حب لا يموت
[size=تقاعد مبكر][color=مسن]حبٌ لا يموت[/color][/size]
[size=تقاعد مبكر][color=مسن]كان صالح فتى صغيراً قوي البنية ويتمتع بحيوية ونشاط ، يعمل مع أبيه في مزرعتهم الصغيرة في إحدى قرى القصيم ، وفجأة بدأ يتضجر ويشعر بالضيق والملل من العمل بالمزرعة ، فقد تولد لديه إحساس بأن مستقبله مرهوناً بالعمل في هذه المزرعة مع أن لديه شعور عميق بأن العمل بالمزرعة ليس هو طموحه ، أو سوف يلبي تطلعاته المستقبلية .. لذا كان خائفاً من أن تكون المزرعة مقبرة لكل طموحاته ، وتقف عقبة في الحصول على الجاه أو المال، فيصبح مثل والده يكدح من الصباح حتى المساء بالمزرعة ، ولولا المساعدة المالية التي تحصل عليها عائلته من شقيقه عبد الله والذي يعمل بمكة المكرمة لكان هو وأسرته في فقر مدقع ..
يا لحظ أخيه الطيب ، هو يعمل هناك ويكسب وارتاح من هم المزرعة وصرامة الوالد .
وبدأ يفاتح أمه برغبته في اللحاق بأخيه عبد الله في مكة . وأكد لها أنه يريد أن يعمل معه ومن ثم يرسل لهم ما يكسبه من نقود،لأن العمل هناك أجدى وأفضل من العمل بهذه المزرعة المتواضعة ذات المردود البسيط جداً والجهد المضني حيث تأخذ كل وقتهم. ولكن أمه كانت دائماً تثنيه عن ذلك وتقول إن أباك في حاجة ماسة إليك فلا تدعه لوحده ، فقد كبر وضعف ولا تفاتحه بهذا فهو متعلق بالمزرعة كثيراً ويرى فيها حياته، لأنه يعمل بها مع والده منذ أن كان طفلاً صغيراً وقد أخذ عليها حتى أصبح يرى أنه جزء منها .
لقد نفذ صبر صالح ولم يعد يحتمل الصبر وأخذ يظهر التبرم والضجر لوالده ، فكان كثير التفكير فيما يمكن عمله ليقنع والده بالسماح له بالسفر .. وفي نفس الوقت هو كثير التفكير بمنيرة بنت الجيران .. هذه الفتاة الحسناء والذكية والتي بها من اللطف والرقة الشيء الكثير و كلّما كبرت ازدادت جمالاً وبهاءً . لقد أصبحت قليلة الخروج من الدار وأخذت تلبس غطاءً للوجه، وإن كان الغطاء عنه غير محكم تماما .وقد كانت منذ فترة قريبة تلعب معه ومع أخته رقية، وكثيراً ما كان يذهب وإياها سوياً للساقي، ساقي المياه بالمزرعة ويساعدها في كل ما تحتاج إليه. على اعتبار أنها جارتهم ومن حقه أن يعتني بها جيداً ويساعدها .لكنه اكتشف أن هناك شيء يختلج في صدره نحوها وازداد هذا الشعور نحوها عندما احتجبت .أصبح يفرح كثيرا إذا رآها ويُسرُّ أكثر لو تكلم معها، ويسعده أن يخدم والدتها في أي شيء تطلبه منه رغم أنه لا يطيق والدتها فهي إلى جانب أنها دميمة فهي دائما مقطبة حاجبيها ولها لسان سليط .
كان يعرف أن الفتيات يتزوجن وهن صغيرات السن وسوف يأتي من يتقدم لخطبتها ليتزوجها. وهنا يشيح بنظره بعيداً. لا يريد أن يفكر في هذا الموضوع .. ولكنه يضطر للعودة إليه ليفكر فيما يمكن أن يفعله تجاه هذا الموقف لو حدث .. يجب أن يحدثها في ذلك ويأخذ وعد منها بأن تنتظره ولا تقبل أي شخص يتقدم لها.
ها هي تخرج من بيتها وهي تحمل بعض الأواني لتغسلها على ساقي الماء فيسارع بتحيتها ويحمل الأواني عنها ويذهب معها للساقي ويساعدها في غسل الأواني ، ويقول لها قرّرت أن أسافر لأعمل ولكنني قلق أخاف أن يتقدم أحد الأشخاص ويطلب يدك وتعرفين مدى معزتك وغلاك عندي ، فهل تعديني أن تنتظريني حتى أعود ومعي المهر والهدايا لأتقدم للزواج منك ؟ لم تجبه ولكن تبسمت وظهرت على وجهها علامات الرضا و السعادة وإن حاولت أن تخفيها. أخذا يتحدثان عمّا يستطيع أن يقوم به من عمل والمدة التي سوف يمضيها هناك ، وكانا أثناء ذلك قد وضع كل منهما قدميه في الماء ويحركها بسعادة. وفجأة أتت والدة منيرة على حين غرَّة ، فكالت لصالح السباب وهمّت بضربه ولكنه فرّ منها وأخذت ابنتها للمنزل لتؤدبها .
حاول صالح أن يشرح لها ، ولكنها لم تعطه الفرصة ، بل هددته إن أمسكت به فسوف تضربه .ثم ذهبت إلى منزل صالح وشكت لوالدته وهدّدت بأنها سوف تشكو للأمير إن لم يردعوا ابنهم عن ابنتها .
وعند عودته للمنزل عاقبه والده عقاباً أليماً ، دون أن ينتظر ليسمع منه القصة ويفهم الموضوع . شرح لوالدته أن سبب جلوسه معها ليودعها إذا ما قرّر أن يسافر .
ـ كن مطمئنا فلن تسافر
ـ لو بقيت هنا طول عمري فلن أجمع مهرها
ـ كما زوجنا أخيك فسوف نزوجك فلا تقلق
ـ أنا لا أطمئن لوالدتها فلما لا نخطبها من الآن
أجابته مبتسمة: خطبة منيرة، ليس هذا وقته الآن، وأنت وهي لم تبلغا العمر المناسب للخطبة والزواج، ودع عنك مثل هذه الأفكار الآن .
[size=تقاعد مبكر][color=مسن]أخذ صالح يفكر جديا في السفر إلى مكة ولو مشيا على الأقدام. وذهب يسأل بعض من يعرفهم من كبار العمر عن السفر لمكة وتكلفة السفر. كانت الإجابات غير سارة فهو لا يملك تكلفة مصاريف السفر، والمسافة طويلة جدا ثلاثون يوما على الجمال. وبدأ عليه الإرهاق والتعب في العمل من أقل مجهود يقوم به. فقام باخبار والده برغبته في اللحاق بأخيه ، وأنه لم يعد يستطيع العمل بالمزرعة أو الاقامة في القرية فوعده والده أن يحقق له أمنيته ..فتحسنت صحته ونشط .. وأخذ يخبر كل من يعرفه عن سفره حتى منيرة استطاع أن يخبرها مخترقا الحصار الذي فرضته والدتها عليها .[/color][/size]
[size=تقاعد مبكر][color=مسن]
في يوم الجمعة استحم ولبس ثيابا جديدة كان قد أرسلها له أخوه عبد الله، فبدا وكأنه ابن أناس أغنياء ولفت الانتباه إليه .. حتى أن منيرة أعجبها لبسه وهيئته، فقد كان مدفونا في ثياب المزرعة والتي صار لونها مثل لون التراب. وبعد صلاة الفجر انطلق مع والده رديفا له على حمار لهم إلى مدينة عنيزة . وفي سوق المجلس، وهو السوق الرئيسي ذهب والده لمتجر الشيخ يحيى حيث تعود على شراء احتياجاته منه .. كما هي عادته منذ سنوات .. وطلب منه أن يجهز له بعض الأغراض وسأله عن موعد القافلة المتجهة إلى مكة فقال : غادرت فجر هذا اليوم وهناك قافلة أخرى ستغادر في الاسبوع القادم.
ـ ولما تسأل عن القافلة ؟
ـ رغبة صالح بالسفر لمكة للحاق بإخيه ليعمل معه .
ـ إن كان من أجل العمل فأنصحك أن يسافر ابنك صالح للمنطقة الشرقية فالوظائف فيها كثيرة والرواتب ممتازة.
ـ ولكننا لا نعرف أحدا هناك !
ـ ابني محمد يعمل في شركة أرامكو وسوف يسافر مع عائلته بعد صلاة العصر بسيارة لوري ويمكنه مرافقته وسوف يسعى لتوظيفه.
تردد الوالد ولكن أمام إلحاح صالح وافق على تغيير وجهة السفر لتكون للمنطقة الشرقية. وبعد صلاة العصر سافر صالح مع محمد اليحيى إلى الظهران، وبعد وصولهم ذهب به محمد لقسم التوظيف بالشركة .. و جلس في انتظار قبوله، وأثناء ذلك أتي مهندس أمريكي يريد عامل لورشة السيارات فاختاره من بين المتقدمين للعمل رغم صغر عمره فقد كان في السادسة عشر .
