أبيهم، وبعدها اقترح أحدهم أن يلقوه في البئر فيلتقطه أحد المسافرين.
يوسف عليه السلام في البئر
بعدما أجمع إخوة يوسف على إلقائه في البئر طلبوا من أبيهم أن يرسله معهم كي يرعى الأغنام، ولكن يعقوب لم يكن يريد مفارقة يوسف عليه السلام وخاف أن يأكله الذئب ولا يستطيع دفعه عنه لصغر سنّه ولا ينتبه له إخوته لانشغالهم، ولكنّهم أكدوا له أن هذا لن يحصل وأنّهم عصبةٌ يستطيعون دفع الأذى عن أخيهم، فوافق عليه السلام أن يبعثه معهم وعندها قاموا بتنفيذ خطتهم بإلقائه في البئر، وعندها كان إيحاء الله تعالى له بأنّه سيأتيه الفرج قريباً، فحتى لو أعدّ الناس الخطط وأعدوا المكائد، فإنّ الله تعالى هو خالق كلّ شيء وبيده أمره، وهو الذي لا يقع أيّ شيءٍ إلّا بأمره ووفقاً للقدر، فما قد تراه النهاية العظمى لك تكون هي بداية الخير كلّه.
بعدها أتى إخوة يوسف إلى أبيهم في المساء وعلى قميصه دمٌ كذبٌ من سخلةٍ ذبحوها، ولكن يعقوب عليه السلام عرف ذلك فكما ذكر العلماء أنّهم نسوا أن يشقوا ثيابه، فكيف للذئب أن يأكله وينزل الدم على ثيابه من دون أن تشق، فلما رأى ذلك يوسف انتابته الريبة، وقد مرت قافلةٌ ذاهبةٌ إلى مصر بالبضائع فتوقّفوا عند البئر ليشربوا منه، وعندما أنزلوا الدلو تعلق به يوسف عليه السلام فاستبشروا به وأخذوه مع جملة بضاعتهم إلى مصر، وبلغ به الأمر في النهاية ليشتريه عزيز مصر، أي وزيرها، وقال لزوجته أن تكرم مثواه لعلهم يتخذوه ولداً لهم، فعلمه الله تعالى من تأويل الأحاديث وتعبير الرؤى وغيرها كي يوحي إليه الله تعالى فيما بعد.
ابتلاء العفة في حياة يوسف
لكن لم ينتهي البلاء والاختبارات التي نزلت على سيدنا يوسف عليه السلام هنا، فكما ذكرنا أنّه كان عبرةً لكلّ الشباب وفي مقاومة غرائز النفس وشهواتها، فقد كان يوسف عليه السلام جميلاً جداً، بل كما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أنّه أعطي شطر الجمال، فيكون المؤمنون في الجنة على جمال سيدنا يوسف عليه السلام، ففتنت امرأة العزيز بجماله وتزينت له ولبست أحسن الثياب، ودعته إليها، وكما قال الله تعالى في القرآن الكريم:”وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”، وفي قوله تعالى غلّقت مبالغةٌ إمّا لتشديدها على إغلاق الأبواب أو لكثرة تلك الأبواب، ولكنّه عليه السلام نبيٌّ من أنبياء الله تعالى يخافه فتمنّع وأخبرها بأن زوجها العزيز هو سيد ذلك البيت وله من الفضل الكبير عليه، فهو الذي رعاه وعلّمه، وقد أقبلت عليه إلّا انّه أصرّ على دفعها ولم يكن في قلبه أيّ شيءٍ غير دفعها عنه فلم يقبل عليها ولو للحظةٍ حتى في تفكيره فقد رأى برهان ربّه، وبرهان الله تعالى هو النور المزروع في قلبه عليه السلام، فقوله تعالى:”ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه” هي ليست كما فسرها البعض بأنّها إقبالٌ منه عليها فهو لا يجوز في حقّ نبيٍّ من أنبياء الله المعصومين، ولكن تفهم بأنّه لولا برهان الله تعالى لهمّ بها، أي لولا نور الإيمان الذي في قلبه لراودته نفسه على فعل المعصية، ولكن وفي حال سيدنا يوسف عليه السلام كان همّه الوحيد هو دفعها عنه والابتعاد عنها لحرجه الشديد فقد كان شديد الحياء والخجل، فلذلك كان عليه السلام مثالاً على من يظلهم الله بظله، إذ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله.
