ولادة المسيح عليه السلام
قصص القرآن
ذكر الله تعالى القصص في كتابه العزيز، وذلك لحكمة من عنده؛ فهذه القصص ترشد الإنسان الضالّ إلى سواء السبيل، فهي قصص حقيقية يستفيد منها الإنسان في كلّ زمان ومكان، حيث تخبر الإنسان أنّه ما دام قريباً من الله تعالى مطيعاً له، سيرضى عنه وسيحميه، وسيعلي من شأنه في الدنيا والآخرة، حتى لو ذاق الصعوبات الكبيرة، والأذى الذي لا يمكن لأيّ شخص عاديّ احتماله.
من أبرز القصص التي ذكرت في الكتاب الحكيم، والتي قلبت البشرية رأساً على عقب، والتي كانت بداية لانتشار رسالة السلام والمحبة إلى كافة أصقاع المعمورة قصة نبي الله عيسى المسيح عليه والسلام، فعيسى هو من أولي العزم من الرسل الذي عانى مع قومه، لكن بسبب كونه قريباً من الله تعالى، فقد أعلى الله تعالى من شأنه في الدنيا وفي الآخرة، ورفع من قدره، ليس هو فحسب، بل وأمه التي احتضنته ورعته، فكافأها الله تعالى بأن جعلها أفضل امرأة، وسيدة نساء العالمين على الإطلاق، ومن أبرز الأحداث التي مرّ بها هذا النبي الكريم هو وأمه، حدث الولادة الذي كان صعباً على السيدة مريم العذراء، وفيما يلي تفصيل هذه القصة.
ولادة المسيح عليه السلام
هي مريم بنت عمران، أطهر سيدة خلقها الله تعالى على وجه هذه الأرض، تنتمي إلى عائلة شريفة جدّاً لها مكانة عالية وكبيرة في بني إسرائيل، حيث كان عمران عالماً وعابداً بينهم، ولدت زوجة عمران السيدة مريم، وقد ترعرعت تحت كفالة النبي زكريا عليه السلام زوج خالة السيدة مريم، وقد كانت عندما كبرت عابدة وقريبة من الله تعالى، ولهذا ميزها الله تعالى عن باقي الناس، فقد كانت الملائكة تأتيها، وتعلّمها باصطفاء الله تعالى لها، وتطهيرها من الرجس والدنس، وتحفزها لزيادة عبادتها لله تعالى.
عندما بلغت كما تبلغ النساء، وبينما كانت وحدها تعبد الله، جاءها الملك جبريل على هيأة الإنسان، ففزعت، وتعوّذت بالرحمن منه، فهدأها وقال لها أنّه رسول من رب العالمين إليها حتى يهب لها غلاماً مقدساً زكياً سيكون له شأن في الدنيا، وسيعلي الله تعالى من قيمته في الدنيا والآخرة، فتعجبت من ذلك خاصّة أنّه لم يلمسها أحد من الرجال.
نفخ الملك جبريل في السيدة مريم بأمر من الله، فحملت بالمسيح عليه السلام، وعندما بدت وظهرت علائم الحمل عليها، خرجت وذهبت إلى مكان تحتجب وتختفي فيه عن الأنظار، فألجأها مخاضها إلى جذع نخلة في المكان الذي توجد فيه مدينة بيت لحم الفسطينية، حيث تعتبر هذه المدينة المكان الذي ولد فيه عيسى، وفيه الكنيسة المقدسة التي تعرف باسم كنيسة المهد، والتي تتضمن الكهف المقدس الذي ولد فيها عليه السلام وبعد الولادة، حملته ورجعت به إلى قومه فظهرت معجزة جديدة، وهي تكلّم عيسى في المهد، ودفاعه عن أمه إزاء نظرات الاستغراب من قومها، والاتهامات التي بدأوا يرمونها بها، وقد خلد القرآن الكريم أول كلمات نطق بها هذا النبي العظيم، فقد قال تعالى على لسان المسيح: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).