محمد عطا والمهمة الجديدة
أظن أنه قرار موفّق ذلك الذي نصب الفريق أول محمد عطا المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات سفيراً للسودان في الولايات المتحدة الأمريكية، فهو من أكثر الناس علماً وإحاطة بأوراق الضغط التي يملكها السودان في التعامل مع أمريكا.
أفتأ أردد مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر للرئيس المصري الأسبق أنور السادات: (أمريكا لا تدفع ثمن ما يهدى إليها).. نعم هي خصلة وطبع أمريكي أصيل، بل هو طبع لكل القوى الكبرى التي منحت نفسها حق السيادة على العالم من خلال مجلس (الظلم) الدولي، ومن خلال فرض وصايتها وثقافتها ونمط حياتها على العالم أجمع رغم الشعارات البراقة والكذابة حول احترام التعددية الثقافية.. ألم تتبنَّ هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها نمط الحياة الغربية وسعت إلى فرضه على العالم بما في ذلك المثلية الجنسية وسيداو وغير ذلك من الاتفاقيات التافهة والشريرة التي أذعنت لها معظم دول العالم؟!
أرجع لأقول إن عطا علم من خلال تجربته الثرة في موقعه السابق المطلوبات الأمريكية التي تحاول فرضها علينا حتى ترفع عنا الإصر والأغلال التي كبّلتنا بها على مد ى العشرين عاماً الماضية كما يعلم (كروت) الضغط التي يُمكن أن نستخدمها في مواجهتها بعد أن مزّقنا قبل الانفصال كل أوراقنا التي كان من الممكن أن تأتي بأمريكا صاغرة لكي ترفع عنا عقوباتها الجائرة.
صحيح أنها الآن تندب حظها وتعض أصابع الندم على دعمها لانفصال الجنوب الذي ما كانت تعلم – جراء غفلتها وجهلها – أنه سيكون وبالاً على تلك الدولة الجديدة وعلى شعبها المغلوب على أمره لكنها كانت، خلال أيام التفاوض الذي أفضى إلى اتفاقية نيفاشا، ومن ثم الانفصال، كانت تدفع بكل قوتها من أجل تحقيق فصل جنوب السودان عن شماله، وكانت جاهزة للاستجابة لكل مطلوبات السودان بما في ذلك رفع العقوبات وإخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في مقابل موافقة السودان واعترافه بالدولة الجديدة في جنوبه، لكننا كُنا مجرد دراويش لا نحسن التفاوض فوقّعنا على كل شيء بالمجان!
مضينا أكثر من ذلك فسحبنا الجيش السوداني إلى الشمال قبل أن ينسحب جيش الحركة الشعبية الذي بقي (شوكة حوت) حتى اليوم في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وكان بمقدورنا كذلك ألا نوقع اعترافاً بالانفصال حتى لو كان يصب في مصلحتنا، قبل ترسيم الحدود ولكننا (دقسنا) ولم نفعل ذلك مما جعلنا نعاني حتى اليوم.
ما ذكرت هذه النماذج من (الدروشة) إلا لتذكير الأخ محمد عطا بما ينبغي أن يستصحبه وهو يتعامل مع أمريكا خاصة وقد تولَّى أمرها رجل بلا أخلاق (ترمب) فوق أنه يضمر شراً وبيلاً للإسلام والمسلمين في شتى أنحاء العالم، بل إنه يعمل على تمكين العدو الصهيوني بأدوار قذرة مما عجز عنه كل سابقيه وهل أدل على ذلك من اعترافه بالقدس عاصمة لأصهاره الصهاينة؟!
معلوم الدور المحوري للكونجرس الأمريكي الذي يمتلئ بأعداء السودان من المحافظين الجدد New conservitives وغيرهم ومن المُعادين للسودان والواقعين تحت تأثير بعض المنظمات السودانية والأمريكية مثل منظمة كفاية التي يقودها جون برندر قاست، ويتولى بعض اليساريين السودانيين مناصب مهمة في هيكلها التنظيمي، ومنهم منسقها العام عمر قمر الدين الذي يعمل بجِدٍّ لاستدامة العقوبات الأمريكية ومعه بالطبع الشيوعيان سليمان بلدو وعشاري أحمد محمود اللذان ألَّفا منذ عشرات السنين كتاب (الرق في السودان) ليدشنا به حملة العداء للسودان.
كذلك فإن هناك مجموعة (البلاك كوكس) التي تضم رجال الكونجرس السود الذين كسبتهم بعض المنظمات السودانية المعادية للسودان وما كان ينبغي أن يحدُث لولا تقصير الدبلوماسية السودانية.
كذلك هناك منظمات سودانية خطيرة مثل انقذوا دارفور Save Darfurوالتي لعبت أدواراً قذرة في أمريكا وفي عدد من دول العالم الغربي وغيره لتشويه صورة السودان.
لا أحتاج إلى تذكير الفريق عطا بالكروت المؤثرة المتاحة للسودان سواء دوره كوسيط في حل مشكلة الحرب في دولة جنوب السودان والتي لا تجاريه فيها أي دولة أخرى، وكذلك دوره في مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر وكمقر لأجهزة الأمن في منطقة القرن الأفريقي والدور المُرتجى له في التعامل مع (الأفريكوم)، وكذلك موقعه الجغرافي الفريد بين شرق أفريقيا وغربها في منطقة ملتهبة وتعج بالصراعات.
كل ذلك وغيره يحتاج إلى عناية الفريق أول عطا الذي أنصحه بأن يهتم بإقامة تنظيمات سودانية من السودانيين المقيمين في أمريكا لمؤازرة السودان ولمواجهة المنظمات اليسارية والدارفورية المعادية.
أسأل الله للرجل التوفيق في مُهمّته الكبيرة والتي نرجو أن تُسهم في تطبيع العلاقة مع الشيطان الأكبر وفي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.