لماذا سمي الفرزدق بهذا الإسم
بدأ العصر الأمويّ عندما بداية تولي معاوية – رضي الله عنه – للخلافة، وذلك في العام الواحد والأربعين للهجرة. وقد تميّزت الحياة السياسية بهذا العصر بتشكل الكثير من الأحزاب ووجود إنقسامات بين الشعب كلّه، وهذا شجّع كثيراً وكان عاملاً أساسياً في إنشاء الشعر السياسيّ.
الشعر السياسيّ العربي كان له عدّة أنواع وأشكال، ومن أهم أشكاله “شعر النقائض”، وشعر النقائض هو شعر هجائيّ، يتنافس فيه الشعراء في الفخر بأنفسهم وأحزابهم وهجاء غيرهم من الأحزاب على شكل شعر ذي وزن وقافية، ويرد عليه الشاعر الآخر بقصيدة على نفس الوزن والشعر، ومن أشهر شعراء النقائض في العصر الأموي: الأخطل، وجرير، والفرزدق. وفي مقالنا هذا سنتعرف أكثر على الشاعر الفرزدق، وعلى سبب تسميته بهذا الإسم، وما هي أهم قصائده وخصائص شعره الفنية.
الفرزدق:
الفرزدق هو شاعر أمويّ معروف، اسمه الكامل همام بن غالب بن صعصعة الدارميّ التميميّ، ويكنّى بأبي فراس. ولد الفرزدق في العام الثامن والثلاثين للهجرة وما يوافق العام 658 ميلادي في البصرة، وقد توفي في العام العاشر بعد المئة للهجرة في البصرة أيضاً، وقد عاش غنياً ونبيلاً بين أفراد قومه وسادته، وسميّ الفرزدق بهذا اللقب وعرف به وذلك لضخامة وجهه وشدّة تجهمه، ومعنى الفرزدق الرغيف.
وقد اشتهر الفرزدق بشعره في المدح، والفخر، والهجاء. وقد كان هو وجرير أصدقاء إلا عندما يقولون الشعر فيهجوان بعضهما هجاء شديداً. فقد عرف الفرزدق بمدحه للخلفاء الأمويين، أمّا موضوع الهجاء والفخر فنجده واضحاً في شعر النقائض الذي اشتهر به مع جرير والأخطل. ويقول بعض الباحثين “لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربيّة”، وذلك لقدرته وخبرته الكبيرة في إحياء الكثير من مصطلحات اللغة العربية وكلماتها الصعبة التي اندثرت.
يعتبر الفرزدق مع الشاعر جرير والأخطل شعراء النقائض الأهم في الأدب العربيّ، حيث أنّ شعر النقائض كان موجوداً في الأدب الجاهليّ، لكنه قلّ في شعر الأدب الإسلامي في مرحلة – صدر الإسلام -، وسرعان ما عاد بقوّة في العصر الأمويّ. وقد كان السبب في ذلك أنّه في عهد الأمويين كان الفخر والهجاء بين هؤلاء الشعراء من أهم وسائل الدفاع عن النفس، وقد لعبت عوامل إحتماعيّة وسياسيّة وشخصيّة في تأجيج قوّة هذا النوع من الشعر.
يقول الفرزدق في نفسه:
إذا مت فابكيني بما أنا أهـله***فكـل جمـيل قلـته فيّ يصدق
وكم قائل مات الفرزدق والندى***وقائلة مات الندى والفـرزدق
أمّا شعره في الهجاء، فقد كان الشاعر بداية يبدأ قصائده بالفخر بنفسه ومدحها، ويهجو خصمه ويقلل من قيمته وقيمة أهله وقومه. وقد كان هجاؤه قبيحاً وشديداً، يقول في هجار جرير:
إذا أنت يا ابن الكلب ألقتك نهشل***ولم تك في حلف فما أنت صانع
كما يقول في هجاء الأخطل والذي كان نصرانيّاً:
قبّحَ الإله مِن الصليبُ إلـههُ***واللابسين برانس الرهبانِ
و التابعين جريساً و بُنيـه***والتاركين مساجـد الرحمن
تغشى ملائـكةُ الإله قبورنا***و التغلبيُّ جنازة الشيطان
يعطى كتاب حسابِه بشماله***و كتابنا بأكــفنا الأيمـــان
أمّا في فخره وإعتداده بنفسه، فيقول الشاعر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا***بيتًا دعائمه أعز وأطول
أحلامنا تزن الجبال رزانـة***وتخالنا جنًا إذا ما نجهـل
وقد كان الشاعر الفرزدق الشاعر الأمويّ الأبرع في موضوع الوصف، فكان كان خياله واسعاً، وكذلك كان سريع البديهة ودقيق الملاحظة، كما أنّه في كثير من شعره يعتمد على وصف الأشياء الماديّة والحسيّة في الدرجة الأولى أكثر من المعنويّة، وقد برع في هذا الموضوع دوناً عن غيره.
يقول في وصف الذئب:
فلما دنا قلت أدن دونك إنّني *** وإيّاك في زادي لمشتركان