كان في الورشة مجتهدا ويتفهم العمل بسرعة حتى حاز على إعجاب رئيسه فقربه منه. وأصبح يكلفه بأعمال ميكانيكية صعبة بعض الشيء فيؤديها بإتقان ويأخذه معه في إصلاح السيارات والمعدات المتعطلة خارج الظهران وعلمه قيادة السيارة.
بعد مضي عامين أخذ إجازة قصيرة لزيارة عائلته . اشترى هدايا كثيرة ولم ينسى منيرة وكذلك أمها. وصل إلى البلدة، ففرحت عائلته بقدومه كثيراً حيث قدم الهدايا لكل أفراد العائلة وقدم لوالده رواتبه التي جمعها خلال العامين فأصبح راضيا كل الرضا عنه. هناك هديتان ثمينتان كان يعتني بهما وطلب من أخته رقية أن تقوم بتوصيلها لمنيرة وأمها .. وقامت فعلا بتسليمها لهما. وسرعان ما أتت إليهم أم منيرة تهنئهم على سلامة وصول صالح وتشكره على الهدية القيمة لها ولابنتها.
وعندما قرر العودة لعمله قابلته منيرة عند الساقي وصافحته، مما جعله يطير من الفرح والسعادة .. وبشرها أنه يعمل ويكسب الكثير وسوف يجمع مهرها قريبا بإذن الله وعليها أن تنتظره .. فوعدته بذلك .. وودعها .
عاد صالح للظهران وانهمك في العمل حتى أصبح مساعد ميكانيكي بامتياز وأصبح يكلف بمهمات عمل للربع الخالي جنوبا وإلى الخفجي شمالا .
وبعد عامين أيضا، أخذ إجازة وقام بزيارة بلدته فقد كان بشوق عظيم لها (وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار) وعندما وصل وجد أن أخيه عبد الله قد سبقه في الوصول إليها ليأخذ والده ووالدته وشقيقته إلى مكة من أجل الحج , فرح الجميع بقدومه فقدم لهم الهدايا وأتت منيرة ووالدتها للسلام والتهنئة بسلامة الوصول .وهذا كان له الوقع الطيب في نفسه واعتبرها موافقة ضمنية من الأم على الزواج وقدم أغلى وأثمن الهدايا لها ولأمها .. وتمت خطوبة منيرة واتفقوا أن يكون الزواج في العام القادم .
وما هي إلا أيام وغادرت اسرته للحج وكان والده غير راض عن هذه الخطوبة وبوده لو يصرف ابنه النظر عن الزواج من منيرة ولكنه وجده متعلق بها مما دعاه للسكوت .طلبت أم منيرة من صالح أن يشتري لها أغراضاً كثيرة من الدمام وأنها سوف تدفع ثمنها إذا ما أحضرها .
عاد صالح للظهران وأخذ يعمل ويكدح .. احتاجوا لسائق لأحدى المعدات ، وبشرح بسيط من رئيسه والذي كان يثق به كثيرا قام بقيادة تلك المعدة من الظهران إلى رأس تنورة بكفاءة ومقدرة ثم أصبح يقوم بقيادة معدات أخرى أو العمل عليها إلى جانب إصلاح السيارات والمعدات . ورغم أن عمله في السيارات والمعدات إلا أنه كان يعتني كثيرا بمظهره ونظافة جسمه ولبسه وخاصة بعد العمل.
ووصل أخاه عبد الله إلى الظهران ليخبره بوفاة والده بمكة وزواج أخته وأنه يود العمل معه في الشركة .. رحب بأخيه واستطاع أن يجد له وظيفة مناسبة بالشركة .
بعد عام ونيف من العمل المتواصل وبعد أن استعد تماما بجمع مهر تستحقه حبيبته ويرضي أمها كثيرا أخذ صالح إجازة من أجل الزواج وسمح له رئيسه بالسفر بالسيارة الجيب الخاصة بتنقلاته لكي يسافر عليها ويعود بها مكافأة له على جدارته وإخلاصه في العمل .وأنطلق لبلدته بعد أن اشتري جميع أغراض الزواج والهدايا وما أوصته به أم منيرة يرافقه في الرحلة أخوه عبد الله ..
[size=تقاعد مبكر][color=مسن]الجزء الثالث والأخير
وصل صالح البلدة وكانت ساعة وصوله بالسيارة ساعة مشهودة فقد تجمع الناس حولها وخاصة الأطفال الذين تابعوها حتى وصولها للمنزل , وأخذ الجميع يتحدث عن وصول صالح وأخيه بالسيارة وربما البعض منهم كانت هي المرة الأولى التي يرون فيهاسيارة.
