رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ
أولاد حارتنا
قبل البدء في الحديث عن الرواية دعونا في البدايه نتحدث عن المؤلف نجيب محفوظ وعن ظروف كتابة هذه الرواية.
نجيب محفوظ هو أول عربي حاز على جائزة نوبل في الأدب، ولد في 11ديسمبر 1911وتوفى في ديسمبر 2006، تجلت موهبته منذ الصغر ولكن بدأت كتاباته في الظهور إبتداء من الأربعينيات، ومن أشهر أعماله الثلاثية والرواية التي بين يدينا اليوم (أولاد حارتنا) والتي لاقت صعوبات كثيره في الظهور رغم محاولات كثيره من جانب المهتمين بأدب محفوظ من داخل او خارج الوسط الأدبي، حيث سببت الرواية ضجة وخلاف وجدل كبير من اللحظه الأولى التي بدأ فيها نشرها على حلقات في جريدة الأهرام هاجمها المتدينين بشدة، وخاصة شيوخ الأزهر وطالبوا بوقف نشر حلقات أخرى منها ولكن عاد هيكل مرة أخرى ليرفض وقف نشر حلقات أولاد حارتنا وأصر على إستكمال فصولها نشراً في الجريدة حتى أكتملت، ولكن الإصرار على مهاجمة محتوى الرواية منعها من الوجود في شكل كتاب وطرحها داخل مصر، ورغم عدم صدور أية قرارت رسمية بوقف الرواية إلا أن الضجة التي سببتها والخلاف مع الازهر أدي لحدوث ذلك التوقف ولكن هذا لم يمنع عشاق نجيب محفوظ وعشاق حرية الرأي من طرح الرواية حيث طبعت في لبنان عن دار الأداب ، ولكن منعت أيضاً من دخول مصر ولكن هذا لم يمنع بعض النسخ المهربة من الوصول إلى الأسواق المصرية ، ذلك وقد أدت هذه الرواية رغم ما لقته من حظر داخل مصر إلي بروز عبقرية وموهبة نجيب وكيف أن كتاباته أصبحت تحدث من الإشكاليات والنجاح ما يجعله أعماله محط أنظار وإنتظار كل القراء مهما اختلفوا ، فمنهم من كان ينتظرها ليجد فيها سلوى الحرية والقدرة على التعبير والإبداع ومنهم من كان ينتظر اللحظه التي ينقض فيها على محتوى ما يكتب ليفند وينقد ويعترض ، وقد يصل الأمر للمنع والتكفير والإخراج من الملة كما سببت رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ.
كان محفوظ وكما يتجلى في معظم أعماله غارقاً في حواري وطنه يحاول أن يصل بهذه القرى والمدن البسيطة والأزقة الضيقة إلى الخلود ، يهيم في قومه ليتفاعل معهم ويكتشف ما يدور بينهم ويدخل إلى أعماق نفسيتهم المختلفه رغبة منه في إيضاح هذه المشكلات والأفكار المسيطرة على المجتمع في إطار إبداعي حقيقي وناضج .
وكما وجب التأريخ فكانت أولاد حارتنا أول كتابات محفوظ بعد ثورة يوليو ففي عام 1952 أنتهى من ثلاثيته واتجه إلى كتابة السيناريو، ودام إنقطاعه 5 سنوات لإنشغاله به ولكن سرعان ما داعبته حاسته الإبداعيه للعودة مرة أخرى ليحدث ثورة حقيقية من المنظور الأدبي بعد يوليو بقليل وبعد تثبته أن ثورة يوليو المنشودة قد انحرفت عن مسارها، ورغم تميز أسلوب نجيب في معظم أعماله بالواقعية يناقش قضايا مجتمعية ويتفاعل منعها من خلال النسق الإبداعي ، إلا أن هذا العمل كان يحمل طابعاً مختلفاً فكانت بمثابة نظرة كونية إنسانية تمتاز بالرمزية حيث حاول أن يسرد قصص الأنبياء بشكل لايخلو من خلفيتة الإجتماعية وما كانوا يسعون إلى تحقيقه من الخير والعدالة والسعادة، ناهيك عن إبراز مساؤي المجتمعات والقيم السماوية والإنسانية التي يتوق العالم إليها . وتدور رواية اولاد حارتنا في إطار الرواية الواقعية كعادة محفوظ في كثير من أعماله كالحرافيش وزقاق المدق وغيرها التي تدور في أحياء القاهره المختلفة ، ولكن البطل هنا هو عزبة الجبلاوي وهي عزبة خاصة بالجبلاوي الذي فسر الأزهريون دوره في الرواية على أنه (الله) وتمتلئ هذه العزبه بالأولاد (الأنبياء) ومايدور بينهم داخل البيت الكبير (السماء أو العرش) .
وفسروا أيضا وصف نجيب لعزبة الجبلاوي بأنه يرمز للجنة. ويشتعل السرد في الرواية ورمزيته وحبكته منذ ولادة أدهم أقربهم للجبلاوي ومحور ضيق وحنق بقية الاخوة وهو إبن السمراء ولطالما عير بذلك وخاصة من أدريس الذي فضل التمرد على الجبلاوي على أن يتحكم به أدهم ، وهنا رمزية إلى تمرد الشيطان على خلق أدم عليه السلام وتفضيله عليه الأمر الذي انتهى بطرد الجبلاوي لأدريس من العزبة ليبدأ رحلة غوايته ، حتى ينجح هو الآخر بالتسبب في طرد أدهم إبن الجبلاوي المقرب لينتقل للحارة (الحياة الدنيا) وهكذا تدور رحلة معاناة الإنسان مع الشيطان في إطار رمزي محكم الحبكة حتى قتل قدري لأخيه (هابيل وقابيل) ، فتنشأ الأحياء الثلاثة داخل الحارة رمزاً لأنبياء الديانات السماوية جبل (موسى) ورفاعة (المسيح) وقاسم (محمد) وكذلك وصولاً حتى لبعض أصدقاء قاسم أمثال صادق وحسن.
وهما علي الترتيب رمزاً لـ(أبوبكرالصديق) و(علي إبن أبي طالب) ولم يكن من الغريب أن تتعرض الرواية للهجوم من قبل الشيوخ ولكن رأى نجيب أنه من الحكمه عدم الخوض في هذا الصراع.
ترجمت هذه الرواية للغات عدة وقوبلت بحفاوة كبيرة لدى أصحاب هذه اللغات وانتهى الأمر بنشر الرواية في مصر عام 2006 عن دار الشروق في مصر .