فضائل سورة يس
سورة يس
هي السّورة السّادسة والثّلاثون في ترتيب سور المصحف الشّريف، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية، تتميّز بفواصلها قصيرة فتترك وقعاً قويّاً في النّفوس، موضوعاتها الرئيسية هي، كما السُّوَر المكّية، تتحدّث عن توحيد الألوهية والرّبوبية وبيان عاقبة المُكذّبين بهما، والقضيّة التي تُشدّد وتركّز عليها السّورة هي قضيّة البعث والنّشور.
أحاديث سورة يس ورأي العلماء
وردت أحاديث عديدة في فضائل هذه السّورة لكنّ أكثرها مكذوبة موضوعة وبعضها ضعيف ضعفاً يسيراً، ولا يوجد حديث صحيح مخصوص في فضل سورة (يس). ومّما يرويه النّاس حديث (يس لما قُرئت له)، والذي يعني أن قراءة سورة (يس) تُسهّل قضاء الحوائج والأمور التي ينويها القارئ بقراءته. والواجب التّنبيه على بطلان نسبة هذه الأحاديث إلى السّنة النّبوية أو إلى أهل العلم من الصّحابة والتّابعين والأئمّة، فلم يأت عن أحد منهم مثل هذا التقرير. (1)
يقول الإمام ابن كثير نقلاً عن بعض أهل العلم : ” أنَّ مِن خصائص هذه السّورة أنها لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى “. فهو اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين، ومثل هذا الاجتهاد لا يجوز نسبته إلى الله تعالى ورسوله، إنما ينسب مثل هذا إلى قائله ؛ بحيث يكون صوابه له وخطؤه عليه، ولا يجوز أن يُنسب إلى كتاب الله تعالى أو سنّة رسوله دام لم يتمّ التّيقن من صحّته. (2) قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) سورة الأعراف، 33.
وروى أحمد عن صَفْوَان قال : (حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ : هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس ؟ قَالَ : فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ : فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ : إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ : وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ) أحمد، 4/105 ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين). (3)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الدّاعين الأدعية المحرمة أنّ الرّجل منهم قد يكون مضطراً اضطراراً لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستُجِيب له لصدق توجّهه إلى الله، وإن كان تحري الدّعاء عند الوثن شركاً، ولو استُجِيب له على يد المتوسّل به، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي في النار إذا لم يعف الله عنه…) ثمّ يقول : (ومن هنا يغلط كثير من الناس؛ فإنّهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصّالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدّعاء، فيجعلون ذلك دليلاً على استحسان تلك العبادة والدّعاء، ويجعلون ذلك العمل سُنّة كأنّه قد فعله نبيّ، وهذا غلط لما ذكرناه خصوصا إذا كان ذلك العمل إنّما كان أثره بصدقٍ قام بقلب فاعله حين الفعل، ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقاً، فيُضَرّون به لأنّه ليس العمل مشروعاً فيكونَ لهم ثواب المُتَّبِعين، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل الذي لعلّه بصدق الطّلب وصحّة القصد يكفر عن الفاعل) (4)
أحاديث موضوعة في سورة يس
هذه الأحاديث الموضوعة والضّعيفة تُدرج للمعرفة والتّجنب، وليس للاستدلال بها: (5)
- (إنّ لكلّ شيء قلباً، وقلب القرآن (يس)، من قرأها فكأنّما قرأ القرآن عشر مرّات).
- (من قرأ سورة (يس) في ليلة أصبح مغفورا له).
- (من داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات، مات شهيدا).
- (من دخل المقابر فقرأ سورة (يس)، خفّف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات).
- (من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه، فاقرؤوها عند موتاكم).
- (من قرأ يس في صدر النهار قضيت حوائجة).
