مشروع قصة لم أضع لها عنواناً بعد
إنها أنغام موسيقى تخترق أذني دائما أينما جلست وحيدة تعزفها نسمات الهواء بالحان تتدرج على نسيج أضواء الشمس إن شرقت وعلى أنوار القنديل إن غربت فتصنع لي نغمات تسقط القراران هدئت وتعلو الجواب إن ضجت.
الحان تؤنس روحي من فراغ يتوسط الجدران فيكف لها أن تتوحد وهي تغزل خيوط الشمس التي تنتهي بأناملي بعد أن عبرت كل ما لا يدركه بصري فأحيكها ألوانا تبهج سريرتي غطى بياضها قلبي وكحل سوادها عيني صفارها يسر نظري وخضارها يقيم بدني و ورديها يطغى أحلامي.
فان تلاشت انكث غزلي وأوقد قنديلي بجذوة تهيج مصباحه ينير ما حوله يضيء رمشي يصنع خيوطا كالتي رايتها بالنهار يدركها بصري ولكنها تنتهي عند غيري.
الأحلام توأم روحي لم تفارقني ولو للحظة اعبر بها كل ما أريد فلا جدران تحجزني ولا قيود تجذبني ولا أبعاد تحدني. ترسم لي إن حرمت الألوان, تدون لي إن جفت الأحبار ترحل بي بلا جناحان و تكرمني إن شحت الأيام.
قد كانت سراجا أنار لي دربي بظلمة الأفعال والأقوال فحين الأسر بها امتطي صهوتها وأضيع لجامها فأسابق الرياح إن عصفت و أعلو الأمواج إن تكدرت واخطف الشهب إن جرحت في سماء زينت بقلائد أضاءت بنورها أسقفا ترقرق كحلها إن الشمس غربت .
كانت دائما ملجئي و إلهامي لكلمات تصف رغبتي فتبني لي قصائد وأبياتا اصعدها كسلم لا نهاية له يتدرج بي بين المعاني و يراوحني بين الأزمان امكث قليلا علني أجد ما ابحث عنه أو أن أصل إلى ما أتوق له
يأسرني ويذهلني للوهلة فما إن يخف بريقها بعيني أعلو ما يليها برمشي عسى أن أنال التمني إذا خاب مطلبي فلو أن للكلمات أن تنتهي لكنت بخلت بالوصف و أثقلت بالنعت ولكنها امتدت للأفق و أبحرت للأبد و أكنزت جوفي و فؤادي فما كان لي إلا ا ن أسخيت عطائي.
بسطت لنا أخضرها و يابسها وشقت بحارها وأنهارها وعلت جبالها وأشجارها وتعطرت بنسيمها و ورودها و أعقبت ليلها بنهارها و نامت النجوم والأقمار بحضنها وفتحت للشمس أطرافها وقادت الرياح لسقياها وفاقت الأجرام والأكوان بحسنها وسارت بإذن خالقها لتعبر الأزمان والأوقات و تشهد القصص و الروايات فلا نرى إلا واقعا يسحب الذكريات لأحقاب حرمت أن تعود فلا نحس إلا بحاضر مولود من ماضي مفقود ينهيه مستقبل موعود.
حصرت بلحظات و أنا مالكتها كجدران حجرتي وأنا صاحبتها فلا اسمع ولا أرى إلا واقعها و هو ينفذ قراراتها ويسرع فيها دون أن يمهلها فتنهار قواها لضياع أملها وحبس أحلامها و توحد خيارها فتمتثل لعرش سلطانه وتجاريه في حكم بلاطه و تسكن جوارحها غرف قصره.
فتشكو بثها وحزنها لقلبها الذي يدق من اجلها ويخفق لروحها ليعيد فرحتها و ابتهاجها ويشفي عللها وآلامها وينير بصيرتها ويطلق سراح أحلامها فما تلبث حتى تدق الألحان وتخيط الألوان وتمتطي العنان.
في كل ليلة كانت تقيم السدا لتعقد عقدا تلتف على أوتارها و تلتئم حباتها بزخرف أخاذ و نقش خلاب و نحت وضاء. فنسجت فرشا يبسط الأرض إن جفت و يريح الجوارح إن أنهكت و يمتع العين إن رأت وبصرت. سحبت العقد لأوقن كيف صنعت فلقد أذهلني التقاءها وعناقها للوصف و عجبت لمنطقها و سحرها بالقول فكيف للحب أن يدرك دقاتها و هل للعشق أن يتوق نبراتها وعجز الغزل زج خصلاتها.
لقد جمع الخيال كل هذه الأسئلة وردت مفرداته بكل الأجوبة فكان لبنة كل ما صنع.
