رسائل إلى صديقتي من الفراش الأبيض (2)
صديقتي الحبيبة.. أسعد الله أوقاتك كلها بالخير والرضا..
تغيب ملامحي في غيابة الرهق.. أُفرط في النسيان.. أمتطي صهوة صمتي وأكبو مراراً..
فتجيء لغتي عذراء بيضاء من غير سوء سوى هذه النقاط التي تعتلي الكلمة أو تنام تحت كنفها..
العينان اللتان تومضان إشراقاً وحماساً.. ها هما الآن تستكينان بهدوء تحت وطأة آثار التخدير..
أوقن تماماً أن الطبيب بذل وسعه كي لا أتألم.. غير أنه نسي أن بقايا الألم التي تأتي في النهايات هي التي تحتاج لتخدير أعلى وأكبر..
أن تتألم حتى آخر قطرة ألم في معين لا ينضب.. فهذا يعني أنك محب.. فالحب وحده هو القادر على احتمال آلاف الآلام التي ليست لجرع التخدير سلطة عليها..
فقط تغمض عينيك.. تشرق الذاكرة.. تصدر وميضاً أحمر اللون.. إشارة تدركها حواسك جيداً.. يبدأ بث الذكريات.. ينسدل الستار على السيئ منها إن وجد.. لأنك بحاجة إلى الجيد.. فقط لمزيد من الصبر والاحتمال.. لمزيد من التخدير الكامل الذي لا تليه (هضربة) العقل الباطن..
أنا الآن بكامل عافيتي.. رغم أنف هذه الأوجاع التي تكاد تطحن أمعائي.. ولسان حالي يقول (ألف فتحة بطن.. ولا ثقب في قلب البِريد)..
والحب يصنع المعجزات.. يعلّمنا أن نداري آهاتنا عن من نحب حتى لا يؤذيهم صوتها.. ثم نجبر وعينا على مداراة ما تبقى منها لأنه استطاع ذلك ذات حب..
على فراش المشفى.. والحمى تقرع جرس الإنذار.. تتوالى الصور وتتقاطع في مخيلتي..
فيطل هو..
ابتسمُ لطيفه.. فيظنني الناس على شفا حفرة من الجنون..
بطيفه فقط تستكين قواي.. تعاود كريات الدم البيضاء نشاطها مرة أخرى.. فتعود المياه لمجاريها ويطمئن الطبيب.. لا بل أطمئن أنا لأنه زارني ذات لا وعي..
الحب يا صديقتي.. بلوى وسلوى.. مرض وعافية.. صمت وقافية.. وبعض شقاء..
الدم الآن في تمام استقراره وعافيته.. بعيداً عن السموم.. بعيداً عن سيئ الذكريات..
جزء من الجسد تم استئصاله.. أجل أعي ذلك.. غير أنني بعافية ما دام هذا الجزء لا يخص ذلك الذي أحب..
بيته بخير.. إذن أنا بخير..