(رمال حلتنا) و جدوى “الكتاحة” الاقتصادية تشعل الوسائط والحكومة تنفي تصدير “تراب البلد”
تداولت بعض وسائل الإعلام مطلع العام الحالي نجاح عدد من طالبات جامعة كردفان في تصنيع زجاج عالي الجودة عبر استخدام الرمال البيضاء، وشرحت الطالبات لوسائل الإعلام الكيفية التي تم بها تصنيع الزجاج عبر أخذ عينات من الرمال البيضاء من الواحات الواقعة غرب محلية بارا والتي شملت واحات (البشيري والطويل والسريف)، وأشرن إلى استجلاب هذه العينات واجراء التحاليل اللازمة لها، وأظهرت التحاليل وجود مادة السلكا وهي ثاني أكسيد السيليكون بنسبة 99.6 %، وتمثل المادة المكون الأساسي لصناعة الزجاج.
مساء (السبت) أثار خبر توقيع الحكومة السودانية اتفاقية مع شركة (بريزما) الألمانية، لتصدير ما لا يقل عن مليوني طن من (الرمال)، بمشاركة شركة ABB الألمانية، ضجة في جميع الأوساط الاجتماعية والاقتصادية وقضت الاتفاقية الإطارية التي مثل حكومة السودان فيها ثلاث وزارات هي المالية، المعادن، والموارد المائية والري والكهرباء، بأن تقوم شركة (بريزما) بجلب معدات تعدينية تستخدم في تنقية الرمال البيضاء الغنية بالسيليكون في كل من المتمة بنهر النيل ومنطقة بارا بولاية شمال كردفان وتقدر الكميات المستهدفة من الرمال لهذه المشروعات بحوالى مليوني طن من جملة الكميات المتوفرة في السودان والتي تقدر بأكثر من 3 مليارات طن. كما نصت الاتفاقية على إضافة قيمة للرمال البيضاء قبل تصديرها بإجراء معالجات كيميائية وميكانيكية، على أن يتم تصديرها حسب سعر البورصة العالمية في يوم التصدير، ونصت ايضاً على فتح اعتمادات معززة ببنك السودان بقيمة الرمال المشحونة قبل تصديرها. وقال المدير العام لشركة الكهرباء القابضة صالح علي عبد الله إن التوقيع يعد “فتحا كبيرا للسودان واختراقا نوعيا من أجل تشييد البنيات التحتية للكهرباء بجميع أنحاء البلاد”، وأشار إلى أن هذه الرمال تتصف بجودة تعتبر الأعلى في أفريقيا وتصل نسبة السيليكون بها لأكثر من 90 %.
ووفقاً للتعريفات العلمية فإن الرمال البيضاء يختلف تكوينها تبعاً لمصادر الصخور المحلية المكونة وظروفها، ولكن المكون الأكثر شيوعاً لها في المناطق القارية الداخلية والمناطق الساحلية غير الاستوائية هو السيليكا وثاني أكسيد السيليكون، ويعتبر الرمل أحد الموارد الطبيعية غير المتجددة، ويدخل بكثرة في صنع الخرسانة وتعد ولايتي شمال كردفان وتحديدا منطقة بارا وولاية نهر النيل من أكثر الولايات الزاخرة بالرمال البيضاء.
في العام 2011 أبدت الصين رغبتها الاستثمار في مادة السيليكون المستخرجة من الرمال البيضاء بمنطقة “بارا” بولاية شمال كردفان. وكشفت مصادر مطلعة حينها عن تحرك الصين لامتلاك السيليكون وإدخاله في صناعة الخلايا الشمسية باعتبارها من مصادر الطاقة قليلة التكلفة. وأوضحت وزارة العلوم والتكنولوجيا أن القصد تصدير الرمال في حد ذاتها ونوهت إلى أن المعنى ليس تصدير الرمال في حد ذاتها إنما استخراج مادة السيليكون من رمال بارا، وأكدت على قيام الحكومة السودانية بإعداد دراسة جدوى اقتصادية للسيليكون، وقدمتها للجهات ذات الصلة. وفي السياق أكدت الهئية العامة للأبحاث الجيولوجية د. علي وجود تنسيق ما بين الهيئة والجهات ذات الصلة فيما يختص باستخراج السيليكون من الرمال. وكشفت عن وجود مناطق أخرى تزخر بمادة السيليكون أجملها في الولاية الشمالية ونهر النيل وغرب أم درمان.