ابتعد عن الأوهام كي لا يضمر و سكن الأحلام حتى يلهم و رحل إلى الأوطان كي لا يقيدا وعبر الأزمان حتى يخلدا ليحكي و يروي ما غاب عن الطرف و خاب عن الفكر وطال بالأمل.
إن أول عقدة خاطت المشبك ودقت أوتار الشبك تلئلئت كنور الشفق و اختفت كوميض البرق لتولد قصصا بالصبح الفلق
سليت الخيط لأرى بقعة أولى العقد و اكشف سر ما تلي من الوهج نظرت من خرم كفي الوتق فانهمرت سيول الغرق لتشق مدينة الوجد.
مدينة ليست كسائر المدن جزيرة طوقت البحر قبل أن يحتضنها وملكته قبل أن يحكمها وسحبت أنهاره إلى قلبها قبل أن يشقها فسكنت مياهه عروقها لترتخي على لجة فأستوى يابسها و رطبها والتفت شوارعها بين موطأ القدم على الحجر و العوم بالجسد على الماء
تربطها جسور طالت طريقها بخلابة بناءها و وله من يسيرها لتقرب بين مضيقين يابسين يخيل لك من بعيد أنهما التحاما من شدة ضم بعدهما بينهما ينبوع يتبع نظرك وخطاك ويلازمك أين ما ذهبت وكأنه يقودك إلى تطابق كل الاتجاهات فلن تميز من أين بدأت دربك وأين أنهيته , تحدد مكانك بكل مرة فتخدعك نظائره يجذبك تناطح بنياتها ليس لعلوها بل لدنو أسقفها تلونها الشمس بصفرتها و السماء بزرقتها و السحب ببياضها و الشفق بحمرته و القمر و النجوم بلمعان فضيته إلا الليل فلا يطلي سواده
لونها و لا يعم سكونه صوتها فتجد رقص كؤوس المشاكي وهي تكسر ضوءها من خلال زجاجاتها
الشفافة و تسحب الهوا لتهيج شعلاتها و هي تسمع موسيقى الالفابو على آلات عزف تشبه المزمار له كيس من جلد مرقع تنفخه الأفواه لتلين قساواة تجعده ثم يفرغ ما ادخر من الأنفاس لتصعد بثغرات عمود الأنغام فيبعث غناء وطرب الأصوات يذيب الروح ليصهر عاطفتها.
ولدت هذه الموسيقى بقرية من الجزيرة كان يسكنها فبيان آليان لم يتم العشرين ولكنه أتم بهاءه بعام
أربعة عشر بعد سنة الألف التي وثقت مولده كقمر تم بقطر منازله.
أحب جزيرته, سكن بجوف ليلها و دب بكبد نهارها ليعلم كل ما جهله ويكسب كل ما نزع منه ويحفظ كل الأمكنة و نظيراتها من قريته و من قرى مدينته.
كان يصعد كل الجسور و يسمع قصصها والتي حكت عن كل عابريها و ماريها و مشاتها وناقشي حجرها من فوقها و من تحتها.
لكل منهم طريقته وغايته فالعابر يتأملها من بعيد ويخطو بخطى متسارعة للقائها كحبيب طال اشتياقه لا يعلم كيف هي و إلي أين ستأخذه لان الطريق وراءها مجهول , محجوب بممرات صنعتها منازل الأثرياء لا تسع إلا لشخص واحد , يرافقه على طول الممر حائط خلفي لمنزل احد الوجهاء بيمينه ويلامس حائط الجار بالجنب كتف يساره فلا نوافذ و لا واجهات, لا يسمع إلا صوت قدميه و أنفاسه ولا يرى سوا فتحات تقود سيره فلا خيار سوى دخولها لتأخذه لفتحات غيرها أو تنتهي به بساحة إما هادئة
أو صاخبة ما تلبث حتى تلقيه بمضيق آخر ويستمر بلهفة وكأنها سراب يراه ولكنه لا يستطيع أن يمسكه ليشرب ويروي فضوله دون أن تشق نفسه لذلك فلا تعب و لا حزن وإنما سحر يحرك قواه و نشوة تصنع فرحه. يلتقي جسورا أخرى تحمله كما فعلت أولاها يحس وكأنه يرقى السماء حين يصعدها و ينتفض قلبه حين يعلوها وتستقر عينه على منظران بشقيها مختلفان وكأنه ينظر من نافذتان لا يتشابهان وكأنهما من مكانان اثنان و يشتاق لغيرها حين تنحدر لتحط به على أحجار الرصيف ولكنه يلتفت لها
ليعدها بأنه سوف يعود فهو لا يقوى على البعاد و لا يعلم بمنطق الجافي بالفراق.
