عطر الصندل
قرأت قصة إسفيرية تحكي عن مدير شركة سيارات معروفة عالمياً.. أتاه خطاب من أحد العملاء يشتكو شكوى غريبة.. قال إن محرك السيارة الجديدة لا يعمل إذا اشترى آيسكريم فانيليا.. أما إذا اشترى أي نوع آخر.. فإن المحرك يعمل بصورة جيدة.. الشكوى غريبة فعلاً.. ما للمحرك وما للآيسكريم؟ لكن الشركة لم تهمل الشكوى.. ولم تتعامل معها بازدراء.. إنما أوفدت مهندساً ليرافق صاحب الشكوى لشراء الآيسكريم.. وبعد عدة تجارب.. اتضح أن آيسكريم الفانيليا يستغرق وقتاً أقل في شرائه.. وبالتالي لا يجد المحرك فرصة ليبرد ومن ثم يعاود العمل مرة أخرى.. عكس الأنواع الأخرى التي تستغرق وقتاً طويلاً.. مما يتيح فرصة الراحة للمحرك ومن ثم العمل بكفاءة بعد ذلك..
الشاهد في القصة أعلاه.. أن المسؤول عن العمل يتابع كل تفاصيل العمل حتى يطمئن الى راحة الزبون أو العميل.. لأن ذلك هو صميم وظيفته.. أو قل إنه أصل عمله.. وعندما تقدم لملء تلك الوظيفة.. قرأ جيداً متطلبات الوظيفة والمهام المتعلقة بها وحدود اختصاصاته وحجمها فأنجز وأبدع وتفوق ..
قبل أيام طالعنا تصريحاً لوزير السياحة السابق عندما أدلى بشهادته في قضية اختفاء شجرة الصندل من المتحف.. قال إنه لم يدخل المتحف لأن بداخله أصنام..!! عندما قرأت هذا التصريح تمتمت قائلة: (أليس المتحف ضمن اختصاصات الوزير وتحت إشرافه؟ ولا تم ضمه بعد قبوله الوزارة؟) ذلك المعروف بالضرورة أن المتاحف تحتوي على تماثيل ومجسمات أثرية من العصور القديمة.. وعندما أقسم السيد الوزير على تولي المنصب.. المتحف كان ضمن مهام الوزير.. ولا إيه؟؟ .
تصريح آخر للسيد وزير الدولة بوزارة النفط.. قال إنه لا يهمه إن امتدت صفوف البنزين والجازولين.. من الخرطوم حتى ولاية بورتسودان.. لاحظ معي أن هذا وزير الدولة بوزارة معنية بالمحروقات.. قال لا يهمه تراكم السيارات أمام محطات الوقود.. (يا ربي محطات البنزين دي تابعة لي منو؟).. بالتامل في التصريحين أعلاه.. والمقارنة مع المثال الذي ذكرناه في أول المقال.. استطعت أن أعرف بالضبط (مكان الوجع).. وها أنا أصرخ قائلة: (وجدتها.. وجدتها).
في بلادنا السعيدة والمتفردة في كل شيء.. يصحو البعض ليجد اتصالاً يبشره فيه رئيس الحزب أنه وقع الاختيار عليه لشغل منصب وزير.. كدا دون أي مقدمات.. ربما يحدث له قليل من الارتباك.. ومن ثم يجري ليرتب حاله.. ويبدأ في تغيير الأثاث المكتبي الخاص بسلفه.. وطلب سيارة جديدة تواكب الموضة.. ويجتهد طاقم المكتب لترتيب كم سفرية كدا للوزير الجديد.. وفي خضم هذا الأمر ينسى سعادته أن يطلع على اختصاصات ومهام الوظيفة.. ذلك أنه ببساطة أن ما حدش عارف اختصاصات الوزير.. لأنو ما أدونا ليها في المقرر.. وربما التبس الأمر على بعضهم فخالطه الظن أن الوزير مهمته أن يبتسم للكاميرات ويسافر للاطلاع على تجارب الدول الأخرى.. ويعيش في تبات ونبات وليس ضمن اختصاصاته حل المشكلات المرتبطة بهموم الناس.. أو معيشتهم اليومية .
كنت سابقاً قد اقترحت إقامة دورات تدريبية للتصريحات الوزارية.. ويبدو أنني سأرفق طلب آخر بنشر اختصاصات ومهام كل وزير.. تفصيلاً وبدقة متناهية.. يا ريت كمان لو يتم تسليم كل وزير كتيب به كل الجهات والمؤسسات التي تحت إشرافه والتي تتبع له بالضرورة.. ولفت نظره الى أن أي شيء يحدث فيها سلباً أو إيجاباً يمسه وينعكس على وزارته بذات القدر.. المتاحف تابعة لك يا وزير السياحة.. ازدحام الناس حول محطات الوقود المفترض أن تثير اهتمامك يا سعادة وزير الدولة بوزارة النفط.. امتلاء المستشفيات بالمرضى دون تلقى علاج من صميم عمل وزارة الصحة.. وووو الخ.. الخ.. المهم في الأمر.. إن عطر شجرة الصندل المسروقة قد فاح وجعلنا نعرف فعلاً (الأزمة مكانها وين).