فهرب عليه السلام بعدها إلى الباب كي يفرّ منها، فوجدا زوجها عند الباب، ولكنها لم تتوقّف على ذلك بل بدأت بالتباكي واتّهمت يوسف عليه السلام بأنّه هو الذي يريد بها السوء، وقال عليه السلام أنّها هي التي راودته عن نفسه، فاحتاج إلى قول الحقيقة كي ينفي ما اتهم به، وهنا حصلت المعجزة فالله تعالى لا يرضى بالظلم والإهانة لعباده الصالحين، فإن اتقيت الله فاعلم أنّه معك على الدوام، فأنطق الله تعالى صبياً بالمهد كان من أحد أقاربها، فقال لسيدها أن يرى قميصه فإن كان قد مزّق من الأمام فيكون هو كاذب وهي صادقة، إذ إنّها تكون قد دفعته عن نفسها، وإن كان مزّق من الخلف فسيكون هو الصادق إذ إنّ قميصه سيكون قد تمزق خلال امساكها له وهو يهرب منها، وعندها طلب زوجها منها أن تستغفر لذنبها ومن يوسف أن لا يذكر ما حصل فهو الأمر الأفضل والأقرب إلى الخلق في مثل هذه الحالة.
نسوة المدينة
لكنّ لم ينتهي الموقف عند هذا، فما زالت امرأة العزيز تحبّه وهو ما علم به نسوة المدينة فلهذا بدأن بالحديث عنها، ولما سمعت بذلك دعتهن وأعدت لهن الضيافة ومن ضمنها ما يقطع بالسكين وألبست يوسف أحسن الثياب فكان على أبهى الصور، وعندما خرج عليهن انبهرن بجماله حتى أنهنّ قطعن أيديهنّ بالسكين ولم يشعرن بالألم، وقد كان يوسف عليه السلام يغطّي وجهه في العادة إذا أتته امرأةٌ تريد حاجة كي لا يرى الناس جماله فيفتنوا فيه، فالجمال وهو نعمةٌ من نعم الله تعالى إلّا أنّه كان بلاءً ليوسف عليه السلام في هذه الحالة، فليست السعادة دائماً بما يظنّه الناس من النعيم، وعندما حرضّت نسوة المدينة يوسف على الطاعة لسيدته وامتنع وأبى هددته بالسجن، ولكن دعا يوسف ربه بأن يسجن فهو أحبّ إليه من معصية الله تعالى، فلو لم يعصمه الله تعالى ويعطه القوة والنور في قلبه لما استطاع أن يمتنع عن الفاحشة، فاستجاب له الله تعالى فأمر العزيز وزوجته بسجن يوسف ظلماً كي يظهر للناس أنّه هو من راودها عن نفسه ويقلّ كلام الناس في تلك القضية.
