مصير والدي الرسول
يعز على المرء مهما كان حال أبواه أن يراها في حال سيئة فمن منا لم يختلف يوما مع أبواه ولو على أمر بسيط في الحياة و لكن تبقى العلاقة المقدّسة بين الأب و ابنه حاضرة في جمع الأحوال و تتجلى بقوة في وقت الكرب و الشدة و الفرح و السعادة فترى الإبن يركض الى أبيه مهرولا إذا أصابه سوء يرمي نفسه في أحضانه يرتشف من حنين أبويه ويجد حين يربتون على رأسه العالم بين يديه في أحلى تجلياته .
إن علاقة الأم و الأب بأبنائهم علاقة أزلية باقية الى قيام الساعة و تختلف هذه العلاقة بين عائلة وأخرى فتراها أحيانا علاقة قوية متينة و تراها أحيانا أخرى علاقة تشوبها الخلافات بين الفينة و الأخرى و لكن و إن كانت كذلك فإنه لايهون على الإبن أن يرى ما يسوء أهله و كذلك العكس فترى الأم تسهر الليالي إذا وجدت ابنها مريضا تتقلَب في فراشها خوفا عليه و لا يهدؤ بالها إلا و قد زال عنه مرضه ، إذا اصابه مكروه رأيتها تدفع عنه الأذى و تتلقى بصدرها الرؤوم الحنون كل شيء يصيبه ، و الابن حين يشب فتى قويا و يبلغ أشده لا يهون عليه أن يرى أبواه يعوزهما شيء فتجده يسعى لخدمتهم ما استطاع و في حياتنا وواقعنا الكثير من قصص البر و الطاعة فترى أحدهم يحمل أمه وهي تؤدي فريضة الحج و آخر يطعم أبوه العاجز بيده وكل ذلك طمعا في نيل رضا الرحمن .
وكذلك كانت علاقة النبي صلى الله عليه و سلم مع أبواه علاقة تقوم على البر و الطاعة و قد ساءه رؤية أبواه يموتان على الشرك و قد أسلمت بدعوته الأمم ، ولكنه عليه السلام أدرك أن القلوب بيد الله و هداية النفوس من شأنه سبحانه فاستأذن ربه سبحانه في أن يستغفر لهم فلم يؤذن له و أستأذن أن يزورهم فؤذن له فذهب الى قبرهم و بكى و أبكى من حوله في مشهد فاض حنينا و حث أصحابه على زيارة القبور فإنها تذكر بالآخرة ، و حين جاءه رجل يسأله عن مصير أبيه و قد أصر على معرفة مصيره قال له إن أباك في النار فرآه رسول الله عليه السلام تولى حزينا فناداه و قال له مسليا لقلبه إن أبي و أبوك في النار ، أي لا تحزن فحالي من حالك وأنا رسول الله ، و إن مصير والدي الرسول صلى الله عليه و سلم لا ينقص من قدره فكل إنسان مسؤول امام الله تعالى قال سبحانه :” لاتزر وازرة وزر أخرى ” ، جعلنا الله جميعا من البارين بأبويهم الطائعين لهم .