خالد بن الوليد
من منا يجهل سيف الله المسلول ؟ سيف الحق الذي استل من غمده طوال عمره في سبيل دينه ؟ انه خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي الذي يلتقي نسبه مع النبي العدنان ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جده السادس .
ولد خالد ـ رضي الله عنه ـ عام 592 م في كنف الأشراف ، حيث كان أبوه أحد صناديد قريش وكفارها ، رفيع الحسب والنسب ، سيد في قومه، مهيب الجانب بينهم . برع خالد منذ طفولته في فنون الحرب ؛ فكان أفضل فرسان عصره ، وتميز على أقرانه بسبب فطنته البالغة . بالإضافة إلى ذلك؛ وهبه الله تعالى طول القامة وعظم الجسد والهامة .
هذا الشجاع المقدام ، الفارس الهمام كان قبل إسلامه العقل المدبر الذي أدار دفة معركة “احد” لصالح كفار قريش ، ليحول هزيمتهم الى نصر يعتدّون به، بفضل سرعة بديهته وحنكته الحربية الفذة ، وقد شارك ـ أيضاً ـ في غزوتي”بدر” و”الخندق” ضد المسلمين . لكنه ما لبث أن أدرك ما فاته من خير وهدى في الإسلام؛ فخرج من ضيق الشرك إلى سعة التوحيد ، ومن عتمة الضلال إلى مشكاة الحق ؛ فاعتنق الإسلام بعد صلح الحديبية إثر مقولة النبي الأكرم فيه : ” ما مثل خالد يجهل الإسلام ” .
قاد القائد العسكري المحنك خالد بن الوليد الكثير من المعارك الضارية والفتوحات الاسلامية ، ولم يهزم في أي منها قط ، وقد حقق انتصارات حاسمة، وفتك بجيوش الأعداء ،والحق بهم خسائر فادحة حيث قاد حروب الردة وفتح العراق والشام، وقاد معركة مؤتة التي سطر فيها انتصاره الأعظم ضد الروم والغساسنة، بخدعة حربية فريدة وفكرة عسكرية إبداعية ، فاستحق فيها لقبه المشهور “سيف الله المسلول ” .
وحين لم يكن قائداً في معارك أخرى كان جندياً مغواراً قوياً؛ حيث شارك في غزوتي” تبوك ” و “حنين “. وفي فتح مكة كان ممن ولاهم النبي – صلى الله عليه وسلم- قيادة أحد الجيوش .
لم تكلل المعارك التي قادها هذا الصحابي البطل بالنصر عبثاً؛ فقد اعتمد على دراسته الحكيمة الواعية للتضاريس الجغرافية لأرض المعركة ، وعلى الهجوم المباغت والمباشر للعدو، والتكتيكات العسكرية الناجحة ، ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي المتقن، واعتماده على شن الحرب النفسية ، ومهارة الكر والفر في ميادين القتال، كل ذلك أدى إلى إثارة رعب دفين في نفوس جيش الأعداء تجاه خالد، فكان أسطورة في خوض غمار المجد، حتى كاد المسلمون في عصره يفتنون به قائداً تلتصق به أبهة النصر .
تغنى الشعراء بالصحابي الجليل خالد، وببطولاته وصولاته في المعارك، ولاقت شخصيته المرموقة احتفاء في الأعمال الأدبية والتاريخية تحليلاً وسرداً ونقداً، كذلك جسدت شخصيته إعلامياً في بعض الأعمال الفنية العربية والإنجليزية غير مرة ، ولا زال الغرب إلى اليوم مبهوراً بهذا القائد العسكري العبقري، يدرس مهاراته التخطيطية الحربية وبراعته القتالية النادرة .
مات خالد عام 642 م فبكاه المسلمون أشد البكاء بما فيهم الفاروق العادل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- فقال فيه: ” على مثله تبكي البواكي ” . مات ـ رضي الله عنه ـ على فراشه تاركاً فرسه وسيفه أثراً عظيماً يحكي بطولة جهاده في سبيل ربه ونصرة دينه .
مات سيف الله المسلول خالد ، ولازال إلى اليوم خالداً فينا نجماً ساطعاً في ساحات البطولة والافتداء ، فهنيئاً لنا ، إنه لتشريف مجيد أن يحتضن تاريخنا العربي والإسلامي العريق علماً قوياً فطناً مثله ، فمن يزخر تاريخه بخالد سوانا؟