يوسف عليه السلام في السجن
في السجن بدأ فصلٌ آخر من قصة يوسف عليه السلام، إذ دخل معه السجن شخصان، وقد ذهب العلماء إلى أنّهما ساقي الملك وخبازه، فأعجبهما في يوسف عبادته وتوكله على الله تعالى، وشاهد كلّ واحدٍ منهما رؤيا على شاكلته، فرأى الأول أنّه يعصر الخمر من ثلاث عناقيد عنب قد امتلأت فعصر منها وسقى الملك، والآخر أنّه يحمل ثلاث سلالٍ من الخبز على رأسه وتأكل الطير من الخبز من على رأسه، فسألا يوسف عن ذلك، فأخبرهما في البداية أنّه ما من حلمٌ يحلمانه إلّا ويخبرهما تأويله فيكون كما قال، فهو من علمه الله تعالى تعبير الرؤى من صغره، وقبل أن يفسر لهما المنام أخبرهما أنّه يوحد الله تعالى وأنّه على ملّة أبيه وأجداده يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليه السلام مسلماً لله تعالى الذي هو أقوى من تلك الأصنام المتفرقة، وقد أمر الله أن يعبده الناس ولا يشركوا بعبادته أحداً، وأخبرهما تأويل حلمهما بان الخباز يصلب وتأكل الدير من رأسه، وأنّ الساقي يخرج من السجن ويعود لسقي الملك، وأنّ هذا أمرٌ مقضي سيحصل في العاجل أم الآجل، وطلب من الذي ظنّ أنّه ناجٍ أي الساقي أن يذكره عند الملك وما به من الظلم، فلا مانع من الأخذ بالأسباب، بل هو واجبٌ وهو لا ينافي التوكل على الله أبداً، بل إنّه واجبٌ إلى جانب التوكل على الله.
لكنّ الشيطان أنسى الناجي أن يذكر يوسف عند الملك لبضع سنين بقي فيها يوسف في السجن، ولكن بعدها أراد الله تعالى إخراج يوسف من السجن، فرأى الملك رؤيا وهي انّه كان على حافة النهر فخرجت سبع بقراتٍ سمانٍ يرتعن في الخضرة هنالك، فخرجت سبع بقراتٍ هزال ضعاف فرتعن معهن ثم أكلنهن، فاستيقظ مذعوراً ونام بعدها، فرأى سبع سنبلاتٍ خضرٍ في قصبة واحدة، فإذا بسبع يابسات أخر يأكلونهن، فقصها على قومه فأخبروه أنّها من الأحلام التي لا تعبير لها، وأن لا خبرة لهم بتفسير الرؤى، وعندها تذكّر الساقي الذي نجى من السجن يوسف عليه السلام وقدرته على تفسير الرؤى وأخبر الملك عنه وطلب أن يرسله إلى يوسف كي يفسرها له، فأخبرهم يوسف بأنّه يأتيهم سبع أعوامٍ يخضرّ فيها الزرع ومن بعدها سبعٌ يأتيهم فيها القحط ومن بعدها يأتيهم عامٌ فيه الخير ويرزق فيه الناس ويعودون إلى عصر ما كانوا يعصرونه من الزيتون والعنب والسمسم وغيره، وأخبرهم ما يفعلون في كلٍّ من السنين كي يتغلبوا عن القحط.
عندما علم الملك بعلم يوسف أراد أن يخرجه ويجعله من حضرته، ولكنّه أبى ذلك وطلب من رسول الملك الذي أتاه أن يعود إلى الملك ويطلب منه أن يسأل العزيز عن التهم التي وضع على إثرها في السجن كي تظهر براءته أمام الناس جميعاً، وعندما سأل الملك عن ذلك أخبرنه أنّه تمنع عنهن وأخبرت امرأة العزيز أنّ الله قد أظهر الحق واعترفت بذنبها، كي يعلم العزيز أنّها لم تخنه من دون علمه، فبانت براءة يوسف عليه السلام أمام الجميع قبل خروجه من السجن وما كان به من الظلم، وعندما ظهر للملك ما كان به من الظلم والعفة وما يمتلكه من العلم والحكمة طلب ان يأتوه به كي يكون من أكابر القوم عنده، وطلب من الملك أن يوليه على خزائن الأرض كي يستطيع إخراج الناس من الضيق الذي سيحصل بحسب رؤيا الملك، فهو علم أنّه يستطيع ذلك وله من القوة والعلم والأمانة ما يؤهّله لذلك، ولهذا طلب بنفسه أن يتولاه فلا حرج في ذلك، وقيل أيضاً أن العزيز عندما مات زوّجه الملك امرأته وجعله في منصبه فأصبح ذا مكانةٍ وشأنٍ في الأرض.
