قصه ابراهيم عليه السلام
منذ أن كان الخلق والإبتداء ، وإلى أن يرث الله الأرض و السماء ، إصطفى آدم وذريّته من دون خلقه و حباهم بزينة العقل، ليقدّسوه ويعبدوه وحده لا شريك له، وكان ما كان من نزول آدم من جنة الله إلى الأرض ، وكان ما كان من عصيان ذريته فحادوا بذلك عن سبيل الرشاد، و جاءت رسالة السماء لتعيدهم فيسيروا على جادة الصواب و هذه كانت سنة الله في خلقه وحكمته في أن يرسل للناس رسلاً ليعلموهم و يذكروهم بيوم الوعيد و الحساب.قال تعالى :(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الجمعة 2 ).
و من الرسل فضل الله بعضهم على بعض فمنهم من كلمه الله ومنهم من رفعه ومنهم من أولي العزم ابتلاه فأحبه و قربه إليه فكان خليلاً له، وذاك هو نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.
هو إبراهيم ابن “تارخ ” يعود نسبه إلى سام بن نوح عليه السلام، وكان من ذكر القرآن في خبر أبيه فقال عز وجل :(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الأنعام 74) ، وإنما المقصود هنا عمه لأن إبراهيم عليه السلام عاش صغره يتيما فرعاه عمه وتولى تربيته.
نشأ نبي الله إبراهيم في العراق القديم على الأرجح في عهد الحكم البابلي، و شاع في تلك البلد والحقبة عبادة الصنم والنجوم والكواكب و تعدى بهم الضلال لعبادة بعضهم بعضاَ فعبدوا ملوكهم وأسيادهم، وعرف عن سيدنا إبراهيم منذ صغره الشجاعة في الحق قولاً وعملاً، وبذلك تصدّى لقومه ليوقظهم من ضلالهم ويهديهم سواء السبيل، لكنها طبية الكافر الجاحد فرأينا بعد ذلك كيف كاد له قومه يريدون إحراقه فنجاه الله من نار غلهم فكانت عليه برداَ وسلاماً ، لتتجلى حقيقة وجود الله وقوته أمام أعين الكفرة، فتنطلق ألسنتهم و يقولوها مرغمين: ألا نعم الرب ربك يا إبراهيم .
َبعد هذا الموقف العظيم والتأييد الرباني ترك إبراهيم أرض العراق متوجها إلى فلسطين وأقام هناك قرب قرية”أربع” والتي أصبحت في ما بعد ذلك “حبرون” وهي مدينة “الخليل” الآن، وكان متزوجاً بسارة والتي لم تنجب له بعد ومع ذهابه إلى مصر تزوج بهاجر لتعطيه الولد وتقوم على رعاية سيدتها، فأنجبت له الأخيرة إسماعيل عليه السلام و ليأتي أمر الله ومعجزته و تلد له سارة إسحاق بعد ذلك وهي امرأة عجوز وبعلها شيخ هرم.
كان إختبار الله لإبراهيم عظيماً فمن كربه و تعبه في دعوة قومه إلى الله، جاء أمر الله له في رؤيا (ورؤيا الأنبياء حق) بأن يذبح البنه إسماعيل و حينما ضرب الأب وابنه أروع مثال في الانصياع لأمر الله و طاعته فدى الله إسماعيل بذبح عظيم وأضحت عيداً للمسلمين بفداء إسماعيل وخلاص أبي الأنبياء إبراهيم عليهما السلام.
وبإقتراب المنية يأمر الله نبيه إبراهيم أن يسكن هاجر وابنها إسماعيل أرضاً قاحلة و وادياً غير ذي زرع، ليكون بعد ذلك بيت الله المحرم فيبنياه ويكون قبلة للناس يأتونه من كل فجّ عميق ليؤدوا شعائر الحج لله ويطيعوه على النهج السوي الصحيح.
و يتوفى الله خليله ولطالما طال انتظار اللقاء ويظل عهد الأنبياء الأوفياء بأن تظلّ الرسالة في قلوبهم ليهتدي الناس بنور الله.