فلسطين, رمز العزة والصمود والكرامة والحرية
اسكن اللغة فأنفق منها وأنا خائفة أن تنتهي وتنتحر عندما ألفظ مفرداتها، وبذلك اظل اسجنها مقرة ان تقييدي لحريتها، هو حفاظ على اللب.. وأعرف أني لست شيئا يذكر، ولكني استمر بما يناهز ضعفي….
خرجت من قاعة المكتبة بعد منتصف الليل، واتخذت طريقي إلى الغرفة، كنت أحدث نفسي أن الجو روعة، لأني أحب ليالي الصيف، السكون الشديد يخيم على كل الرسوم والعمران، وحتى الخلائق، لا أكاد أرى أحدا يتحرك بعصبية، الكل يتهادى إما لحبه لهذه السكينة، وإما لدمه الحار جدا كالجو، يجعله ثملا يهجر الحركة السريعة…
صورة تجسد الصراع الفلسطيني
رمز العزة والصمود فلسطين
نظرت الى النجوم، فتناهى الى مسمعي صوت آهات بطون جائعة، تصيح من الألم بشدة، لكن الحاجة الى الكرامة الحرة، كانت تصدها وتلح عليها بأن تصبر وتصمد أكثر، رجال أشداء أبوا إلا أن يكونوا حجر عثرة أمام أي مغتصب سارق، فأما السارق فيسرق متاعا، وأما هذا الصهيوني المحتل، فيسرق الأرض الطاهرة، أثمن حلية في تاج العرب العذارى :فلسطين السليبة.
أحسست النجوم تكاثفت لتوصل إلي ذاك الأنين، الذي فاض بقلبي حتى أحسست أني الوحيدة التي تحيى وسط هذا الزخم من التماثيل في محيطي، تطلعت كأني أريد الصعود ، لا سلم ولا مصعد …
ولو تعلمت الطيران فلن أصل، ولو حفرت الأرض ببحر عبراتي، ولو سقطت مآقي فلن أجدك، لهذا أخترع اللقاء في خيالي، فيئن قلبي إلى أن تجف دموعه، ويتسارع نبضه إلى أن يسمع جديدا مفرحا.
استمر أنينه يحلف لي أنه موجوع، لا يستطيع الإستمتاع بهدوء الجو ولا ثمالة الورود، لا يقدر مهما حاول أن يحيى على أنقاض أجزاء أخرى، تربطها به صلة الدين والعروبة، ترى ماذا يدور في أذهان المترزحين تحت صنوف العذاب سنين طويلة؟؟؟ ماذا يدور في أمعاء الصبية الصغار، غير قليل من صبيب الروح، لا يفصله عن الردى سوى قدرة القادر الناظر بعينه الجليلة..؟؟؟
الهدوء الناطق في خلايا الليل ، فجر في وجداني أكثر من مجرد أشجان حزينة، فكان صمتي خير وسيلة أتأمل بها نجوم السماء الحزينة، مشاركة إياي وجعها في ليلة ظلماء .
حبيبتي لن ترض الذل ما بقيت حية…لم ولن يرهبها سلاح او صوت مدفع … ولو في السجون لا لغير الله ستركع … وبقدرته وقضائه عاشت أو لقيت حتفها لكن ليس في يد غير الله المصرع … ضاقت الزنازن بها .. او تآكل الجوع بطون أطفالها…الخلود يبقى لمن لا ينحني ويزجع…من زمان تناهت اصواتكم إلى كل مسمع ..وفضل أشكال الرجال التخلي… والنصر آت غير متسرع … على هامات أبطالها يغلي …وهاهم العرب في كل مجمع…..يثورون على حكام التسلي…وتظل فلسطين.. رغم الجبروت طاغية، لا تتهيب اقتحام مجهول … لا تساوم لتنزع …ولا تصدها ضآلة حجمها عن التسلل خفية إلى عرين… ولا يلهيها ثقل الأيام بخطط الإستراتجيين المتهالكين على ضروب الزينة، والبريستيج السمين …حواراتهم الخرساء الغوغاء، صدعت في العرب بين مخلوعين ومنشقين .. وعدوان مؤجل إلى حين… إصلاح أعطاب ميزان الحرارات وعدادات السرعة… فتح سري لمحميات عربية أمام قناصين غربيين .. ولكن تظل فلسطين…
الموت كرامة والجوع سقي لنصر الرجال… الحرية للحر ولو بحجارة أو نعال، ستستمر الضربات، ولعبة الموت، ومسرح الجرائم، بين هذا الارهابي وذاك المقاتل …ولو بوقف القوت وشق الانفس سنحاول، وأد نبضات من في أرضنا يقاول … والله معنا خير نصير ” إن الله يمهل ولا يهمل”… كل متطاول..
