كون نفسك !
كم هي عجيبة؟ كم هي محيرة؟ كم هي خطيرة؟ تلك النفس البشرية ؛ لما لها من تأثير على حياة الإنسان و مصيره في حياته وآخرته ، فقد اتفق العلماء على أن النفس حاجز بين القلب و بين الوصول إلى الرب، و لا يمكن أن تصل إلى مرضاة الله إلا بعد تهذيبها … كم هي خطيرة تلك النفس لأن نتيجة صلاحها أو فسادها لا يؤثر فقط على حياة الإنسان و مصيره، بل يؤثر على المجتمع عامة.
فالحاجة إلى بناء النفس أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب وذلك لأن النفس بطبيعتها تميل إلى الشهوات والكسل عن أداء الطاعات، لكن علينا أن نعلم أنه في قمع رغبتها عزها و تمكينها مما تشتهى هوانها ، والعيش عيشان ذا صفو و ذا كدر … فلا تيأس على ما فات و لا تفرح بما هو آت و لا تقلق من الدنيا تجدك راضي النفس، مطمئن الفؤاد.
إن بناء وإصلاح النفس هو مصدر أساسي للتفوق والنجاح، و من المهم أن نعطي هذا المصدر الاهتمام البالغ، سواء كان ذلك في تربية النفس، أو تربية الغير، وتربيتها التربية المثالية التي يريدها الله عز وجل منا ، و لو تأملت في سير الناجحين في الحياة لرأيت أن النجاح في حياتهم كان بمقدار ما كانوا يرسمون لحياتهم من أهداف… فالنفس كالطفل إذا تعودت على شيء لزمته.
أما مفترق الطريق بين الجادين و الهازلين في الحياة، أن الهدف عند أهل الجد بمجرد أن يتحدد يتبعه التفكير والإعداد لكيفية تحقيقه، أما أهل التسويف فما أكثر الأهداف الخيالية التي لا يخطون خطوة واحدة في سبيل تحقيقها.
و النفس قابلة للتغيير، والتغيير له شروط منها:
* النية والعزم.
* معرفة عيوب النفس.
* الاستعانة بالله.
* تعامل مع نفسك بالرفق و المداراة و لا تحملها أكثر من طاقاتها.
* الثبات و المداومة على العبادات و ذكر الله.
و يحتاج تهذيب النفس وتصفيتها من الشوائب وتزينها بمكارم الأخلاق ومحاسن الطباع المرور بمرحلتين: المرحلة الأولى هي التخلي التي يترك فيها الإنسان ما علق فيه من خبائث الطباع ورذائل الأخلاق، والمرحلة الثانية مرحلة التحلي و هي عملية إعادة بناء النفس وتطبيعها بالطباع الفاضلة وتزيينها بمكارم الأخلاق.
مفاتيح بناء النفس:
1. التقرب إلى الله و المداومة على العمل الصالح: التقرب إلى الله بما يحب من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة، فكلما زاد حبك لله فإنك تُزيد من ذكره و التقرب إليه، أما المداومة على العمل الصالح فهي تثبت النفس و تساعدها على مواجهة أعباء الحياة و تصرف عنها مكايد الشيطان.
2. تدبر كتاب الله: تدبر كتاب الله و الإقبال عليه من تفسير و علم و عمل له أثره العظيم في إصلاح النفوس وتزكيتها.
3. طلب العلم: طلب العلم هو النشاط الذي يقوم به المتعلم مدفوعاً برغبته الذاتية بهدف تنمية استعداداته وإمكاناته وقدراته مستجيباً لميوله واهتماماته بما يحقق تنمية شخصيته وتكاملها ، والتفاعل الناجح مع مجتمعه عن طريق الاعتماد على نفسه والثقة بقدراته في عملية التعليم والتعلم.
4. مجالسة الصحبة الصالحة: فهم زينة الرخاء وعدة البلاء، يذكرونك إن نسيت و يرشدونك إن جهلت، يأخذون بيدك إن ضعفت و يدعون الله من أجلك … والحوار معهم له أهمية في بناء النفس والعقل.
5.محاسبة النفس: فلا أحد يشك إنا إلى لله راجعون ، محاسبون على الصغير والكبير، ومادمنا نعلم ذلك فمن العقل أن نحاسب أنفسنا وننمى فيها الشعور بالمسئولية ووزن الأعمال والتصرفات بميزان دقيق.
و أخيرا كن جاداً و قوِّم نفسك، و تأمل مستقبلك، و خطط لنفسك، و ابدأ العمل متوكلا على الله.