القسم الادبي

صور خنساء فلسطين , عبارات عن استشهاد خنساء فلسطين , كلمات ومعلومات عن الخنساء فاطمة الجزار

انا لله وانا الية راجعون
خنساء فلسطين في ذمة الله
استشهدت خنساء فلسطين الحاجة فاطمة الجزار (أم رضوان الشيخ خليل) وكان خمسة من ابناء الحاجة الجزار، الملقبة “خنساء فلسطين”، وثلاثة من احفادها واثنان من ازواج بناتها استشهدوا في حوادث منفصلة واستشهد أشرف، نجل الراحلة الجزار في اشتباك مسلح على حدود فلسطين الشمالية عام 1991، بينما استشهد نجلها الثاني (شرف) في اشتباك في البحر بالقرب من مخيم نهر البارد عام 1992، كما استشهد ابنها الثالث (محمود) في قصف من طائرة إسرائيلية عام 2004، في حين استشهد ابنها الرابع (محمد) بقصف مماثل عام 2005، واستشهد ابنها الخامس (أحمد)
واستشهد ايضا ثلاثة أحفاد هم رائد فؤاد غنام، ورامي عيسى الشيخ خليل عام 2004 خلال اجتياح إسرائيلي استهدف رفح آنذاك، في حين استشهد حفيدها الثالث خالد فؤاد غنام في قصف إسرائيلي عام 2007، كما استشهد زوج ابنتها (خالد حامد) القيادي الميداني في ألوية الناصر صلاح الدين جراء قصف إسرائيلي، واستشهد زوج ابنتها الاخرى زياد شاكر غنام، في قصف عام 2007.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار في الأردن وفلسطين
لعل أكثر ما يؤكد حقيقة أن الشعر تجسيد لمشاعر الشاعر وتسجيل لتجاربه هو شعر الخنساء. فشعر الخنساء يكاد يكون مقتصراً على البكائيات.. إنها لا ترثي بمعنى الرثاء المتعارف عليه، ولكنها تبكي فقدها لأبيها وأخويها صخر ومعاوية. وكانت معظم هذه البكائيات على أخيها صخر.

لقبت بالخنساء مؤنث الأخنس. والخنس هو تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، وهي صفة مستحبة أكثر ما يكون في الظباء وفي البقر الوحشي.. كما كان يُقال للخنساء خناس.

من هي الخنساء؟

هي تماضر بنت عمر بن الحرث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس وينتهي نسبها المعروف إلى عيلان بن مضر.

ومعنى الاسم: تماضر.. البيضاء.

اختلفت المراجع في تحديد سنة وفاتها ولكنها شاعرة مخضرمة، أي عاشت في الجاهلية والإسلام حتى حكم معاوية بن أبي سفيان الذي ماتت في عهده ويجعل احتمال وفاتها بين عامي 665 و670 ميلادية، وإذا افترضنا أنها عاشت ثمانين عاماً فهذا يشير إلى أنها ولدت ما بين 585 و590 ميلادية.

كانت الخنساء الابنة الوحيدة في أسرتها، ولهذا كانت محل رعاية أسرتها وخاصة أخويها صخر ومعاوية.

وقد رفضت الزواج عندما كانت في بداية الشباب، حيث تكونت لها شخصية طاغية، وبدأت موهبتها الشعرية تتفتح ومما يروى في هذا المجال:

مرّ دريد بن الصمة الشاعر والفارس وهو سيد بني جشم بالخنساء وهي تطلي بعيراً لها بالقطران ، فأخذ يراقبها وهي لا تراه إلى أن فرغت من طلائه وقامت بالاغتسال فانصرف وهو يقول:

حيّوا تماضر واربعوا صَحبي وقفوا فإن وقوفكم حسبي

أخناس قد هام الفؤاد بكم وأصــــــابه تبــلٌ من الحبّ

وفي اليوم التالي ذهب دريد بن الصمة إلى والدها فخطبها فقال الأب:

◆ مرحباً بك يا أبا قرة.. إنك الكريم لا يطعن في حسبه والفحل لا يقرع أنفه.