العرب وأنا منهم طبعا، رغم التحنيط وعمليات الإنعاش التي نخضع لها، لانزال لم نرق إلى القضية الكبرى التي تضمن الشهادة الحقيقية في الجهاد الفعلي ضد اليهود، لسنا سوى منفييين على جزر غربية نمارس الطقوس التي علمونا أن نمشي على دربها، لكي لا نخالف تعاليم الماسونية، نحاول التحضر والتعلم والتبختر على انقاض عروبتنا، والقضية الكبرى جريحة تحتضر، لغة الأحلام أمست تسيطر علي حياتنا، لغة الآهات السخيفة التي أصبحت تنتشر في كل مكان وتصيبني بالغثيان، وتنخر جسد كل عربي، لسنا إلا متفرجين نصفق للمشاهد الدامية أحيانا، ونمل أحيانا أخرى، لكن مايثيرنا أكثر هو المضحك من الأمور، لذلك بات التردد على سينما الفكاهة أكثر ربحا في مبيعات التذاكر، حتى إذا اسودت الكوميديا، غادرنا بحجة المساس بالمقدسات، باتت هذه الكلمة أكثر قداسة من المقدسات الحقيقية في واقع الأمر، والمواقع بما فيها مخدر الفيسبوك ، تكتب وابلا من المقالات السخيفة التي تطغي عليها الذاتية والمثالية الساذجة، وكأنها قصائد شعر منثورة تخلو من كل جمال شعري، لا علاقة لأي شيء من هذا بالتضامن ولا النصرة، مهما كانت النيات صافية، مهما بررنا ذلك بالبعد، وقلة الحيلة، أبقى متهمة كما يتهم العرب جميعا، لكننا ندعوا الله بقلوب واجفة متذرعة.
واقعنا تعرى، فاتضح أنه لا يعرف من القرآن إلا رسمه، ولا من الدين إلا اسمه، ونظام فوق الجميع لا يقيم من الدين إلا ما أشرب من هواه، يحارب الفساد، وهو عين الفساد، الربا في كل مكان والغش والخداع يملآن الأركان! ومشايخ عفا الله عنهم، لو أنهم صانوا العلم لصانهم، غير أنهم لكل نظام متقعر مرقعين, وعن كل حاكم متجبر منافحين، لا يقيمون كبير وزن لأطهر بؤرة .. فلسطين..
يكثر الرصاص مقابل الحجارة، في أيدي فتية صغار ومعتقلين، في سجون وأبطال دخلوا التاريخ بصمودهم، وشهداء أبوا إلا أن يقدموا أرواحهم على طبق من ذهب، وفي مكان غير بعيد من تلك الناحية المقدسة، تكثر المفاوضات والرهط وترتفع نسبة المتكلمين، وتقل نسبة العاملين، فيضعف التركيز على العمل، ويمر بنا الزمن في مزبلة التاريخ دون مبالاة، لأن الزمن لن يتوقف قطعا حتي ننتهي نحن من النقاش، وفلسطين في جميع الحالات صامدة تتوجع بصبر، وتربت على قدسها الثائر مرددة إن الله مع الصابرين…
العرب يغردون خارج السرب، والحلقة الكبرى ليست ببعيدة ، لؤلؤة مصونة نقية أصيلة، وماأكثر اللؤلؤ المقلد، وليس بيده جمرات كالتي تقبضينها ملتهبة صابرة محتسبة…
خيالي ياحبيبتي ضارب بالمعجزات يثنيه واقعي عن أحلامه كالتي يدونها بأقلامي، لكن تظل صورة التكتل العربي الشامل ماضيا نحو تحرير فلسطين في ذهني، الصورة الوحيدة البعيدة عن الحقيقة والأمنية الكبرى لكل عربي مسلم يبغي تحقيق الحلم، ذاك المشرق المورق،الذي يشيد مجده كل مرة أبطال المعارك الطاحنة بين اليهود والعرب المسلمين، بنو بسواعدهم صرح تلك البطولات، فطار بفضلهم ذكرنا في الآفاق، ذكر ملؤه الرفعة والإباء والشموخ. هذا هو الخيال، وذاك هو الواقع، فشتان بين هذا وذاك، أنين قلبي يتواصل، ولست بشيء يذكر إزاء الحالتين معا.
فهل من عودة صادقة إلي معين ديننا الحنيف؟؟ عودة تنفض عنا غبار واقعنا المر المؤلم, وترتقي بنا إلى حيث ينبغي أن نكون,,,!!! هناك فوق هام الزمان.
وصلت لغرفتي أخيرا، لا شيء من هذا الحلم تظهر معالمه الآن ، لا قبرة شتائية أمامي ولا عروسة بحر، ولا طفولة بشفافية ملاك، الكل اعتراه التغيير، حتى أنا لا شيء، أفكر وأنبهر بمحيطي، وتضيق عن احتوائي عباراتي…
قلبي يئن ويؤنبني … قد أغرق. فالغرق ايحاء طوفاني … وأحترق فالحرق طقس روماني… لكني لست شيئا… وقلبي يئن… دمي منه الوحدة ومنه وفيه الاختلاف، قلبي فيه اشعاعات متشابهة وفيه اختلافات، لكن الاثنين لا يتوقفان إلا لتحية رمز العزة والصمود والكرامة والحرية: فلسطين الأبية .
فليسطين … في قلبي أنين.. احبك …جرحي ونزيفي.. أنقى بلاد العالمين…