هوامش دفتر النكسة
الشعر السياسي
ارتبط الشعر السياسي برؤية الشاعر منذ العصر الجاهلي؛ فالقبيلة العربية في مخيّلة الشاعر العربي كالدولة المصغّرة، وعليه كان ينظم جميع شعره دفاعاً عن هذه القبيلة، ورفعاً لشأنها، وترهيب الأعداء منها.
كان حسان بن ثابت شاعر الرسول ومجموعة من الشعراء المسلمين في عهد صدر الإسلام يقفون أمام المشركين لينصروا الدعوة الإسلامية بالشعر، ويدافعون عنها، ويردّون كيد شعراء المشركين في نحورهم. لكن الشعر السياسي اتّخذ غرضاً شعريّاً قائمًا بذاته مع بداية الدولة الأموية، حين انقسم المسلمون بعد معركة صفين إلى طوائف وأحزاب، أهمّها: الخوارج، والشيعة، والزبيريون، والأمويون.
انطلاقاً من هذا التاريخ، أصبح لهذه الأحزاب السياسية شعراء انفردوا في التحدث عن مبادئها وتوجُّهاتها، فتحوَّل الشِّعر السياسي إلى موضوع منفصل يخضع إلى أهداف ومناهج، ويقوم على نظرية محددة لها مبادئ واضحة في الحكم. (1)
هوامش على دفتر النكسة
قصيدة سياسية لنزار قبّاني، عبّر فيها عن مشاعره تجاه ما يحصل في فلسطين، من أهمّ هذه القصائد هي قصيدة هوامش على دفتر النكسة.
نص القصيدة
أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمة
والكتبَ القديمة
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمة
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمة
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمة
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
يا وطني الحزين
حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين
لأنَّ ما نحسّهُ أكبرُ من أوراقنا
لا بدَّ أن نخجلَ من أشعارنا
إذا خسرنا الحربَ لا غرابة
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابة
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابة
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
خلاصةُ القضيّة
توجزُ في عبارة
لقد لبسنا قشرةَ الحضارة
والروحُ جاهليّة…
بالنّايِ والمزمار..
لا يحدثُ انتصار
كلّفَنا ارتجالُنا
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ
لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ
يوجعُني أن أسمعَ الأنباءَ في الصباحْ
يوجعُني.. أن أسمعَ النُّباحْ..
ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما..
تسرّبوا كالنملِ.. من عيوبنا
خمسةُ آلافِ سنهْ..
ونحنُ في السردابْ
ذقوننا طويلةٌ
نقودنا مجهولةٌ
عيوننا مرافئُ الذبابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تكسروا الأبوابْ
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..
أن تكتبوا كتابْ
أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ
أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ
فالناسُ يجهلونكم.. في خارجِ السردابْ
الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ…
جلودُنا ميتةُ الإحساسْ
أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ
أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ
هل نحنُ (خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ) ؟…
كانَ بوسعِ نفطنا الدافقِ بالصحاري
أن يستحيلَ خنجراً..
من لهبٍ ونارِ..
لكنهُ..
وا خجلةَ الأشرافِ من قريشٍ
وخجلةَ الأحرارِ من أوسٍ ومن نزارِ
يراقُ تحتَ أرجلِ الجواري…
نركضُ في الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ
نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا أنذالا..
نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ في الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالى
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..
من عندهِ تعالى…
لو أحدٌ يمنحني الأمانْ..
لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيّدي السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ
يستجوبونَ زوجتي
ويكتبونَ عندهم..
أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ
لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني..
حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي
يا سيّدي..
يا سيّدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
في داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..
لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ
لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ
لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ..
نريدُ جيلاً غاضباً..
نريدُ جيلاً يفلحُ الآفاقْ
وينكشُ التاريخَ من جذورهِ..
وينكشُ الفكرَ من الأعماقْ
نريدُ جيلاً قادماً..
مختلفَ الملامحْ..
لا يغفرُ الأخطاءَ.. لا يسامحْ..
لا ينحني..
لا يعرفُ النفاقْ..
نريدُ جيلاً..
رائداً..
عملاقْ..
يا أيُّها الأطفالْ..
من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..
ويقتلُ الخيالْ..
يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ
وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ
لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ
فنحنُ خائبونْ..
ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ
ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ
لا تقرؤوا أخبارَنا
لا تقتفوا آثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ
ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ
يا أيها الأطفالْ:
يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ
أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهْ…
قصائد سياسية أخرى
من قصائد نزار قباني السياسة التي عبّر فيها عن غضبه لما يجري من حروب ومصائب في البلاد العربية، اخترنا لكم ما يأتي:
أطفال الحجارة
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجاره..
وأضاؤوا كالقناديلِ، وجاؤوا كالبشاره
قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا..
وبقينا دبباً قطبيةً
صُفِّحت أجسادُها ضدَّ الحراره..
قاتَلوا عنّا إلى أن قُتلوا..
وجلسنا في مقاهينا.. كبصَّاق المحارة
واحدٌ يبحثُ منّا عن تجارة..
واحدٌ.. يطلبُ ملياراً جديداً..
وزواجاً رابعاً..
ونهوداً صقلتهنَّ الحضارة..
واحدٌ.. يبحثُ في لندنَ عن قصرٍ منيفٍ
واحدٌ.. يعملُ سمسارَ سلاح..
واحدٌ.. يطلبُ في الباراتِ ثاره..
واحدٌ.. بيحثُ عن عرشٍ وجيشٍ وإمارة..
آهِ.. يا جيلَ الخياناتِ..
ويا جيلَ العمولات..
ويا جيلَ النفاياتِ
ويا جيلَ الدعارة..
سوفَ يجتاحُكَ –مهما أبطأَ التاريخُ-
أطفالُ الحجاره..
قراءة ثانية لمقدّمة ابن خلدون
هذا هو التاريخُ ، يا صديقتي
من غيرِ ما تعليقْ.
وكل ما قرأتِ عن سيرتِنا المعطّرهْ
من كَرَمٍ..
ونَجْدةٍ..
ونَخْوَةٍ..
والعَفْوِ عندَ المقدِرَة..
ليس سوى تَلْفِيقْ..
وكل ما سمعتهِ من قصص الشهامهْ
وعن سجايا حاتمٍ
وعن حكايا عنترهْ..
لم يبقَ شيءٌ منه في المفكرهْ
وكل ما سمعتِ عن حروبنا المظفَّرَهْ
وكرِّنَا..
وفَرِّنا..
وأرضنا المحرَّرهْ..
ليس سوى تلفيقْ..
هذا هو التاريخُ ، يا صديقتي
فنحن منذ أن تُوفيَ الرسولُ،
سائرونَ في جنازهْ ..
ونحن، منذ مصرعِ الحسينِ،
سائرون في جنازهْ..
ونحن، من يوم تخاصَمْنَا
على البُلدانِ..
والنسوانِ..
والغلمانِ..
في غرناطةٍ
موتى، ولكن ما لهمْ جنازهْ !..
فنِصْفُهُ هَلْوَسَةٌ..
ونصفه خطابهْ..
أطفالُنا، ليسَ لهمْ طفولةٌ.
سماؤنا، ليسَ بها سَحَابَهْ.
نساؤنا.. ما زلنَ في ثلاجة الخليفهْ
عُشَّاقُنا..
يستنشِقُون وردةَ الكآبهْ ..
كُتَّابُنا، يحاولون القفزَ كالفئرانِ ،
من مصيدةِ الرقابهْ ..
لا تثقي ، يا صديقتي ،
فعزفها مكررٌ..
وصوتها نشازْ..
المخبرونَ.. كسَّرُوا عِظامَنا
وشعبُنا..
يمشي على عُكَّازْ…
صديقةَ العمر التي..
أقرأ في عيونها المأساةْ
والحزنَ .. والشتاتْ..
نحنُ شعوبٌ تجهلُ الفرحْ
أطفالنا ما شاهدوا في عمرهمْ
قوس قزحْ..
هذي بلادٌ أقفلتْ أبوابَها..
وألغتِ التفكيرَ عند شعبها
وألغتِ الإحساسْ..
هذي بلادٌ تطلقُ النارَ على الحَمَامِ..
والغمامِ..
والأجراسْ..
ما طارَ طيرٌ عندنا..
إلا انْذَبَحْ..
ولا تغنَّى شاعرٌ بشِعْرِهِ..
هذي بلادٌ ..
