موضوع تعبيرعن رجال الشرطة,افكار وعناصر تعبيرعن رجال الشرطة
نهم آمان البلد فلولاهم لكان القوي يأكل الضعيف فهم اساس النظام واساس الآمان فهم يسهرون على راحتنا في الوقت الذي نحن نكون به نيام . ينبغي لكلِّ مجتمع أن يتجهز بجهاز شرطة يكلِّفه مهمةَ “حفظ النظام” و”فرض احترام القانون”. إن لكلمة police شُرْطة الأصلَ الاشتقاقي نفسَه لكلمة politique [“سياسة”]، وهي ذات صلة بحُكْم “المدينة” [polis باليونانية]. فمرمى العمل الشُّرَطي، كمرمى العمل السياسي، هو إحلال السلام في الحياة الاجتماعية، أي بناء مجتمع متحرر من سطوة العنف. وظيفة الشرطة هي المساهمة في ضمانة حريات المواطنين وفرض احترام حقوقهم وضمان أمنهم. ينبغي على عناصر الشرطة أن يكونوا حرفيًّا “عناصر سلام”، أي أنهم ينبغي أن “يصنعوا السلام” بين الأفراد والجماعات التي تعيش في المدينة نفسها. لذا ينبغي على الشرطة تحييدُ مثيري العنف وكفُّ أذاهم. فوظيفة الشرطة هي أساسًا وظيفة “مضادة للعنف”. ينبغي إذنْ إعمال الوسائل الأكثر فعالية لبلوغ الغاية المنشودة. والوسائل الأنسب لصنع السلام هي وسائل سلمية. نقع هنا على مبدأ فعالية إستراتيجية العمل اللاعنفي: ينبغي على الوسائل المعمول بها أن تنسجم مع الغاية وأن تتناغم معها. إذًا فالمهمة الرئيسية للشرطة هي درء النزاعات، وحلها عند الاقتضاء، وذلك باللجوء إلى الطرائق اللاعنفية للتوسط والوساطة والمصالحة. لذا فمن الضرورة الماسة أن يتضمن التأهيلُ المقدَّم في مدارس الشرطة تدريبًا على هذه الطرائق كلما كان ذلك ممكنًا. مع ذلك، قد تضطر الشرطة إلى استخدام طرائق “إكراه بدني” – بالمعنى الحرفي لهذه العبارة – بغية تحييد مثيري العنف وكفِّ أذاهم. هناك مواقف بعينها يصعب فيها، من دون اللجوء إلى العنف، تحييدُ فرد أو عدة أفراد مسلحين يهددون حياة الغير. إلا أنه حتى في ظروف كهذه ينبغي فعل كلِّ ما في الوسع لنزع سلاح الجاني أو الجناة وإلقاء القبض عليهم مع تجنُّب جرحهم أو قتلهم. فإذا وقع، على الرغم من كلِّ شيء، موتُ إنسان على أيدي الشرطة، يُعَدُّ ذلك فشلاً يحظر أيَّ “إعلان عن النصر”. وإذا أخفقَتِ الشرطةُ في إعادة إحلال السلام الاجتماعي دون استخدام العنف القاتل، فإن المجتمع برمَّته يشترك في المسؤولية عن هذا الإخفاق. عندما ترفض الديموقراطية الاعتراف بعنفها بوصفه فشلاً فإنها تبدأ بنفي نفسها بنفسها. يجدر هنا التساؤل عما إذا كان في الإمكان سَنُّ عُرْف عام يقوم إبانه ممثلٌ عن الدولة، كلما تسبَّب استخدامُ قوى الشرطة في موت إنسان، بالاعتراف بأن ممارسة العنف القاتل، حتى وإن كان ضروريًّا ذلك العنف، هو دائمًا مأساة ومصيبة وفشل – وأنه ينبغي إذن أن يعاش كحالة “حِداد”. إن وجود حالات قصوى تُفرَض فيها ضرورةُ اللجوء إلى العنف لا يمكن له أن يفيد ذريعةً لردِّ الاعتبار للعنف كوسيلة اعتيادية وسوية لتأمين النظام العام وإعادة إحلال السلام الاجتماعي. ولكي لا يصير الاستثناءُ قاعدةً، بل يأتي على العكس ليؤكدها، من الضروري أيضًا اعتماد الصرامة في احترام هذه القاعدة. وهذه القاعدة ينبغي أن تكون الحل اللاعنفي للنزاعات. غير أن الواقع هو أن الدول الديموقراطية نفسها تتساهل في العنف الشُّرَطي، حتى فيما يتعدى عتبة الضرورة الصارمة: إذ يتمتع رجالُ الشرطة بالإفلات من القصاص نسبيًّا في ممارسة وظائفهم، سواء في أثناء الاستجوابات في أقسام الشرطة أم إبان تفريق المظاهرات العامة؛ وهو ما قادهم إلى الاعتقاد بأن من المسموح لهم ارتكاب أفعال عنف في