رسالة عتاب
لا تندم على حب صادق أحببته، أو معاملة مخلصة عاملتها غيرك، ولا تندم على فعل خير قمت به، حتى ولو تبين أن من قدمت له كل هذا لا يستحق شيء منه، لا تحزن على ذلك ولو أصبح ذكرى مؤلمة، وتأكد أن ما تزرعه لابدّ وأن يأتي يوم تحصده، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فإن ذبلت الزهرة وأصبحت شوكاً، فلا تنسى أنها قد متحت عطراً فواحاً ونسيماً عليلاً، أسعدك وتمتعت به.
وأيضاً لا تقطع كل الطرق المؤدية إلى الصلح، ولا تحطم كل الجسور، فقد يقدْر الله اللقاء يوماً، ويعود ما مضى، ويتصل ما انقطع، ويزهر ربيع العمر ثانية، وتطل الحياة ببهجتها ووجهها الباسم عليك، بعد سنوات القطيعة والبعد؛ إذا قررت يوماً ما أن تترك صديقاً أو حبيباً، فلا تتركه والجروح تبطش في قلبه، والألم يعصف في جسده؛ لأنه في يوم من الأيام مكنك من قلبه، واهداك فؤاده، أبعد كل هذا نردّ له صنيعه بسهماً يغرس في فؤاده.
وإن كان ولابدّ من الفراق والابتعاد، فلا تذكره إلا بخير، ولا تتذكر إلا جميل الأيام التي عشتماها، وحسن الصحبة، وطيب السيرة، فما كان يوماً بينكما من الحب والإحترام لابدّ وأن يحترم، وإلا فما فائدة العواطف والقيم الإنسانية، بل ما فائدة مشاعر الإنسان.
وحينما تجلس وحيداً تائهاً مبعثراً بين ذكرى الأيام، بين الضحكات والهمسات، فلا تذكر إلا الطيب من الكلام، لا تذكر إلا صدق العبارات، ودعك من مشاعر الألم والأسى؛ ذلك لأنها لن تعيد غائباً، ولن تحيي ميتاً؛ عندما تجلس تذكر الصور الجميلة، تذكر مواساته لحزنك، وفرحه لفرحك، وتذكر ما استفدته من خلال صحبته ومرافقته، واستخلص العبر والدروس من التجربة.
إذا شاء القدر يوماً وفرق بينكما، فلا تفشي سره، ولا تخرج شيء مما يكره أن يخرج، واحفظ الود الذي كان بينكما، وكن نعْم العشير الذي لا يخون ولا يغدر، فهو ما ائتمنك على سره إلا لحسن ظنه بك، ولإيمانه بأمانتك وإخلاصك، فلا تشوه صورتك أمام الآخرين، ولا تخن عهدك ووعدك لمن كان في يوم ما كل شيء في حياتك بالنسبة لك، والحب أخلاق قبل أن يكون مشاعر.
وإذا شاء القدر واجتمعتما يوماً، فلا تبدأ بالعتاب، ونبش أوجاع الماضي؛ فالذي فات قد فات، والذي ذهب قد مضى وانتهى، فلا فائدة الآن من اللوم أو العتاب، بل هي فرصة لعودة الود والحب، ابدأ من آخر لحظة حب كانت بينكما؛ فلحظة اللقاء أجمل بكثير من ذكريات وداع موحش.
لا تحاول البدء في تصفية الحسابات؛ فتصفية الحسابات سلعة رخيصة في سوف المعاملات العاطفية، والثأر ليست من أخلاق المحب، فلا تجعل من نفسك فارسا بلا حصان، وبلا أخلاق. وإن وجدت أن جميع الأبواب قد سدت، وجميع السبل قد تقطعت، وكل الطرق قد أغلقت، وأنه ليس هناك للعودة من سبيل، وأنه قد أغلق ذاك الباب بمفاتيح ألقاها في سراديب النسيان، ومتاهات الأحزان، عندها قف؛ لأن كرامتك أهم بكثير من فؤادك الجريح، وإن غطت دماءه كل هذا الكون الفسيح.