ما بها مسيرةٌ تمشي..
ولا ذبابةٌ تطيرُ من حيٍّ.. إلى حيٍّ..
ولا أمسيةٌ شعريةٌ تُعْطَى..
هذي بلادٌ
نصفها زنزانةٌ
ونصفها حراسْ..
تزوجَ الموتى نساءَ بعضهمْ
فأينَ راحَ الناسْ؟؟
بلادكم أجمل ما شاهدت من بلدانْ.
فالماء فيها ضاحكٌ..
والورد فيها ضاحكٌ..
والخوخُ.. والرمانْ..
والياسمين عندكمْ ،
يمشط الشعرَ على الحيطانْ…
لا يضحكُ الإنسانْ؟؟
بلادكم أجمل ما شاهدت من بلدانْ.
فالماء فيها ضاحكٌ..
والورد فيها ضاحكٌ..
والخوخُ.. والرمانْ..
والياسمين عندكمْ ،
يمشط الشعرَ على الحيطانْ…
فكيف في بلادكُمْ
لا يضحكُ الإنسانْ؟؟
المحضر الكامل لحادثة اغتصاب سياسية
سامحُونا ..
إن شَتَمْنَاكُمْ قليلاً .. واسْتَرَحْنَا
سامحونا إنْ صَرْخْنا ..
كتبُ التاريخ لا تعني لنا شيئاً
وأخبارُ عَليٍّ .. ويزيدٍ .. أتْعَبَتنا …
إنَّنا نبحثُ ..
عمّنْ لا يزالون يقولونَ كلاماً عربيّاً
فوجدنا دولاً من خَشَبٍ ..
ووجدنا لغةً من خَشَبْ ..
وكلاماً فارغاً من أيِّ معنى
سامحُونا ..
إنْ قطعنا صلةَ الرَحْم التي تربطُنا ..
سامحونا إن فَعَلْنا ..
سامحُونا
ـ أيُّها السادةُ ـ إن نحنُ جُنِنَّا
ألفُ دجَّالٍ على أكتافنا
إسْتَبَاحُوا دَمَنا منذ وُلِدْنَا
ألفُ بوليسٍ على أوراقنا ..
يُطلقُونَ النارَ .. لكنْ ما سَقَطْنَا ..
حاولوا أن يقطعوا أرجُلَنا
كي يُعيقوا الزَحْفَ .. لكنَّا وَقَفْنَا ..
قَطَعُوا الأيدي. لكي لا نُمْسِكَ الأقلامَ ،
لكنَّا كَتَبْنَا ..
حاولوا أن يُقنعونا..
أنَّ قولَ الشعر كفرٌ .. فكَفَرْنَا ..
سامحونا ..
إن قتلنا مرة آباءَنا ..
وشككنا في روايات أبي زيدِ الهلاليِّ
وفي شخصية الزِير .. وفي عَنْتَرةٍ ..
سامحُونا إن شككنا ..
في نُصُوص الشعر والنثر التي نحفظُها
وحديثِ السيفِ .. والرمحِ .. وفي (كانَ) و (كُنَّا)…
سامحُونا إنْ هربنا ..
من بني صخرٍ .. وأوْسٍ ..
ومَنَافٍ .. وكُلَيْبٍ ..
سامحُونا إن هربنا ..
ما شربنا مرةً قهوتَهُمْ
إلا اختَنقنا ..
ما طلبنا مرةً نَجدَتَهُمْ
إلا خُذِلنَا ..
إنَّ تاريخَ ابنِ خلدونَ اختلاقٌ
فاعذرُونا ..
إن نسينا ما قرأَنا ….
سامحُونا ..
إن دخلنا قصرَكُمْ من غير إذْنٍ
ودخلنا حجرةَ العَرْش .. وقاعاتِ المرايا ..
وشممنا عَبَقَ الأجساد في كُلِّ الزوايا
ورأينا كيف في ثلاجة السلطانِ ،
يبقى طازَجاً لحمُ السَبَابا ..
سامحُونا ..
إن تعدّينا على أملاككُمْ
وعتقنا العدَدَ الأكبرَ من زوجاتكُم
سامحُونا إن خجلنا ..
وكرهنا نفسَنا .. وكرهنا جلدَنا ..