وفي شهر أبريل الماضي وجهت وزارة المعادن خطابات إلى ولايتين سودانيتين، تطلب منع التصديق في التعامل مع خام “الرمال البيضاء”، الذي يُستخدم في تصنيع وإنتاج الخلايا الشمسية وبعض مدخلات الصناعة الإلكترونية. وبحسب معلومات نقلها موقع (باج نيوز) الإخباري أن وزير المعادن السابق هاشم علي سالم، أرسل عبر الهيئة العام للأبحاث الجيولوجية، خطابين إلى والي نهر النيل حاتم الوسيلة، ووالي شمال كردفان أحمد هارون، يطلب عدم التصديق للرمال البيضاء التي تزخر بها الولايتان بكميات مقدرة باعتبار أنها تندرج ضمن الثروات المعدنية التي تُشرف عليها وزارة المعادن، وعللت الوزارة سبب المنع لإجراء دراسات تفصيلية مع دولة ألمانيا بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية والري والكهرباء بغرض استغلالها في عدة أشياء، واعتبرت الوزارة أن هذا المشروع يعد من المشاريع المهمة للاقتصاد القومي.
ويرى المحلل الاقتصادي محمد الناير أن الاتفاقية التي تم توقيعها أمس الأول تصب في صالح الاقتصاد السوداني إلا أنه شدد على الجهات ذات الصلة بالعمل على الاستفادة من القيمة المضافة من الرمال البيضاء عبر تصنيع مادة السيليكون لحاجة البلاد في الوقت الراهن لهذه القيمة التي ستعمل على زيادة عائدات الدولة من النقد الأجنبي، وأشار الناير إلى أن تصدير الرمال خام سيعمل على إفقادها بعض المقومات الصناعية والتي ستستفيد منها الجهات المصدرة، مشيرا إلى أن مادة السيليكون تدخل في بعض الصناعات الهامة والتي تضم ألواح الكهرباء التي تستخدم الطاقة الشمسية وصناعة الزجاج والاجزاء الدقيقة في الإلكترونيات إلا ان الناير يؤكد في الوقت ذاته على حاجة صناعة السيليكون إلى إمكانيات وطاقة كهربائية وتكنولوجيا قد يصعب توفيرها في الوقت الراهن، مقترحا ان تقوم الدولة بتصدير كميات قليلة من خام الرمال البيضاء في الوقت الراهن على أن تستخدم عائداته في مشروعات البنى التحتية الخاص بصناعة السيليكون وإقامة مصانع خاصة بتصنيعه في الفترة المقبلة.
بينما اعتبر الخبير الاقتصادي، هيثم محمد فتحي، الرمال البيضاء ثروة معدنية لكونها من أجود أنواع الرمال في العالم، وتدخل في تصنيع الكريستال والزجاج عالي الجودة والنظارات والبورسلين وبعض الأدوات المنزلية بما يستوجب على الحكومات ترتيب وتنظيم تصدير الرمال، لافتا إلى أن المملكة العربية السعودية أوقفت تصدير الرمال البضاء حفاظاً على ثروتها المعدنية. وأشار في حديثه مع (اليوم التالي) الصادرة يوم الاثنين أنه وبقليل من الوقت والجهد تستطيع البلاد أن تكون من بين الدول المصنعة للزجاج والبلور.
وقال إن الرمال البيضاء تشارك أيضاً في تصنيع السيليكون، وأشار إلى أن الرمال البيضاء يمكن الاستفادة منها بعدة طرق، منها إنشاء مصانع وطنية والاستفادة منها من خلال تصنيع منتجات زجاجية متنوعة، بالإضافة إلى جذب مستثمرين وطنيين وأجانب لإقامة مصانع توفر فرص عمل.
وأكد فتحي على أن الرمال السودانية من أجود أنواع الرمال البيضاء في العالم ويتراوح سعر الطن منها 100 – 200 دولار للطن، وفي حال تحويله إلى أدوات زجاجية يصبح الطن في حددود 1000 دولار وعند تحويله إلى سيليكون نقي تصبح القيمة 10000 دولار للطن.
وسوف يتم تصنيعها في الدول الغربية والصين، منوها إلى استخدامها في تصنيع الخلايا الشمسية ومن الممكن أيضا أن يتحول إلى سيليكون وحيد البلورة، وفي تلك الحالة يصل سعره إلى 100.000 دولار للطن، وتستخدم في تصنيع الرقائق الإلكترونية.
الخرطوم (كوش نيوز)