ـ إذن فأنت موافق..

◆ ليس المهم أن أوافق أنا.. بل هي..

ـ ولماذا؟

◆ لهذه البنت في نفسها ما ليس لغيرها.. وأنا سأسألها الموافقة فإن فعلت ووافقت فهذا ما نريد.. وإن لم تفعل.. فالأمر لها.

وبالفعل، قام الأب بإخبار الخنساء بأمر دريد وعلى مسمع منه، فقالت الخنساء:

ـ يا أبت أتراني تاركة بني عمي وهم كعوالي الرماح وناكحة شيخ بني جشم وهو في نهاية العمر وعلى حافة القبر.

لم ييأس دريد بن الصمة، وحاول أن يستعين بأخيها معاوية وكان صديقاً حميماً له ، وحاول أخوها معاوية إقناعها ، فما كان منها إلا أن نظمت قصيدة تعرضت فيها بالهجاء لدريد وقبيلته ، فغضب دريد وقام بهجائها بقصيدة مطلعها:

لمن طللٌ بذات الخمس أمسِ

عفا بين العتيق فبطن خرسي

تزوجت الخنساء رواحة السلمي ثم مرداس بن أبي عامر وكان لها العديد من الأولاد وقد اشتهر أولاد الخنساء جميعهم بالفروسية وقول الشعر، ولكن حب الخنساء لأخيها صخر فاق على ما يبدو حتى حبها لأبنائها.

ولهذا الحب قصة.. فالخنساء كانت البنت المدللة من أخيها صخر وكان يحبها جداً ويغمرها بعطفه وجوده، وحينما افتقر زوجها قصدت أخاها صخراً قسم ماله شطرين وأعطاها أفضلهما.. ولقد فعل ذلك عدة مرات إلى أن قالت زوجة صخر:

ـ ألا يكفي أنك تعطيها نصف مالك؟ لتقوم بإعطائها أفضل النصفين.

فأصر صخر على إعطائها النصف الأفضل قائلاً:

والله لا أمنحها شرارَها

ولو هلكتُ مزقَتْ خمارها

وجعلت من شعرٍ صدارها

وفي رواية أخرى قال:

والله لا أمنعُها خيارَها

وهي حَصَانٌ قد كفتني عارَها

ولو هَلَكْتُ قددت خمارها

واتخذت من شعر صدارَها

ورغم أن الخنساء دخلت الإسلام وقدمت أربعة من أولادها سقطوا شهداء في وقعة القادسية سنة 16 هجرية 637 ميلادية، إلا أنها لم تبك أولادها ولم ترثهم كما فعلت في بكاء أخيها صخر.

تذكر الروايات المختلفة أنها سارت مع أولادها وحضرت وقعة القادسية، ومما قالته لأولادها قبل المعركة:

ـ يا أولادي.. إنكم أسلمتم طائعين.. وهاجرتم مع رسول الله مختارين.. والله الذي لا إله إلا هو إنكم لأبناء رجل واحد كما أنكم أبناء امرأة واحدة.. ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم.. وأنتم تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الأجر الجزيل في حرب الكافرين.

يا أبنائي إن الدار الباقية خير من الدار الفانية، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. صدق الله العظيم.. فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله تعالى سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين.. وبالله على أعدائه مستنصرين.. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سباقها، وجعلت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلود والمقامة.

وهذا ما كان.. خرج أبناء الخنساء الأربعة، وقاتلوا قتال الأبطال واستشهدوا جميعاً بعد أن أبلوا البلاء الحسن وتحقق بفدائهم وفداء إخوتهم نصر المسلمين في تلك المعركة الخالدة.