ونحرناكمْ جميعاً .. وانْتَحَرْنا …
سامحونا …
إن قطعنا مرةً سَكرَتَكُم
وسرقناكُمْ من الويسكيِّ يوماً
وفتحنا جُرْحَنَا ..
سامحُونا .. إن سرقناكُمْ من (الفيديو) قليلاً
كي نريكمْ موتَنا ..
إنّنا نسألُ عن شخصٍ يُسمَّى المُتنبّي
كان في يومٍ من الأيام عصفورَ العَرَبْ
فعرفنا أنه مات على أيدي المباحثْ
ووجدنا طَلْقَةً في رأسِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً في حَلْقِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً في قلبِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً ثانيةً في قلبِنا ..
سامحونا
إن تعدَّينَا على عُذْريَّة الدولة يوماً
واغْتَصبنَاها بشكلٍ همجيٍّ ..
واسْتَرَحنا ..
وعَضَضْنَاها كذئبٍ من يَدَيْها
ولَعَنَّا والِدَيْها ..
وأمرنا الشعبَ أن يأكلَ لحماً طازجاً من ناهِدَيْها ..
سامحُونا
إن تجاوزنا اللياقاتِ قليلاً ..
وتصرّفنا كأطفالٍ جياعٍ ..
وشربنا من دم الدولة أنهاراً …
ونِمنَا ….
سامحونا ..
إن تبوَّلنا على كلّ التماثيل التي تملأُ ساحاتِ المدينَهْ …
وعلى كلِّ التصاوير التي ألصقها البوليسُ ـ بالغَصْب ـ
على كلِّ حوانيت المدينَهْ ..
وعلى كلِّ الشعارات التي يقذفُها بالطوبِ .. أطفالُ المدينَهْ .
سامحُونا ..
إن تجمَّعنا كأغنامٍ على ظهر السفينَهْ ..
وتشرّدنا على كل المحيطات سنيناً .. وسنينا ..
لم نجد ما بين تُجَّار العَرَبْ ..
تاجراً يقبلُ أن يعلفَنا .. أو يشترينا ..
لم نجدْ بين جميلات العَرَبْ ..
مَرْأَةً تقبلُ أن تعشقَنا .. أو تَفتَدينا
لم نَجدْ ما بين ثُوَّار العَرَبْ
ثائراً .. لم يُغْمِدِ السِكّينَ فينا …
سامحُونا ..
سامحُونا ..
إن رفَضْنَا كلَّ شيءٍ ..
وكسَرْنَا كلَّ شيءٍ ..
واقْتَلَعْنَا كلَّ شيءٍ
ورمينا لكُمُ أسماءَنا
فالبوادي رفَضَتنا .. والمواني رفَضَتْنا
والمطاراتُ التي تستقبل الطيرَ صباحاً ومساءً .. رَفَضَتْنا
إنَّ شمسَ القمع في كل مكانٍ .. أحرَقَتْنا ..
سامحُونا ..
إن بَصَقنَا فوق عصرٍ ما له تسميةٌ
سامحونا إن كَفَرنَا …
خبز وحشيش وقمر
عندما يولدُ في الشرق القمرْ..
فالسطوحُ البيضُ تغفو
تحت أكداس الزَهَرْ..
يترك الناسُ الحوانيت و يمضون زُمَرْ
لملاقاةِ القَمَرْ..
يحملون الخبزَ.. والحاكي..إلى رأس الجبالْ
ومعدات الخدَرْ..
ويبيعونَ..و يشرونَ..خيالْ
وصُوَرْ..
ويموتونَ إذا عاش القمر..
ما الذي يفعلهُ قرصُ ضياءْ؟
ببلادي..
ببلاد الأنبياءْ..
وبلاد البسطاءْ..
ماضغي التبغ و تجَّار الخدَرْ..
ما الذي يفعله فينا القمرْ؟
فنضيع الكبرياء..
ونعيش لنستجدي السماءْ..
ما الذي عند السماءْ؟
لكسالى..ضعفاءْ..
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمرْ..
ويهزّون قبور الأولياءْ..
علَّها ترزقهم رزّاً.. وأطفالاً..قبورُ الأولياءْ
ويمدّون السجاجيدَ الأنيقات الطُرَرْ..