نجاة يوسف من السجن
الله يمهل ولا يهمل، والله تعالى لا ينسى الظلم إذا وقع بالإنسان ويأخذ بحقه حتى ولو بعد سنين، فكيف لقصة يوسف عليه السلام أن تنتهي من دون أن يعيد له حقّه لما وقع عليه من الظلم من أخوته ويلّم شمله مرةً أخرى بأبيه الصالح عليهما السلام، فعندما كانت سنين القحط كان يوسف عليه السلام الحاكم على الأمور المصرية، فأتى إخوة يوسف يطلبون الطعام منه، فعرفهم على الفور إلّا أنّه لم يخطر ببالهم أبداً أن يكون يوسف قد وصل إلى هذه المكانة العظيمة فلم يعرفوه، وأعطاهم الطعام حمل بعير كما جرت به العادة بإعطاء كلّ شخص، وسألهم عن أنفسهم فأخبروه أنّهم اثنا عشر رجلاً ذهب منهم واحدٌ وبقي الآخر عند أبيهم، فطلب منهم أن يأتوه به في العام المقبل فقد تيقنوا من أنّه يوفي الكيل لكلّ شخصٍ ويعدل بين الناس، وهددهم بانّهم إن لم يأتوه به فلا كيل لهم عنده، وطلب من فتيانه أن يعيدوا لهم البضاعة بالخفية خوفاً من أن لا يكون لديهم ما يعودون به في العام المقبل ليقايضوا به.
عندما عادوا اخبروا أباهم يعقوب عليه السلام أنّه إن لم يبعث معهم أخيهم في العام المقبل فإنّه سيمنع الكيل منهم، وعندها وافق يعقوب عليه السلام على خيفةٍ من نفسه أن يبعث أخيهم معهم إذ إنّه كان يرى فيه ريح يوسف ويعوضه عنه، وقد بعثه أيضاً لحاجة أهله إلى الطعام وأنّ لا قدرة لهم على من الطعام في سنين الجدب والقحط هذه، فأخذ منهم المواثيق والعهود مع علمه أنّه لا تنفع المواثيق إن حصل القدر، وطلب منهم عليه السلام ان يدخلوا من ابواب متفرقة وكان السبب في هذا أن لا يصابوا بالعين فقد كانوا حسان الشكل.
لقاء يوسف بأخيه
عندما دخلوا إلى الملك ومعهم أخوهم أخبره أنّه أخوه وطلب منه أن يكتم ذلك، وأراد أن يحتال عليهم كي يأخذه منهم، فوضع صواع الملك أي سقايته في رحل أخيه بنيامين واتهمهم بالسرقة وأنّه لمن يعيد الصواع حمل بعيرٍ آخر، ولكنهم نفوا ذلك، فطلب يوسف منهم ان يخبروه ما جزاءهم إن كانوا كاذبين فأخبروه أنّ من يسرق عندهم يدفع منه، وقد طلب منهم ذلك لأنّه لم يكن باستطاعته أن يأخذ أخيهم منهم بحسب سياسة مصر، فلما استخرجوا الصواع من حمل بنيامين اتهموه أنّه يسرق كأخيه من قبل ويعنون يوسف عليه السلام، إلّا أنّه أسرّها في نفسه، وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم بدلاً منه لأنهم أعطوا المواثيق لأبيهم، ولكنه أبى أن يأخذ أحداً غير الذي سرق وأن ياخذ البريء عوضاً عنه.
