حياة حسان بن ثابت
انتشرت ظاهرة الشعر قبل الإسلام ، وبقيت الحالة عليه حتى بعد ظهور الاسلام ، فالنبي صل الله عليه وسلم لم يعاقب من تحدث بالشعر ، بل أحب الشعر ، وأحب أن يكون الاسلام زاخراً بالشعراء الذين يتغنون بالدين ، ويدعون إليه بالطريقة التي يحبها الإنسان ، من خلال سرد الكلمات اللطيفة في حسن الدين ، وسماحته ، مما يحبب الخلائق به أكثر فأكثر ، وكان من بينهم حسان بن ثابت ، ذلك الصحابي الذي اشتهر بتقربه من النبي ، وحبه له ، وعشقه الدائم لقربه ، فكان حسان يحب أن يلازم الرسول ، ويجلي بجواره ، ويسانده في كل الأمور التي يقوم بها النبي صل الله عليه وسلم .
ولما اشتد الخناق على النبي وأصحابه في مكة المكرمة ، لم يتوقف عن الدعوة للدين بلسانه ، وبيده ، فأحبه النبي ، وقربه منه ، وجعله شاعره على الدوام ، ولم يكتف بذلك بل حظي باهتمام العرب والمسلمين ، حتى بعد موت النبي ، ومرور مئات الأعوام على موته ،بقيت أشعاره من أجمل الأشعار التي نشدت في عهد الدعوة الاسلامية ، وبقيت محافظة على رونقها ، فهي تحمل الطابع الجمالي الخالد ، الذي اهتم به شعار الجاهلية ، وشعار الاسلام على حد سواء ، ولم يكن من الممكن أن يكون حسان بن ثابت هو شاعر الرسول ولا يحظى شعره باهتمام الناس جميعا على حد سواء.
كان موقف حسان بن ثابت واضحا تجاه الدين ، وله العديد من الأشعار التي تناول فيها مختلف أشكال الحياة التي لم يكن يعهدها قبل الاسلام ، فأقبل على ترك الفتن والمعاصي التي اعتادها أهل العرب قبل الاسلام ، وبقي محافظاً على دينه مخلصاً له ، ومتفانيا في عمله ، وكان لا بد من الوقوف وجها لوجه في سبيل الدعوة الاسلامية مع الأعداء ،فعمل على استقبال الذين هاجروا مع النبي ، وأسكنهم ، وأمن عليهم ، رغم أنه لم يكن كبيراً في السن كما يعتقد الكثيرين ، وبقي على هذا الحال حتى انتشر الاسلام ، واتسعت أركانه .
استطاع حسان بن ثابت أن يكتسب الشعبية التي حظي بها عنترة بن شداد من قبله ، فراح يهيم في الأرض بعد وفاة النبي صل الله عليه وسلم ينشد الأشعار ، ويتغنى بروعة الاسلام ، وميراث النبي صل الله عليه وسلم ، وبقى كذلك حتى توفي رحمة الله عليه .
ويعد حسان بن ثابت من قبيلة الخزرج ، التي اشتهرت بقتالها الشديد ، والعنيف مع قبيلة الأوس ،ولما كان النبي فيما بينهم ألف بين قلوبهم ، ورحمهم رحمته ، ولم يكن من الممكن الاستعانة بغير النبي صل الله عليه وسلم .