الاخبار

هل يتعاطى المعلِّمون التبغ؟!

%name هل يتعاطى المعلِّمون التبغ؟!

عندما علمتُ من ابني الطالب بالمرحلة الثانوية أن تفتيشاً عشوائياً يجري من حين لآخر على حقائب الطلاب للتحقّق من أنهم لا يحملون فيها محظورات مثل الهاتف (الموبايل) أو التبغ سواء صعوط أو سجائر، سألته هل يتعاطى بعض المعلمين الصعوط فأجاب بالإيجاب، بل أكد أن بعضهم يفعلون ذلك أمام الطلاب.

العجيب أنني لم أر استنكاراً من ابني على ذلك السلوك الغريب من المعلمين بل دُهش من انفعالي وأنا أُعبّر عن عدم رضاي عن تصرفهم مما يعني أنه بات، بحكم ما اعتاد على رؤيته، لا يرى في السعوط شيئاً منكراً مثلما أراه أنا أو جيلي من الذين لم يعتادوا على رؤية المعلم إلا في وضع المثال والقدوة. الأدهى والأمر أنني علمتُ بعد ذلك أن بعض معلمي الأساس يتعاطون الصعوط (التمباك) أمام تلاميذهم! صحيح أن عدد المتعاطين قليل مقارنة بغير المتعاطين، ولكن هل يجوز ذلك أصلاً ممن يُفترض أنهم القدوة لتلاميذهم؟!

نزلت عليَّ تلك المعلومات كالصاعقة، فما كنتُ أتخيّل أن تحرم إدارات المدارس على التلاميذ ما لا تحرمه على المعلمين الذين يُفترض أنهم يمثلون القدوة أو أن تأمر تلاميذها بالبر وتنسى نفسها.

قرأتُ قبل يومين عن طلب رئاسة الجمهورية ممثلة في اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي، سحب رخصة مزاولة المهنة من الطبيب الذي يتعاطى التبغ باعتبار أن الطبيب ينبغي أن يكون في مقام القدوة كما شدّد على منع التدخين في الأماكن العامة، حتى يكون ذلك السلوك منبوذاً، كما أن هيئة علماء السودان ممثلة برئيسها بروف محمد عثمان صالح أفتت بحُرمة أي مبلغ يدخل خزانة الدولة من مال التبغ، أما وزير الصحة بروف مامون حميدة، فقد كشف أن عدد إصابات السرطان في العام بلغت (12) ألفاً، (40)% منها بسبب التبغ.

أذكر أني أيام كنتُ أدير تلفزيون السودان، نشرتُ إعلاناً في إحدى الصحف عن حاجتنا لسائقين، وكان من بين (المؤهلات) والشروط المطلوبة من المتقدمين للوظيفة: (ألا يتعاطى الصعوط والسجاير)، فكيف بالمعلم الذي يفترض، حتى إن كان من المبتلين بتلك الآفة، أن يُخفيها تماماً عن تلاميذه وعن الناس كما يُخفي مدمن المخدرات ما ابتُلي به من (جريمة) في حق نفسه ومجتمعه.

الصعوط الذي تنتشر محاله باسم (ود عماري) في أكثر مناطق الزحام – وأحيانا بجوار بائعات الكسرة والشاي – في أسواق محليات ولاية الخرطوم السعيدة بما تتقاضاه من رسوم وجبايات حتى لو كانت مضمّخة بالسم الزعاف، أخطر وأقذر من السجاير ولو كان الصعوط منتشراً في بلاد (الخواجات) الذين كشفوا عن أخطار التدخين لكانت حربهم عليه أشد وأعنف ولكن.

بدأت تلك الحملة المباركة على التبغ (سجاير وتمباك) من خلال القانون الذي ابتدره وزير صحة الخرطوم (البلدوزر) مامون حميدة ثم بالملصقات واللافتات الضخمة التي نشرها في شتى أنحاء العاصمة والتي تظهر تأثير الصعوط على لثة وأسنان ووجوه بعض المرضى، ولكن العجب العجاب أن تهزم المحليات بروف حميدة بالرغم من أن المعتمدين يشاركونه عضوية مجلس وزراء ولاية الخرطوم، فـ(الكاش يقلل النقاش)، بل يُحّطم القانون ويمد لسانه لفتاوى التحريم الصادرة من علماء الأمة ولا يهمه سرطان الفم والصدر فكله يهون أمام سطوة تلك الرسوم التي ربما تصرف الولاية أضعافها في مستشفياتها لعلاج مرضى التبغ اللعين.

ولعل ما وجه به مساعد رئيس الجمهورية أولى أن يُوجّه إلى معتمدي محليات ولاية الخرطوم وإلى ولاة ولايات السودان سيما وأن هناك قانوناً غير مفعَّل لمكافحة التبغ.

حُرمة التبغ مما لا خلاف عليه على مستوى علماء الأمة الإسلامية جمعاء.

فقد أفتى بذلك العلامة يوسف القرضاوي رئيس المجلس الأعلى لعلماء المسلمين – وهو من أكثر علماء الأمة تيسيراً وأخذاً بالرخص – أفتى بذلك منذ أكثر من نصف قرن من الزمان في كتابه (الحلال والحرام في الإسلام).

إني لأرجو من وزيرة التربية والتعليم العام ووزيرة التعليم العالي ووزير التربية بولاية الخرطوم أن يصدروا الأوامر المُلزمة لجميع إدارات المدارس الحكومية والخاصة بمنع التبغ بشقيه (السجاير والصعوط) تماماً خاصة خلال اليوم الدراسي، ففاقد الشيء لا يُعطيه، ولا يجوز لمعلم أن يتعاطى من الخبائث ما يطلب من تلاميذه الامتناع عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى