علاقة المدرسة بالبيت
كانت المدرسة في المفهوم القديم للمنهاج منفصلة تماماً عن المجتمع حولها بما يتضمن من مؤسسات ونظم عدة ومن أهمها الأسرة، فكان دورها معرفياً مجرداً بعيدأ عن احتياجات المجتمع أو الفرد مقتصراً على الكتاب المدرسي، وقد نظرت الأسرة للمدرسة في إطار هذا المفهوم على أنها مؤسسة منفصلة لا يجوز التدخل في أيٍ من قضاياها, فلم يكن هنالك أي صورة للتعأون بينهما، مع العلم بأنهما معاً يشكلان أهم مؤسستين تربويتين في المجتمع. وأما اليوم سنجد وضمن الفلسفات الحديثة التي يقوم عليها المنهج المدرسي ضرورة وجود علاقة وثيقة وتكاملية تربط ما بين المدرسة والبيت، لما لذلك من مردود تربوي كبير على الأجيال القادمة. والمقصود هنا بالمدرسة ليس مجرد مؤسسة تعليمية مستقلة، وإنما هي المؤسسة المسؤولة عن الجانب الرسمي من التربية والتي تستخدم المنهج المدرسي كأداة رئيسة لتحقيق أهدافها. أما البيت فليس المقصود فيه المكان الفيزيقي الذي يعيش فيه الطفل وإنما المناخ التربوي الذي يعمل على تنشئة الفرد ونقلة من مفهوم الفرد إلى مفهوم الشخصية عبر سنوات عمره الأولى ويستمر في عملية التنشئة غير الرسمية في المراحل الأخرى من حياة الفرد. من هنا نلاحظ أن البيت والمدرسة على السواء مسؤولتان عن عملية التنشئة الاجتماعية بجانبيها الرسمي وغير الرسمي، وعليه يصبح من الضروري التركيز على حالة التكامل والتعاون التي يجب ان تربطهما معاً, ومن جهةٍ أخرى فان ضعف العلاقة سينعكس ربما على ضعف الطالب تحصيليا أو عدم القدرة على حل مشاكل الطالب الشخصيه أو الصحيه أو النفسيه بشكل صحيح. أسباب ضعف العلاقة بين المدرسة والبيت: هناك العديد من الأسباب التي تقلل من عملية التواصل ما بين البيت والمدرسة نورد فيما يلي أهمها : 1. قلة الوعي الثقافي لدى معظم الأسر (الأم والأب) بأهمية التواصل مع المدرسة. 2. ثقة العديد من الأسر بشكل مطلق بالمدرسة والمعلمين وعدم التواصل مع المدرسة لمناقشة موضوعات لها علاقة بالابن. 3. المشاكل الأسرية: مثل انفصال الوالدين، عدم التفاهم بينهما، وهي تؤدي إلى التشتت الأسري فيصبح معها الطالب بعيداً عن العناية اللازمة والمراقبة المستمرة. 4. عمل الأبوين خارج المنزل: مما يزيد في كثير من الأحيان أعباءاً إضافية على حساب احتياجات الأبناء ومتابعتهم بالشكل اللازم. 5. تعامل العديد من المواطنين مع المؤسسات التربوية أو التعليمية بشيء من الرهبة تجاه أنظمتها أو حتى الشعور بتعقيد هذه الأنظمة وعدم قدرتهم على التعامل معها. آليات تحقيق التواصل والتعأون ما بين البيت والمدرسة: تختل هذه الآليات من مجتمع لآخر ومن فلسفة لأخرى، أستطيع بشكل عام ان أتطرق إلى بعضها فيما يلي: 1. تفعيل التواصل ما بين المدرسة والمجتمع وذلك عن طريق نسج علاقات خاصة ما بين أولياء الأمور والإداريين والمعلمين في المدرسة وهذا سيتيح المجال الأكبر لهم جميعاً للاشتراك بحرية في المعلومات الخاصة بالطلاب، وممكن يترجم ذلك بالآليات التالية: أ. اشتراك أولياء الأمور في أنشطة المدرسة. ب. استمرارية المراسلات المختصرة “الملاحظات المستمرة” ما بين المعلم وولي الأمر. ج. اللقاءات المستمرة بين فترة وأخرى ما بين المعلم وولي الأمر أو على الأقل المكالمات الهاتفية. د. زيارة المعلمين للأسر إن أمكن للتعرف على واقع الطالب المعيشي بشكل أوضح، للمعلم دوراً كبيراً في تعميق التعأون بين البيت والمدرسة، فالمعلم باتصاله بمجتمع الطالب واهتمامه بظروف حياته يستطيع التقرب إلى الطلاب ومعالجة مشكلاتهم وكلما كان بعيداً عن طلابه والاهتمام بهم وعدم اتصاله بعائلاتهم كان مقصراً في معرفة ما يهمهم وبالتالي مقصراً في أداء وظيفته كمعلم. 2. تفعيل دور مجالس الآباء والمعلمين: كثيراً ما نلاحظ وجود مثل تلك المجالس في مدارسنا ولكن ما مدى فاعلية هذه المجالس في تحقيق التواصل المنشود ما بين البيت والمدرسة، ان مثل هذه المجالس قد تتمكن من توطيد العلاقات ما بين الطرفين وإيجاد أوجه التفاعل المختلفة الممكن استغلالها لخدمة الطالب وتحقيق الأهداف التربوية بفعالية. ما نعيشه على أرض الواقع هو أن العديد من تلك المجالس في مدارسنا وجدت فقط انصياعاً للقانون الذي يفرض على المدرسة ضرورة تشكيل مثل هذه اللجان، ومن الفوائد الكبير التي ممكن ان يحققها مجلس الآباء والمعلمين أورد مايلي: أ. توثيق العلاقة ما بين أولياء الأمور والهيئة التدريسية في المدرسة. ب. فهم حاجات ومشكلات الطلاب بشكل أوضح واكثر موضوعية وواقعية مما يسهل بعدها إيجاد حلول مناسبة لها. ج. رعاية الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة واقتراح برامج مناسبة لهم. د. دراسة متطلبات المجتمع واحتياجاته والعمل على ايجاد برامج للمساهمة في تحقيقها. ه. التعأون مع المدرسة في مواجهة المشكلات أو الظواهر السلبية التي قد تضر بأجيال المتعلمين. 3. تفعيل وظيفة الإعلام: سواء المقروء منها أو المسموع وذلك لرفع الوعي المجتمعي حول مدى اهمية التواصل ما بين المدرسة والبيت. 4. استخدام الانترنت كوسيلة لرفع الوعي العام المجتمعي ولتسليط الضوء على هذا موضوع لأهميته الكبيرة تربوياً وتعبوياً. وبذلك نرى ان توثيق الصلات ما بين البيت والأسرة كأهم مؤسستين تربويتين شرط أساسي لرفع مستوى العمليتين التربوية و التعليمية، كما أن السرعة في التغير والتطور يفرض على المدرسة الخروج من حيزها وتنشيط الاتصال مع البيت، وكما وان على الأسرة أيضاً ان تعي مدى اهمية الاتصال الدائم مع المدرسة، ليساعدوا بالتالي معاً أبنائهم للخروج بما هو افضل لهم ولمستقبلهم ولمجتمعهم.