وعندما جاءها النبأ.. لم تلطم خديها.. ولم تذرف حتى دمعة واحدة.. كل ما قالته:

ـ الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

وظل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطيها أرزاق أبنائها الأربعة حتى يوم وفاته.

ولقد وقف كثير من الدارسين أمام هذه الظاهرة، ظاهرة الشاعرة الخنساء التي عاشت حياتها حتى بعد الإسلام تبكي أخاها صخراً.. ولم تذرف دمعة واحدة على أبنائها الأربعة شهداء معركة القادسية.

هل الأخ أعز من الولد؟

يحكون أن أحد الطغاة أراد عقاب امرأة عربية والسخرية منها وكان قد أسر زوجها وابنها وأخاها، فأعطاها الخيار لتنقذ واحداً من الأسرى لينجو من القتل، فما كان منها إلا أن قالت:

ـ الزوج موجود والولد مولود والأخ مفقود.. أختار أخي.

ذهل الطاغية وعفا عن الجميع، وهذا يدل على مكانة الأخ للمرأة العربية.

فلا عجب أن يلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثير من الرفق، بل طلب منها أن تنشده بعض أشعارها في أخيها صخر، وأصغى إليها الرسول بقلبه الكبير واستزادها متأثراً بروعة وصدق شعرها في صخر.. وكان يومئ بيده قائلاً: هيه يا خناس.. وذلك من رحمته وإنسانيته.

كذلك عذرها عمر بن الخطاب عندما أقبل عليه بنو عمها شاكين أن الخنساء لم تزل تبكي على أبيها وأخويها الذين قضوا في الجاهلية رغم أنها دخلت في الإسلام مما أدى إلى تقرح عينيها وتهديدهما بالعمى، ولكن عمر وبعد لقائه بها والإصغاء إليها قال:

ـ لا ألومك يا خنساء في البكاء عليهم.

وأشار إلى الشاكين قائلاً: خلوا سبيل عجوزكم لا أبالكم، فكل امرئ يبكي شجوه.

والقصيدة التي اخترناها تجسد خير تجسيد مدى الحب الذي كان في قلب الخنساء تجاه أخيها صخر.. كما تظهر لمن يطلع عليها كيف كان بكاؤها الذي أبكى جميع من أصغى إليها وخاصة في ذلك اللقاء السنوي الذي كان يجمع أفضل شعراء العرب في عكاظ.

تقول الخنساء:

يؤرقُني التّذكرُ حيَن أُمْسي
فأصبحُ قد بليتُ بفَرْط نُكْسِ

على صَخرٍ، وأي فتى كصخرٍ
ليَومِ كريهَةٍ وطعان حلس

فلم أر مثله رزءاً لجنًّ
ولم أرَ مثلَهُ رزءاً لإنس

أشدَّ على صروفِ الدهرِ أبداً
وأفضل في الخطوبِ بغير لَبْسِ

وضيفٍ طارق أو مستجيرٍ
يروَّع قلبهُ من كل جرسِ

فأكرمَهُ وآمنَهُ فأمسى
خلياً بالُهُ من كل بؤسِ

يذكرني طلوعُ الشمسِ صخراً
وأذكُرهُ لكلِ غروبِ شمسِ

ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي

ولكن لا أزالُ أرى عجولاً
وباكيةً تنوحُ ليومِ نحسِ

وما يبكون مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي

فلا والِله لا أنساكَ حَتى
أفارق مُهجتي ويُشق رَّمسي

فقد ودّعتُ يوم فراق صخرٍ
أبي حسّان لذّاتي وأنسي

فيا لهفي عليه ولهف أمّي
أيصبحُ في الضّريح وفيه يُمسي

الدكتور عارف الكنعاني

المراجع والمصادر:

1 – ديوان الخنساء/ تقديم وشرح وتعليق الدكتور محمد حمود

2 – الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني

3 – أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء/ الأب لويس شيخو

مع تحيات:
الــــــــوطــــــــن™

زر الذهاب إلى الأعلى