سيد الاستغفار وفضله
الاستغفار
- الاستغفار لغة: مشتقّ من الفعل يستغفر، استغفر، وفعلها الثلاثي الأصلي هو “غَفرَ”، أي بمعنى غطَّى وستر.
- الاستغفار اصطلاحاً وشرعاً: نلحظ وجود حرفي السين والتاء قبل الغفران، وهذان الحرفان يفيدان في االلغة العربية معنى “الطلب”، ليصبح المعني الاصطلاحي الشرعي، طلب وسؤال المغفرة وستر الذنوب التي يقترفها الشخص المسلم من الله عزّ وجلَّ.
الدين الإسلامي بكل جوانبه، قد جاء واحتضن كل ما قد يواجه الإنسان المسلم في حياته، ووضع الأحكام، والأوامر ، والنواهي، والوسائل أي التشريعات العبادية في مصادره الرئيسية وهي القرآن الكريم، وسنة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) النبوية الشريفة. وإن أردنا التحدث عن موضوع الاستغفار وطلب العفو من الله الغفور _سبحانه وتعالى_ وعن كمٍّ الآيات التي نزلت في ذلك، فلن نستطيع إجمالها بمقالٍ واحدٍ هنا، لكن جيدٌ أنْ نذكر أحد الهدايا التي خلفتها السنة النبوية الشريفة لنا في هذا الباب والذي لا ولم ولن يستطيع أحدٌ منا التخلي عنه يوماً ما، مهما كانت ظروفه ومحيطه الذي يعيش فيه، حتى المراتب التي يصلها في حياته، فكلّنا إنسان وكلنا يخطئ وهذا ما يحبه الله تعالى فينا، أننا الإنسان الضعيف، لكن ما يحبه أكثر هو التوبة والرجوع إليه وطلب السماح والستر والغفران، فإنّ من أجمل الأدعية التي يحبّنا الله أن ندعوه بها ونتوجه إلى سؤاله بالرحمة والمغفرة هو دعاء “سيّد الاستغفار”.
سيّد الاستغفار
سيّد الاستغفار: هو دعاءٌ قد قاله لنا رسولنا الكريم ونصه الآتي: ” اللهم أنت ربي لا إله إلى أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت”.
سبب التسمية: ذكر الرسول الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في هذا الدعاء من ألفاظٍ ومعانٍ، حيث يحتوي على صيغٍ لغوية جميلة وفاضلة ترقى بأعلى مستويات سؤال الغفران من الله، أيضاً كان قد جمع بين معاني الاستغفار والتوبة معاً حسب تفسير الكثير من علماء الفقه والدين.. لذا استحقّ أن يكون دعاءً سيداً على باقي الأدعية والابتهالات.
المعاني التي يحملها سيّد الاستغفار
لكل عبارة مذكورة في الدعاء غاية معينة يطلبها المسلم من ربه عزّ وجلّ، لذا وجب أن نفهم ما المقصود بكل منها وذلك حرصاً على التوجه إلى الله بكل إخلاص وحاجة والتماس وتقرب.
- اللهم أنت ربي لا إله إلّا أنت: في هذه العبارة إقرار من العبد المسلم المتوجه إلى الله بوحدانية الله، وتسليم بعظمته وجلاله وتفرده بهذه الصفات وكمالها.
- خلقتني وأنا عبدك: هنا إقرارٌ من العبد الداعي بأنه الخالق، وشكره لله على منحنا نعمة العبودية له والتي تتمثل في خضوعنا وتذللنا إليه.
- وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت: وبما أن هذا الدعاء يلجأ له من هو بحاجة للمغفرة من الله سبحانه وتعالى، حيث يظهر التذلل والخضوع والاستسلام لله وبكل الجوارح المادية والمعنوية التي تسكنه، فهو هنا يقدم الاستعداد التام للالتزام بأوامر الله وكل ما يدعونا به وإليه من عبادات والتزامات، حيث يقوم العبد بقوله لهذه العبارة بتقديم عهدٍ لله بأنه سوف يسير على نهج الإسلام وتنفيذ حذافيره المطلوبة.
- أعوذ بك من شر ما صنعت: أيضاً هذا الدعاء يظهر ما يشعر به الإنسان الداعي اللاجئ إلى ربه مدى ندمه ونفوره من أعمال الشر أوالأعمال المنهي عنها، إن كان قد اقترفها من قبل، ويطلب من الله الاستعاذة منها وأن يجنبه إياها.
- أبوء لك بنعمتك عليّ: بعد أن حمد الله على نعمة خلقه ونعمة عبوديته، فإنه هنا يقر أيضاً مدى شكره وحمده لله على باقي نعم الله التي تفضل بها عليه, والتي لا تعد ولا تحصى.
- وأبوء بذنبي فاغفر لي: ولأنّ الاعتراف بالذنب، كان من أهم خطوات التوبة النصوح والرجوع إلى الله فإن في هذا الدعاء ما يمكن من ذلك، حيث بقول هذه العبارة يقر العبد بكل ذنوبه التي فعلها من قبل، ويعترف بها، ومن ثم يطلب رحمة الله ومغفرته في تلك الذنوب جميعاً.
- فإنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت: وهنا تظهر الاستسلام والانقياد الكامل لله، وذلك بقول أن لا أحد يمتلك القدرة على غفر الذنوب، ومحوها إلا الله وهي من صفات الله سبحانه وتعالى.
هذه كانت المعاني التي يحملها هذا السيد الرائع، فعلينا معرفة وفهم كل كلمة نتوجه إلى الله بها، حين نحتاجه في ذلك، أي التوجه إليه بالدعاء للرحمة والمغفرة ومحو الذنوب.
فضل الدعاء بسيّد الاستغفار
نعلم أنّنا لسنا نتوجه إلى الله بالاستغفار والدعاء فقط حينما نمر بموقف ما، أو بعد اقترافنا لذنب صغيراً كان أو كبيراً، بل نحن من الواجب علينا أن نردد دائماً الدعاء والانقياد إلى الله، وطلب الرحمة والتوفيق والخير دائماً وأبداً من الله _ عزّ وجلّ_ وهذه هي من الوظائف الرئيسية التي خلقنا لها ولتحقيقها. لذا فإن من الجيد أن ندعو الله بهذا الدعاء لما له من فضل عظيم نذكره في التالي:
- عن شدّاد بن أوس (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “سيّد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، من قالها في أول النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبحَ؛ فهو من أهل الجنة” رواه البخاري.
- احتوى هذا الدعاء على الثناء على الله والإقرار بالصفات الجليلة التي يتصف بها وينفرد بذلك عغيره من المخلوقات والتي أهمها توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، والعبودية الخالصة له التي نتوجه له بها وحده.
- يظهر الدعاء التأدب مع الله وذلك في ذكر “ما استطعت” وهذا تثبيتاً لنقص الإنسان وعجزه ودوام حاجته إلى الله.
- يظهر في الدعاء مدى قرب العبد من ربه، وذلك بأن بينهما علاقة وطيدة قائمة على الطلب والحاجة وتقديم العهد بفعل الخير كله، وتجنّب كل ما يغضبه سبحانه من أفعال.