يتسلون بأفيونٍ نسميه قَدَرْ..
وقضاءْ..
في بلادي.. في بلاد البسطاءْ..
أي ضعفً وانحلالْ..
يتولاّنا إذا الضوء تدفقْ
فالسجاجيدُ.. وآلاف السلالْ..
وقداحُ الشاي .. والأطفالُ..تحتلُّ التلالْ
في بلادي
حيث يبكي الساذجونْ
ويعيشونَ على الضوء الذي لا يبصرونْ..
في بلادي
حيث يحيا الناسُ من دونِ عيونْ..
حيث يبكي الساذجونْ..
ويصلونَ..
ويزنونَ..
ويحيونَ اتكالْ..
منذ أن كانوا يعيشونَ اتكالْ..
وينادون الهلال:
“يا هلالْ..
أيُّها النبع الذي يُمطر ماسْ..
وحشيشياً..ونعاسْ..
أيها الرب الرخاميُّ المعلقْ
أيها الشيءُ الذي ليس يصدَّق”..
دمتَ للشرق..لنا
عنقود ماسْ
للملايين التي عطَّلت فيها الحواسْ
في ليالي الشرق لمَّا..
يبلغُ البدرُ تمامُهْ..
يتعرَّى الشرقُ من كلَِ كرامَهْ
ونضالِ..
فالملايينُ التي تركض من غير نعالِ..
والتي تؤمن في أربع زوجاتٍ..
وفي يوم القيامَهْ..
الملايين التي لا تلتقي بالخبزِ..
إلا في الخيالِ..
والتي تسكن في الليل بيوتاً من سُعالِ..
أبداً.. ما عرفت شكلَ الدواءْ..
تتردَّى جُثثاً تحت الضياءْ..
في بلادي.. حيث يبكي الأغبياءْ..
ويموتون بكاءْ..
كلَّما حرَّكهمْ عُودٌ ذليلٌ..و “ليالي”
ذلك الموتُ الذي ندعوهُ في الشرقِ..
“ليالي”..و غناءْ
في بلادي..
في بلاد البسطاءْ..
حيث نجترُّ التواشيح الطويلةْ..
ذلكَ السثلُّ الذي يفتكُ بالشرقِ..
التواشيح الطويلة..
شرقنا المجترُّ..تاريخاً
وأحلاماً كسولةْ..
وخرافاتٍ خوالي..
شرقُنا الباحثُ عن كلِّ بطولةْ..
في أبي زيد الهلالي..
بلادي
مِنْ لَثْغَةِ الشُحْرُور .. مِن
بَحَّةِ نايٍ مُحْزِنَهْ ..
مِنْ رَجْفَة المُوَّال .. مِنْ
تَنَهُّداتِ المِئْذنَهْ ..
مِنْ غَيْمةٍ تحبكُها
عند الغروب المَدْخَنَهْ
وجُرْحِ قِرْميدِ القُرى
المنشورةِ المزيَّنَهْ ..
مِنْ وشْوَشَاتِ نَجْمَةٍ
في شرقنا مُستَوطِنَهْ
مِنْ قصَّة تَدُورُ
بين وردةٍ .. وسَوْسَنَهْ
ومِنْ شذا فَلاحةٍ
تَعبَقُ منها (الميْجَنَهْ)
ومِنْ لُهاث حاطبٍ
عاد بفأسٍ مُوهَنَهْ ..
جبالُنا .. مَرْوَحَةٌ
للشرقِ .. غَرْقى ، ليِّنَهْ
تُوزِّعُ الخيرَ على الدنيا
ذُرانا المُحْسِنَهْ
يطيبُ للعصفور أن
يبني لدينا مسكنَهْ ..
ويغزلُ الصَفْصَافُ ..
في حضن السواقي موطنَهْ
حدودُنا بالياسمينِ
والندَى مُحصَّنَهْ
وَوَرْدُنا مُفَتِّحٌ
كالفِكَرِ المُلوَّنَهْ ..
وعندنا الصخورُ تهوَى
والدوالي مُدْمِنَهْ
وإنْ غضِبْنَا .. نزرعِ
الشمسَ سيوفاً مُؤمِنَهْ ..
بلادُنا كانتْ .. وكانتْ
بعدَ هذا الأزمِنَهْ ..