وأما المار بها فينشغل عنها بمن يرافقه عليها فان حمل هما تهتز لوقع أقدامه ليضرب صداها مياه قناتها فتغرق بثه و شكواه.
و إن حمل عليها سرورا يحفر أثار أقدامه سطح أحجارها ليلهم غيره وفاءه لها فتنتشل مياه نبعها وجده و رضاه
و يسحب الماشي عليها ثقل أقدامه أو يجر لها عربته المثقلة بحاجاته تعود نظره عليها وفقد تمييزه لنتوئها فتطوي له طريقها و تقر له مياهها فلا حاجة له سوى أن يدرك وقته لصيد الرزق ببحر الجزر وبيع الورق بسوق السفن.
يسال فبيان و ماذا عن ناقشي حجرك فهو لم يرى نحتا عليها من فوقها وهل للمار والعابر أن يرسم خلف بناءها من تحتها فتجيبه بقولها أن هؤلاء يقصدونني قصدا لأصقل إلهامهم فان جاءني شاعر أكمل
قصيدته على جدران ضفافي وان كان رساما بدأ رسمه بخط نوافذ إطلالتي وان كان نحاتا حفر أذنا تماثيله على خرير مياهي وان أبحر عاشقان على ضلال أسطحي ضرب الهوا قلبيهما و اعتقل الصدق عقليهما و ضاق الحب بسعة فؤادهما.
كان فبيان ينزل درج الأرصفة الغارقة بمياه قنوات الأرخبيل ليداعب مدها و جزرها بقاربه و الذي ورثه عن أبوه و قد كان السيد آليان نجارا بارعا, ذاع صيته على طول سواحل البحر الادرياتيكي الخاصة بالمدينة, بصنعة هيكلة وبناء قوارب الأرخبيل حيث كانت قواربه لا تهاب البحر و أمواجه ذات قواعد حادة ولكنها صلبة أمام تكدر المياه حين تعصف الرياح تميل لملاينها وتستقر لاستقرارها.
كان يتفنن برسم النقوش الذهبية على جوانبها وعلى جوانب أسطحها التي تحمل عليها مقاعد كالكراسي تنحت بنفس الخشب الذي يصنع به القارب و هو من الجوز الأسود اللامع ليظهر بلونه نقاء الذهب الذي يغطي نصف الجندول ثم يلبسه سجادا احمرا يكسوا ما كشف منه من بلاد فارس والذي كانت سوق المدينة تتزود به من خلال تجارتها بالقوافل البحرية وأسطول سفنها الفاخرة والتي كانت تسمى بالقصور المتحركة من ضخامتها وشدة رونقهاثم يزين ذيل الجندول بمشط مسنن فضي اللون يلمع بعتمة الليل وكأنه منارة وضعت لقائده
كانت كل قوارب الجندول الخاصة بالأثرياء و الوجهاء و النبلاء أو التي كانت تصنع لترسل هاديا للملوك و الأمراء أو تمنح هبة للسلاطين الزائرة للجزيرة لا تصدر إلا عن ورشة والد فبيان والتي كانت تصنع بيده وليس على عينه.
كان آليان يسر بانفراده لصناعته وخاصيته في نقشه فطلب من دوق المدينة أن يسمح له بطبع اسمه على
مشط كل جندول يصنعه.
انه الدوق يا آليان, هل تعلم ذلك.
ما الذي سيفيدك بطلبك هذا
أتريد أن تحطم نجاحك و أن تشمع ورشتك ألا تريد أن تستمر في النجاح الذي انتظرناه طويلا؟
ألا تتذكر كيف قتل أبوك بسبب غيرة من حسدوه لصنعته التي ورثتها عنه؟
قد كان بسبب طموحه الزائد عن الحاجة و طمعه بان يسكن بلاط الدوق و يساوي رأسه برؤوس مقربيه و خاصته وغروا به من كادوا له والى أين انتهى؟ الم يغدروا به الم يترك عائلته للفقر و اليتم.
كفى , كفي عن الأسئلة لقد سئمتها وسئمت كلامك وتكرارك لهما, الم اقل لكي أنني لا أريد أن اسمعها مجددا؟ أم انك تردين أن ارحل لمكان بعيد و أتركك قبل أن أفارقك بالموت.
هل هذا هو خطئي؟ لأنني أخاف عليك وعلى عائلتي من إبهام الغيب والذي اجهل زوابعه وأعاصيره التي تحل كومضة البرق وتأخذ ما تريد بطرفة عين دون أن تمهلنا و دون أن نستطيع إدراكها.
