معنى الفكر
يقول صاحب لسان العرب: « الفَكْر والفِكْر: إعمال الخاطر في الشيء. » [لسان العرب / باب الراء، فصل الفاء]، ويقول صاحب القاموس المحيط: « الفِكر، بالكسر ويُفْتح: إعمال النظر في الشيء. » [القاموس المحيط / مادة: الفكر]، ونلاحظ مما أشار إليه أهل اللغة أن ضبط التشكيل لحرف الفاء في كلمة (الفكر) يصلح أن يكون إمّا بالفتح أو بالكسر، ولكن الأشهر هو الكسر كما هو معلوم، وهم على كل حال متفقون على معنى الفكر، أمّا معنى الفكر في الاصطلاح العام فهو لا يخرج عن المعنى اللّغوي، ولا أظن أنّه يخرج عن المعنى اللّغوي حتى في الاصطلاحات الخاصّة بمختلف العلوم والفنون.
يمكننا أن نعرف كلمة الفكر أو التفكير بشكل تفصيلي أكثر فنقول أنّها تعني: أن يقوم الإنسان بإعمال عقله بما فيه من قدرات وملكات مع الإستعانة بمعلومات ومعطيات معيّنة متوفّرة لديه؛ ليتوصّل في النّهاية إلى حل مشكلة معيّنة، أو تأسيس نظريّة معينة، أو تحديد وتفسير علاقة معيّنة بين شيئين أو أكثر، أو تصوير الواقع لقضيّة معيّنة، أو إيجاد بدائل لشيء ما، أو محاولةً منه لتطوير وتحسين ذلك الشيء، أو ابتكار شيء جديد.
الفكر هو الوسيلة التي يستخدمها الإنسان في المجالات العلميّة والأدبيّة المختلفة، وعن طريق الفكر يتحقّق الإبداع والتطوّر والتنمية، ولولا الفكر الإنساني وما نتج عنه من الحصيلة المعرفية المتراكمة عبر القرون الطويلة الماضية، لما وصلت البشريّة إلى ما وصلت إليه الآن في زماننا من تقدّم وتطوّر، ففي زماننا قد تنامي الفكر وثارت المعرفة بشكل كبير، وبخاصة المعرفة التكنولوجية، حتى ظهر ما يعرف بـ (اقتصاد المعرفة)، حيث أصبح رأس المال الفكري من العناصر الأساسية في الإنتاج، وأصبح يزاحم عناصر الإنتاج الأخرى الماديّة. ومن هنا جاءت أهميّة المحافظة على حقوق الملكيّة الفكريّة، وحماية أصحابها من السّرقة والتعدي والتطاول، فقد شرعت الكثير من الدّول بتبني العديد من الإجراءات، وقامت بإصدار العديد من القوانين للمحافظة على حقوق الملكية الفكرية، فحفظ هذه الحقوق أمر مهم جدًا؛ لما فيه من تحفيز لأصحاب الفكر والباحثين على التفكير والبحث والدراسة وهم مطمئنون على إنتاجهم الفكري، فلا يخشون من التعدي عليه، فيكونون أكثر إبداعاً.
يجب علينا أن نحدّد الفرق بين المفكر والعالم، فليس بالضّرورة أن يكون العالم مفكراً، أو أن يكون المفكّر عالماً، فقد نجد عالماً لكنّه غير مفكّر، أو نجد مفكراً لكنه ليس عالماً، وقد نجد من يجمع بين الأمرين. فالعالم هو الذي يدرّس الجزئيّات في فرع معيّن من فروع المعرفة، فيُلِمُّ بها ويحفظها حتى يحيط علماً بكل أو أغلب جزئيّات ذلك الفرع من المعرفة، فيصبح عالمًا فيه. ولكن العالم لا يمكنه أن يطور ذلك العلم أو يجدّد فيه من دون التفكير وإعمال العقل عن طريق البحث العلمي المنظم، فإذا وجدنا عالماً في فرع معين من فروع المعرفة ولكنه لا يشتغل في البحث والتطوير في ذلك العلم فهو عالم غير مفكر، أما إذا كان يشتغل بالبحث والتطوير فهو عالم ومفكر وباحث، ولكن قد نجد مفكراً ولكنّه ليس بعالم، فقد يُشْغل الإنسان فكره ويُعْمل عقله بمسائل وقضايا متفرّقة، وقد يعمل عقله بمسألة علميّة ما، ولكن ليس لديه إلمام أو إحاطة بذلك العلم الذي تنتمي إليه تلك المسألة العلميّة، ولكن قد يُقال عن المفكّر أنّه عالم من حيث أنّه عالم فقط في تلك المسألة التي فكر فيها وتوصل من بعد تفكيره إلى المعرفة فيها، ويكون هذا فقط إذا كان ما توصل إليه صحيحًا.
هذا ما تيسّر لنا طرحه في معنى الفكر، وبيان لأهميته، ونسأل الله أن ينفع القراء بما قدمنا، والحمد لله رب العالمين.