- (اقرؤوا يس على موتاكم ). (*)
سؤال وجواب حول سورة يس
السّؤال الأول
- هل تجوز القراءة على الميت في المسجد أو عند القبر أو في بيته، وعمل الطّعام بعد ثلاثة أيام أو بعد الختمة؟
والجواب: القراءة على الميت سواء كان في المسجد أو عند القبر أو في البيت ثمّ عمل طعام بعد الختمة وبعد الوفاة بثلاثة أيام يوزّع على الفقراء من الأمور المُبتدعة. وأما القراءة المشروعة فهي ما كان قبل الموت وعند الاحتضار كقراءة سورة (يس) أو (الفاتحة) أو (تبارك) أو غير ذلك من كتاب الله. أما حكم صرف ثواب قراءة القرآن للميّت فلا يظهر بأس في جوازه إذا لم يكن محدداً بوقت أو مكان أو صفة فيها ميزان البدع والمنكرات. (6)
السّؤال الثّاني
- هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟
الجواب: قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا على موتاكم يس) أبو داود،3121 صحّحه جماعة وظنّوا أنّ إسناده جيّد وأنّه من رواية أبي عثمان النّهدي عن معقل بن يسار وضعّفه آخرون وقالوا: إن الرّاوي له ليس أبا عثمان النهدي، ولكنّه شخص آخر مجهول، فالحديث المعروف فيه أنّه ضعيف لجهالة أبي عثمان، ولا يُستحبّ قراءة السّورة على الموتى، والذي استحّبها ظنّ أنّ الحديث صحيح فاستحبّها، لكنّ قراءة القرآن عند المريض أمر طيّب ولعلّ الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس)، فالأصل أنّ الحديث ضعيف، وتخصيصها ليس له وجه. (7)
السّؤال الثّالث
- هل يمكن علاج الأمراض بالرّقية، وهل هناك أحاديث واردة عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السّنة ؟
الجواب: نعم، الأمراض قد تُشفى بقراءة القرآن وهذا أمرٌ واقع شهدت به السّنة وجرى عليه التّجارب، فإنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم بعث رهطاً في سريّة فنزلوا على قوم، ولكنّ القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم فقعدوا ناحية، ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى سلّط على سيّدهم حيةً فلدغته فجاؤوا إلى هؤلاء الرّهط وقالوا: هل معكم من يرقى؟ قالوا: نعم، تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة فقام كأنّما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه، قال له عليه الصّلاة والسّلام: وما يدريك أنّها رقية وقد قال الله عز وجل (ونُنَزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارا)؟ وأما كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله عزّ وجلّ بأن توضع في ماء ويشرب فهذا أيضاً قد جاء عن السّلف الصّالح وهو مجربٌ ونافع، لكن ورد في السؤال ذكر سورة يس وهذا لم يرد أنّ يس ممّا يُرقى به، لكن يُرقى بالفاتحة، وبآية الكرسي، وبالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، وبقل هو الله أحد، وبقل أعوذ بربّ الفلق، وبقل أعوذ بربّ النّاس. (8)
السّؤال الرّابع
- هل ورد في السّنة قراءة سورة يس بصوت مرتفع في المقبرة بصورة جماعيّة؟
الجواب: لم يرد ذلك في السّنة لا بصوت مرتفع ولا بصوت منخفض ولا بصوت مجتمع عليه ولا بصوت منفرد، وإنّما جاء في الحديث (أقرؤوا على موتاكم يس) وهذا الحديث ليس متفق على صحته ولا على حسنه، بل فيه خلاف هل هو صحيح أو ضعيف، والمراد به -إن صح- أن يُقرأ على المحتضر سورة يس، يعني إذا علمنا أنّ رجلاً أحتضر أو امرأةً احتضرت فإنّه يُقرأ عليه يس بصوت يسمعه المُحتضر لما في ذلك من ذكر مآل المؤمن وذكر الجنّة والنّار وذكر شيء من آيات الله عز وجل، وهذا قد يكون سبباً لحسن الخاتمة بالنّسبة لهذا الميت الذي قُرئت عليه هذه السّورة. (9)
السّؤال الخامس
- ما الحكم على مداومة قراءة سور معينة يتّخذها الإنسان كوِرد بجانب تلاوة القرآن يوميّاً، حيث علمنا من بعض الأحاديث بأنّ قراءة هذه السّور لها فضل عظيم كسورة يس وسورة الدّخان والفتح والملك وغيرها؟
الجواب: أمّا ما لم يرد به النّص من قراءة بعض السّور أو الآيات فإنّه لا يجوز للإنسان أن يقرأه مُعتقداً أنّ قراءة هذا الشيء المُعيّن سنّة؛ لأنّه لو فعل ذلك لشرّع في دين الله ما ليس منه. وأمّا ما ثبت به الحديث عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أو جاء عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على وجه تثبت به الحجّة فلا بأس أن يداوم عليه على الوجه الذي جاء: أن كان جاء بالمداومة يكون مداومَاً وأن كان جاء بغير المداومة يكون غير مداوم، والمهم أنّه ينبغي بل يجب على العباد وأصحاب الأوراد أن يتحرّوا ما جاء في السّنة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وألّا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه، فإنّه حتّى القرآن إذا خصّ الإنسان منه شيء مُعيّناً يتّخذه ديناً بالمداومة عليه أو ما أشبه ذلك، وهو لم يرد عن الرّسول صلّى الله وسلّم على وجه يكون حجّة، فإنّه لا يجوز له أن يفعل ذلك، بل يكون مُبتدِعاً في دين الله ما ليس منه. (10)
السّؤال السّادس
- ماذا ورد في قراءة سورة يس في كل ليلة وأيضاً سورة الدخان؟
الجواب: لم يرد هذا في السنّة، وإنّما ورد فيها قراءة سورة المُلك كلّ ليلة، وكذلك قراءة آية الكرسيّ، وقراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقراءة (قل هو الله أحد)، و (المعوذتين)، وأمّا ما ذُكر في سورة يس والدّخان فلا أصل له. (11)