حق المواطنين غير ضرورية بتاتًا لحفظ الأمن العام، إذ توجَّه شتائم وتسدَّد ضربات لا يُفترَض التساهلُ فيها في دولة قانون. إن على المواطنين، في هذا الصدد، واجبَ التيقظ الذي ينبغي أن يقودهم إلى شجب هذه المخالفات لمناقب “حراس السلام”. إن المشاركين في كفاح لاعنفي، نساءً ورجالاً، مدفوعون دفعًا طبيعيًّا إلى مواجهة رجال الشرطة المكلفين “حفظ النظام” و”فرض احترام القانون”. ينبغي أيضًا التفاوض على هذا اللقاء، الحتمي بقدر ما هو غير مرغوب فيه، وذلك بحسب قواعد اللاعنف. وهنا تنضم الحجج ذات الطابع الأخلاقي إلى الحجج ذات الطابع التكتيكي لتبرير اتخاذ موقف تهذيب صارم حيال رجال الشرطة. إن التعبير عن الازدراء في حق أعضاء قوى الأمن، سواء بشتمهم أو برميهم ببلاط الشوارع[2]، هو، أولاً، ظلمٌ في حق أناس لا ترتبط مسؤوليتُهم الشخصية ارتباطًا مباشرًا بقضايا النزاع الجاري. فـ”عدمُ تمييز العدو” خطأ فادح دومًا. فضلاً عن ذلك، فإن كثيرين منهم، على الأرجح، لم “يختاروا” هذه المهنة إلا تحت ضغوط وضعهم الاجتماعي. إن موقف الازدراء حيال رجال الشرطة لا يمكن له أن يثير لديهم سوى النفور من المتظاهرين ويحتجزهم ضمن منطق دورهم كعناصر قمع، في حين أن بعضهم قد يتساءل قطعًا عن شرعية الأوامر التي يتلقاها. فحالما يشعرون أن عنف المتظاهرين يهددهم، سواء ظل كامنًا أو صار فعليًّا، لن يترددوا في اللجوء بأنفسهم إلى العنف، لا لشيء إلا ليدافعوا عن أنفسهم. فرجال الشرطة هم أيضًا بشر يعرفون الخوف. خلاصة القول إنه لدى الخروج من دوامة العنف هذه، تبقى يد القانون هي العليا بالضرورة. على العكس، إذا أظهر المتظاهرون للملأ صراحةً عزمَهم على الحفاظ على موقف لاعنفي، فإن من شأن هذا الموقف أن ينزع فتيل عداوة الشرطة لهم؛ ونتيجة ذلك قد تتغير طبيعة المواجهة نفسُها بين هؤلاء وأولئك تغيرًا عميقًا. ولهذه الغاية، يجدر القيام قبل العمل بحملة إعلامية موجَّهة إلى الشرطة. وإذا أمكن، فمن المفيد أن تتم اتصالات شخصية معهم، سواء مع المنفِّذين البسطاء منهم أم مع المسؤولين، وأن تبيَّن لهم صحةُ الغاية المنشودة والوسائل المستعمَلة على حدٍّ سواء. ينبغي عندئذٍ السعيُ إلى إقناعهم بأنهم سيُحترَمون في وظيفتهم كـ”حراس للسلام” وبأن عمل المتظاهرين لن يهددهم بتاتًا. وبهذا يمكن السعيُ للحصول على تفهُّمهم، وحتى على تعاطفهم ربما. تُظهِر خبرةُ الكفاح اللاعنفي ما يلي: ليس عبثًا حضُّ رجال الشرطة على عصيان الأوامر غير الشرعية، أو على الأقل غير القانونية، التي تأمرهم باللجوء إلى العنف ضد المواطنين في أثناء تأديتهم وظيفتهم. ففي الواقع، ليس للمواطنين ولا للشرطة أي سبب وجيه لكي يعدُّوا بعضهم بعضًا أعداء. لكنْ ما من شيء يضمن أن اللجوء إلى طرائق العمل اللاعنفي سينزع فعليًّا فتيل عملية القمع الشُّرَطية. كما تُظهِر الخبرةُ أيضًا أن خيار اللاعنف لا يكفي لتفادي الضربات والدم المسفوك؛ وقد يكون لا مفرَّ للكفاح اللاعنفي أيضًا من أن يحصيَ جرحاه وقتلاه. ولكنْ عندئذٍ يكون من الواضح جليًّا في نظر الرأي العام أن السلطاتِ العامةَ تتحمل كاملَ المسؤولية عن الفوضى والعنف. وعلى المتظاهرين أن يستعدوا لمواجهة مثل هذا الاحتمال، سواء نفسيًّا أو بدنيًّا. لذا ينبغي على المناضلين، إبان جلسات التدريب، أن يتعلموا كيف يتدبرون ضغطَهم النفسي stress-management ويتَّخذون الوضعيات البدنية التي تتيح لهم أفضل مواجهة لشراسة رجال الشرطة دون أن يلوذوا بالفرار. وبهذا تبقى يدُ القانون هي العليا!