نظر آليان لزوجته الين نظرة اخذ قسط منها الغضب و قبضت السخرية على قسطها الباقي ثم قال أليس من الممكن أن تكونين أنت من اللذين يريدون تثبيطي و يبغضون توفيقي.
أنسيت انك كنت تكرهين عملي و تلوميني على صبري عليه و حبي له ومثابرتي به وكنتي دائما تطلبين تغيري لحرفتي وحرمت ابننا من تعلمها و الحفاظ على ارث أجداده.
كانت الين امرأة هادئة الطبع لا يشتعل فتيلها بسرعة فمرت على كلماته الجارحة كالسكين مرور النسيم حين يهز أجنحة الفراشات ليحملها بين الأزهار دون أن يكسرها. فهي دائما توصل ما يقطعه بأفعاله وأقواله و غروره المبرر و المتوارث فقاطعته قائلة أنت تعلم جيدا لماذا كنت افعل ذلك فلا داعي للجدل عقم من كثرة تعاطيه.
كانت كلماتها هذه دائما ردا على اتهاماته والتي لم يقتنع بها كما هو الحال بكل مرة .
التفتا إلى الباب بعد سماعهما لقرع الطالب لفتحه أسرع آليان لتلبية نداءه فهو على عجلة لمعرفة كل أخبار توابع طلبه للدوق. انه حلمه الذي عجز عنه كل من طلبه حتى أباه وجده اللذان استحقا وسامه إنها لحظة لقاءه وما إن التحم الباب بالحائط حتى صار فبيان بصدر البيت ثم وقف لوهلة و أدار عينه كمن يتملكه الخوف إلى أن نظر إلى ابتسامة أمه لتطمئنه ثم قال ما هذا السكون؟ ما الذي حدث؟
أنت دائما تكثر الأسئلة مثل أمك, لماذا لم تفتح الباب بمفاتيحك ألا تعلم أنني انتظر ضيفا رسولا؟ أجابه بهدوء أمه فلقد منحته كل صفاتها إلا جماله الذي اقتطع من كل فرد من شجرة سلالته ذروة حسنه فاجتمعت محاسنهم بصورة وجهه وبمعالم بدنه فاكتسى جلده ببياض عمه, و امتلاءت وتقوت عضلات جسده بطول جده, وأرخى شعره لكحلة و نعومة رمش أخته, واتسعت عيناه كقلب أمه وغلبت الزرقة بياض مقلته, فكان احورا كعين جدته, وخط حاجبه طول عينه كطول الشاطئ على بحر جزيرته, وانف وشفتان توسط حجمهما توسطها أبعاد وجهه, وصوت رخيم كعذب المياه كحنجرة أباه التي أفاق على نبراتها وهي تكرر توبيخه.
الست تكره الأسئلة و لا تحب من يرد عليها؟
و لأني اكره الأسئلة لا تجبني بسؤال
لقد نسيتها اليوم بغرفتي فلقد طلبتني مريم بموضوع طارئ
إلى متى ستظل دائما تعصي أمري ثم نظر لزوجته وأكمل حواره لابنه لها لا أريد أن أرى هذه الفتاة في بيتي مجددا و الآن سأذهب للورشة ولن أعود إلا بصباح الغد.
مريم فتاة ذكية متهورة شقية لا تخاف المجهول مبهورة بمدينتها لا تتطلع لان تتركها و تبحث عن ما
وراء بحرها رافقت فبيان من أول لقاء لهما حين مرت على احد الجسور التي لقنته معانيها وسحرها فشدها له إحساسه وتعلقه بها. مرحبا ماذا تفعل هنا؟
أتامل الجسر
هل أنت غريب؟
ضحك ضحكة عالية ورد متبسما بعد أن فرغ من الضحك أنا ابن النجار آليان, لكن لما هذا السؤال؟
حقا .قالت ولقد طغت علامات الاستغراب وجهها, حسنا ولما وقوفك هنا تحت الجسر وأنت تشاهده وكأن نظرك يقع عليه لأول مرة.
لن أجيبك لأنك لن تفهمي.
ثم رفع نظره من عليها ووجهه لبناية كانت قابلته بمعمارها الشامخ تساوت أطوال أساسها بقائمها ,كسي هرم سقفها بالطوب الأحمر و توضعت على زواياه الأربعة مدخنات على شكل منارات يندفع منها دخان الأفران والمدافئ كخروج بتلات النوى من قمع أوراق أزهارها, ووضعت شبابيك رخامية بهندسة عربية على طوابقها يتوسط الشباك عمود يرفع أقواسها المتماثلة الأحجام تشذ بعضها عن الشكل الهلالي لمعظمها لتأخذ قالب وردة البنفسج و التي كان يطلق عليها باسم طائر علاء الدين. اقتحم هذا الاسم مدينة الجزر اقتحاما لأنها كانت شديدة الحرص على انتماء و انحدار فئات شعبها لأعراق البادوا.
