عشوائيون ..!!
: لقد تساوت كل مناطق السودان أمام خيرات ومخاطر الخريف.. وما يحدث بالنهود وكسلا والفاشر والخرطوم، يحدث بمحلية دلقو أيضاً.. هناك تسببت الأمطار في انهيار أكثر من (130منزلاً)، ويوضح مدير وحدة دلقو : (مياه الأمطار والسيول ما زالت تحاصر المنازل السكنية، وأن لجان الحصر تواصل عملها).. الخريف من مواسم الخير ، ولكنه في بلادنا موسم لشق الجيوب ولطم الخدود .. وللأسف، تظن الحكومة بأن معاناة الخريف محض حدث عابر .. ولكن متاعب الخريف في كل السودان لم تعد محض حدث عابر.. !!
:: منذ ست سنوات تقريباُ، بشهادة هيئات الإرصاد، يشهد مناخ بلادنا (تغيُراُ إيجابياً).. ولكن الحكومة آخر من تنتبه لهذا التغيُير.. وكما تعلمون، فان إتفاقية الأمم المتحدة عرًفت التغيُر بأنه ( تغيُّر في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض)..وقد تكون السدود – أو غيرها – هي السبب، فان معرفة النشاط البشري الذي يؤدي إلى التغُير المناخي من مهام الخبراء..و ما يُلينا هو فقط تكييف حياتنا بحيث تواكب المتغًيرات المناخية..!!
:: فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها، وهذا الترويض هو المواكبة.. وعلى سبيل المثال، تأمل ما يحدث في دلقو و كل الشمالية والشرق و نهر النيل – وغيرها من المناطق الموصوفة بالصحراوية – من دمار للقرى بسيول وفيضان تجاوز المعدل .. وهذا التأثير الناتج عن زيادة معدل الأمطار و السيول لم يحدث في الخمسين سنة التي سبقت الست سنوات الماضية، حسب رصد الإرصاد .. أي كل الإقليم الشمالي لم يعد يختلف – من حيث التأثير بالأمطار والسيول – عن أقاليم السودان الأخرى، وهذا هو المعنى ب( التغُير الإيجابي).. !!
:: فالمياه نعمة.. ولكن الإنسان هو من يحولها إلى ( نقمة)، وذلك بعجزه عن ترويضها وإستغلالها في الزرع والضرع.. هيئة الإرصاد غير معنية بالبحث عن أسباب التغُير المناخي الذي تشهدها البلاد، بحيث تكاد أن تتساوى كل ولايات السودان في ( معدل الأمطار) و ( حجم السيول).. هيئة الإرصاد مهمتها الرصد والتحليل، أما الدراسات والبحوث فهي مهام ( كل دولة)، وذلك بالصرف على مراكز الأبحاث والدراسات.. والتغُيرات المناخية من القضايا الإستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لصلتها المباشرة بالاقتصاد وصحة الشعوب..!!
:: وما لم تواكب المجتمعات – بتغيير نمط حياتها – هذه التغييرات ، فالمستقبل محفوف بالمزيد من المخاطر..وبالمناسبة، لقد نجح نمط حياة أهل القضارف في ترويض الأمطار، بحيث لا تسمع للقضارف صراخاً في موسم الخريف.. ما بين الأسمنت والقطاطي تقاسموا ( الوقاية الجيًدة)، وكذلك أهل دارفور وكردفان والنيل الأزرق..ولا أعني سكان المدن التي تعاني من سوء التخطيط أو التخطيط في ( مجاري السيول)، بل أهل الأرياف الشاسعة ذات المساكن والمزارع التي تحتفي بالأمطار ولا تهابها أو تلطم الخدود كما تفعل المدن ..!!
:: ولأن الوقاية خير من العلاج، فأن كل المجتمعات المتأثرة بالخريف بحاجة إلى تغييرات جذرية في نمط حياتها لتواكب ( التغُير المناخي).. كيف؟، وماذا على المواطنين أن يفعلوا ليُغيروا نمط حياتهم – مساكناً كانت أو زرعاً – ليواكبوا التغيًيرات المناخية ويتجنبوا مخاطرها؟..هنا يأتي دور التخطيط الإستراتيجي للدولة، وهو الدور المختزل – حالياً – في ردود أفعال عشوائية ..أي من قًصر النظر إختزال التخطيط الإستراتيجي في ( ح نردم الخيران) و ( ح نفتح المجاري) و..(ح نضرب الإغاثة) ، أو كما حدث بالنهود ..!!