يا أيلا الرجوع إلى الحق فضيلة
محمد طاهر أيلا رجل نجح في ولاية البحر الأحمر التي قدمته على طبق من ذهب لولاية الجزيرة وما أدراك ما ولاية الجزيرة التي استعصت عليه وخصمت الكثير من رصيده بل أكاد أجزم أنها أفقرته سمعة ومكانة وحطمت كل ما بناه من مجد شخصي لطالما رفع ذكره وشأنه بين الأنام.
كتبنا كثيراً عن (جلايط) الرجل في ولاية الجزيرة التي باتت تحكم بسلطة واحدة هي التي تقوم بالدور التنفيذي والتشريعي والرقابي بما يعني أنها تجيز الموازنة وتصدر القوانين وتمارس الرقابة بالنيابة عن السلطة التشريعية التي ديست بالأقدام رغم أنف الدستور ورغم أنف الحوار .
قبل أن أحكي لكم عن (جلايط) أيلا دعوني أتساءل : ماذا دهى الرجل فجعله ينقلب على طبعه الهاديء الرزين الذي وسمه منذ أيام الشباب وما الذي غيّر من شخصيته اللطيفة التي رفعته مكاناً علياً في بورتسودان ، وأحاله إلى طاغية لا يحتمل رأياً معارضاً بعد أن تقمص شخصية فرعون مصر وهو يستخف قومه بقوله : (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)؟!
بعد أن وصف معارضيه بعد أشهر من توليه منصب والي الجزيرة بالخفافيش ، كر على قيادات حزبه بل وبرلمانييه المنتخبين فأعمل في ولايته سيف الطوارئ ليحل بعده المجلس التشريعي ولكم كان غريباً أن يباشر المرضي عنهم من أعضاء هيئة حزبه البرلمانية دور المجلس التشريعي المنحل فيقدموا المعالجات لبعض أخطائه الكارثية المتعلقة بقضية تجفيف المدارس التي أثارت مواطني الولاية كما لم يثوروا من قبل في تاريخهم الطويل.
بعد الثورة والاحتجاج الذي انتظم ولايته جراء إصداره قراراً بإيقاف (157) مدرسة خاصة ثم إلغائه ذلك القرار الغريب اضطر الرجل إلى إجراء تعديل في قرار تجفيف المدارس بخفض عدد المدارس المجففة إلى (46) مدرسة من (116) كان قد صدر قرار بتجفيفها.
بالله عليكم احسبوا عدد التلاميذ المتضررين من القرارين قبل إلغائهما أو تعديلهما في المساقين الحكومي والخاص.
إنهم بلا أدنى شك يزيدون عن مئة ألف تلميذ فهل بربكم من عاقل في هذه الدنيا يمكن أن يجرؤ على اتخاذ مثل ذلك القرار ؟!
ما كتبت مقالي هذا إلا لأقول بضع ملاحظات استدرك بها على قرار خفض المدارس المجففة إلى (46) فقد وصلتنا شكاوى تقطع نياط القلب بأن كثيراً من الآباء أوقفوا تعليم ابنائهم وبناتهم.
التحقيق الذي أجرته ناهد عباس لصحيفة آخر لحظة تحدث عن كيف رفض عدد كبير من أولياء أمور التلميذات مواصلة بناتهم بعد أن جُففت مدارسهن ونُقلن إلى مدارس ثانوية بقرى تبعد عن مناطق سكنهن بحوالي (15) كيومتراً .
تلميذة متفوقة من محلية أم القرى أحرزت (272) درجة في مرحلة الأساس اضطر والدها إلى منعها من مواصلة تعليمها خوفاً عليها بعد أن جُففت مدرسة قريتها وقُبلت في مدرسة تبعد (15) كيلو متراً من قريتها.
أب آخر في مدرسة بمحلية الكاملين حكى عن تجربة مماثلة لابنته التي قرر حرمانها من مواصلة تعليمها الثانوي جراء بُعد المدرسة التي قُبلت بها (10 كيلومتر) بعد أن جُففت مدرسة القرية وقال الأب الحزين إنه لا يستطيع توفير (30) جنيها في اليوم للترحيل ووجبة الفطور.
عدد مقدر من البنين والبنات حُرموا من التعليم إما بسبب عدم قدرة الآباء على الصرف عليهم أو جراء مشقة أو خطورة انتقال البنات يومياً إلى مدارسهن الجديدة.
هذا يحدث في ولاية الجزيرة التي تشهد ردة حضارية بعد ما يقرب من مئة عام على بدء تعليم البنات حين أنشأ بابكر بدري مدرسة لتعليمهن في رفاعة .
لن أصدق أن أيلا يجهل أهمية التعليم في عصر باتت الدول الكبرى تعتمد على موارد وإبداعات العقول بأكثر مما تعتمد على موارد الإنتاج الزراعي والمعدني ذلك أن أثرى أثرياء العالم هم من يعملون في التقانات التي تنتجها العقول ولكن أيلا يصر على تجهيل مواطنيه والاهتمام ببناء الشوارع والانترلوك على حساب العقول.
إنني لأرجو من الهيئة التشريعية القومية ومجلس الولايات خاصة إيلاء التعليم في ولاية الجزيرة اهتماماً خاصاً سيما بعد أن حُل المجلس التشريعي الذي ينبغي أن يتولى أمر التشريع.
قبل ذلك لا أزال أطمع في أن يُعيد أيلا النظر في قرار تجفيف المدارس وأخص مدارس البنات اللائي لا يجوز تعريضهن لأخطار النقل اليومي إلى مدارس بعيدة سيما مع الضائقة المعيشية التي تعاني منها البلاد.