حيث كان حكامها لا يثقون بغيرها من الأجناس و ذلك لما تحكمه السلطة بالبلاد
والتي تقضي بالسيطرة على الشعب الذي يشترط أن لا يكون هجين الأفكار و الاعتقادات فتتوحد لديه الخيارات و الرغبات و الطموحات و النجاحات ليظل مطيعا خاضعا لبلاط الدوق و الذي كان قائدا لأسطوله الحربي المسيطر و المهيمن على البحر الادرياتكي. ضم الأسطول أكثر من خمسة آلاف سفينة وباخرة مجهزة بكل المعدات البحرية و الحربية تقبع على نقاط من اليم بعناية خبث و دهاء ماركوس دي مورنو.
كان أسطولا عظيما لا يخترق حصنه إلا قوافل التجار البحرية والتي كانت تمر من مضيق خوانا بولو لتعبر مملكة ادرياتيكا فكان أول ميناء ترسى له بعد عناء أشهر طويلة من الإبحار هو ميناء مدينة غريتسيا اليونانية وكان مضيق خوانا من إماراتها, فلا ترسى السفن و القوارب إلا بعلم و أمر حاكمها و الذي كان يفرض على التجار و أصحاب السفن اقتطاع جزء من أموالهم مقابل عبور المضيق و لتحديد إقامة سفنهم على شاطئ اليونان, وقد عرف حاكم غريستيا بعدائه الشديد للمملكة الأرخبيل بسبب رفض
هؤلاء التجار القادمون من كل بلاد العالم التعامل مع أسواق بلدته فقد اشتهرت الجزيرة الادرياتيكية بجودة سلعها و مهارة صانعيها و ذكاء تجارها وسخاء معاملاتها ودقة انتقاءها لما يصدر لأسوقها وبثرائها و ميسرة عملائها وسكانها فلا يقطنها الفقراء إلا قليلا منهم لسد حجات الخدمات.
كانت هذه القوافل تعبر البحر بعد انفصالها عن مرفأ غريستسيا لتصل لشواطئ مدينة الجزر في خمسة أيام وكانت تلقي حبالها على مرسى مورتو الذي يقرب سوق المدينة اقتطاع جسر واحد لإغراء كل من يبيع وكل من يشري, وكانت القوافل العربية أهم عملائها ولكنهم كانوا الأكثر جدلا بأمور الجزية وغلائها فكانت هي أول خلافاتهم قبل نزول مراكبهم.
دخل المندوب المكلف بمعاملات الجزية إلى حجرة الوزير ماركوس و قبل أن يبادره المندوب بالكلام رد مقاطعا تحيته, ما هي حجة الأعراب هذه المرة؟
يجب أن يعلموا أننا لن نتفاوض معهم بهذا الشأن مجددا وان لوائحنا لن تتغير وهي سارية على الكل.
هذا هو سوقنا وهذه هي معاملاتنا. الم تخبرهم بذلك؟
بلى يا سيدي الكونت.
إذن لما وقوفك أمامي الآن وفي هذه الساعة؟
إنهم يرفضون الدفع و يريدون مقابلة رفعة الدوق المعظم لمناقشة الأمر.
هجم الغضب على وجه الوزير ولكن سرعان ما رسم ابتسامة لتنعش سيطرته على لسانه فقد كان من اللذين لا يسبق القول عندهم أفعالهم و هو ما كان يميز حنكته و حكمته.
أجاب بصوت مضطرب
انصرف الآن واخبرهم أنني سأعد لهم مقاعد بغرفة مجلسي ظهرا لنرى و نسمع ماذا يريدون
لم يكن ماركوس يحبذ هذا التوقيت للبدء المشاكل مع عرب الأندلس و الشام لأن ما يشغل فكره و منذ فترة هو التصدي لحاكم غريتسيا ونيته بدق حربا تكون بدايتها معركة سد مضيق خوانا بولو لسيطرة على تجارة وإيرادات المدينة ثم السيطرة عليها كليا لتكسب اليونان إمارة من أجمل وأثرى
و أعظم الأقطار على وجه الأرض انه الرسم لشبك يوقع الأسد بالأسر. انه صيد يملكه الدنيا بما فيها فان امتلك زئير الأسد أرهب به الأصوات كلها و قاد صداها لما يهوى.