عندما يئسوا من إرجاع أخيهم قال كبيرهم أنّه لم يعد قادراً على مواجهة أبيه بعد المواثيق وبعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وأنّه لن يعود حتى يأذن له أبوه بالعودة أو أن يستيطع إرجاع بنيامين من الملك، وعندما عادوا إلى أبيهم وأخبروه بما حصل كذبهم وخاصةً بعدما فعلوه بيوسف، فالسرقة ليست من صفات بنيامين، وتذكر حزنه القديم على يوسف ودعا الله تعالى أن يعيد له يوسف وبنيامين، وعندها ومن كثرة حزنه وبكائه أصابه العمى، فلما رأى أبناؤه ما به من الوحدة طلبوا منه أن يتوقف عن ذكرهما رحمةً به وخوفاً عليه من الضعف بسبب ذلك، ولكنّه نبيٌّ كريمٌ من أنبياء الله تعالى فأخبرهم أنّه لا يشكوا إليهم بل إلى الله تعالى وأنّه يعلم أن الله سيخرجه ممّا هو فيه من الضيق، وطلب منهم أن لا ييأسوا من طلب يوسف وبنيامين وأنّ ييقنوا بأنّ الله قادرٌ على تفريج كلّ كربٍ وهم.
قميص يوسف
فرجع إخوة يوسف إليه مرةً أخرى وطلبوا منه الميرة وأن يتصدق ويمنّ عليهم ويعطيهم أخيهم بنيامين، وأخبروا العزيز أنّهم أصابهم وأهلهم الضعف والقحط وأنّهم لم ياتوا إلّا بدراهم معدودةٍ لما بهم من القحط، فعندها حزن يوسف وعطف على ما بهم من الجدب وأخبرهم أنّه هو يوسف وأنّ هذا هو أخيه وأنّ الله أكرمهما لما هما فيه من برّ الوالدين وطاعته تعالى وصبرهمها على أذيتهم لهما، وعندها أخبروه ان الله تعالى فضله عليهم وأنّه كانوا مخطئين وأحسوا بذنبهم وبسوء صنيعهم، وهنا تظهر قمّة العظمة في يوسف عليه السلام وهو العفو عند المغفرة، فقال لهم كما أخبر الله في كتابه العزيز:” قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين”، وأخبرهم أن يذهبوا بقميصه فيضعوه على عيني أبيهم حتى يعود إليه بصره، وهي من معجزاته عليه السلام، وأخبرهم أن يرجعوا بأهلهم جميعاً كي يلتمّ شملهم مرةً اخرى.
تأويل رؤيا يوسف
فلما عادوا إلى أبيهم أحسّ عليه السلام بريح يوسف قبل أن يقدموا إليه بمسافةٍ كبيرة، وعندما أخبر قومه قال لهم أنّه يخاف أن يظنوا انّ هذا من الخرف وكبر السن، وهو ما ظنوه بالفعل، ولكن وعندما أتى البشير وألقى القميص على وجهه عليه السلام عاد بصيراً على الفور، وأتى يعقوب إلى يوسف عليه السلام، وقيل أنّه عندما أتى خرج معه الملك والحرس في موكب إعظاماً ليوسف لاستقبال يعقوب عليه السلام وقيل أنّ الله تعالى رفع سنين القحط ببركة قدومهم، فعندما وصلوا أخذ أبيه وأمّه وأجلسهما معه على سريره وخرّوا له ساجدين إعظاماً له، وقد كان هذا الأمر مشروعاً عندهم وفي باقي الشرائع حتى حرّمه الله تعالى في الإسلام، وقد كان هذا تأويل الرؤيا في بداية قصته عليه السلام حين رأى الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له، وبذلك رأى يوسف عليه السلام أنّ الله تعالى أتمّ فضله ونعمه عليه بعد الضيق والهم، ودعا الله تعالى أن يتمّ فضله بأن يتوفاه مسلماً ويرزقه الجنة فهذه هي الغاية الكبرى التي قد يسعى لها أيّ إنسان مهما كان به من النعيم أو الضيق.