حضر الكثير من أقاربه ومعارفه مسلما ومهنئا بسلامةالوصول ..أرسل شقيقته إلى أم منيرة ومعها كل الحاجيات التي طلبت منه شراءها , ولتبلغها الاستعداد لحفل عقد القِرآن والزواج
لم تجد الأم ولكنها وجدت منيرة والتي فرحت ورحبت بهاوطلبت منها الانتظار وانطلقت لأمها التي كانت عند إحدى قريباتها وعادت بها سريعا للمنزل حيث رحبت برقية واستلمت منها الحاجيات ، وقالت نحن جاهزين وليس لدينا أي شروط أو طلبات والذي تقدموه مهراً لمنيرة هوخير وبركة .. وغدا بعد صلاة العصر سيكون عندنا كتب الكتاب وحفلالزواج سيكون عندكم في المساء.
كان ترحيب أم منيرة بها لافتا .. وكانت تردد نحن أهل ونحن أسرةواحدة
.. وبعد صلاة العصر وصل صالح برفقة أخيه ومعه إمام المسجد وكان في استقبالهم خال الفتاة .. وكانت قد سبقتهم في الوصول أمه وأخته رقية .كانت الفرحة لا تسع صالح وهو يدخل دار منيرة والكل يرحب به ويستقبله أحسن استقبال ..
تُعدُّ هذه الخطوة ، الخطوة الأولى لعش الزوجية لأنه سوف يضمه هو ومنيرة بيت واحد ، يعيشان تحت سقفه هناك في الظهران ، كما أن منيرة كانت سعادتها غامرة ، فهي تعرف مقدار حب صالح لهاوأنه سوف يتفانى في اسعادها والحرص عليها .
بدأ إمام المسجد في إجراءات عقدالزواج وهنا أتت امرأة عجوز وهي تصيح : لا حرام .. ما يجوز هذا حرام .. حرام عليكم .. أوقفوا هذا الزواج .. خافوا من الله وأوقِفوا هذا الزواج .. !تفاجأ الجميع بهذا الكلام ، وتابعت العجوز الكلام وقالت إن صالح هو أخ لمنيرة من الرضاعة. صاحت أم صالح وهي مذهولة أنا لم يسبق لي إرضاع منيرةإطلاقا!فردتالعجوز أنا أرضعتهم الاثنين ، وأنا رأيت بعيني أم منيرة وهي ترضع صالح ..وهنا خرج الشيخ والشهود.. وقالت أم منيرة أنا حاسة إنه ولدي ولكن كنت غير متأكدة ..وأسأل الله أن يجازي هذه المرأة بكل خير فقد ذكرتني وأكدتلي ذلك الآن
..تعالي يا منيرة سلمي على أخيك صالح .. خرج صالح مسرعا لا يريدأن يمر بهذا الموقف الصعب , وبكت منيرة بكاءً مرَّا.
ردت أمص الح قائلة لها :
ــ أعيدي لنا المهر ما دام خربتي الزواج ..
فردت عليها أم منيرة: فليأتي صالح ويأخذ المهر من أخته ..
ــ حسبي الله عليك .. خافي من الله أكلت كل حلاله وشقاه ، ألم تكتفي بالهدايا والوصايا والآن تريدين أن تستولي على المهر والجهاز ؟
ــ نحن لم نأتي إليكم بل أنتم الذين أتيتم إليناوالحمد لله فقد طلع صالح ولدنا .. ما سوينا منكر ..
ذهبت أم صالح إليه ووجدته يبكي ويتألم ويعض على أصابعه من القهر ..وقالت له لا تحزن ولاتقهر نفسك .. خذ منهم مهر الزواج وسوف أزوجك أحسن بنات البلدة .. ولم يرد عليها بشيء سوى دعوني الآن.
وكان أخوه عبد الله مصرا على استرجاع المهروالهدايا ..ولكن صالح قال دعوهاتأخذ كل شيء من أجل خاطر منيرة ،ولا أريد أن أدخل في مشاكل مع أم منيرة فأنا متأكد من حب منيرة لي وهذه مكيدة من أمها
..فرد عليه أخوه وحتى لوسلمنا بكذب العجوز فالناس سوف تنسج حولكم القصص وتلحقكم الشماتة لو تم الزواج .
.لم يستطع أن يقيم بالبلدة فقرر السفر والعودة إلى عمله حالاوغادر وحيدا لأن أخيه عبد الله استأذنه في البقاء لبعض الوقت في البلدة
في الظهران وجد صديق والده صاحب المتجر يحيى والذي وصلها برفقة ابنه محمد لعلاج مرض أصاب عينيه بمستشفى شركة أرامكو . وقص صالح خبر ما حصل له أثناء عقد القِران أخذ الرجل يطيب خاطره ويهديه وقال يحيى : اعتبرها الآن أختك وأنسى أنك أحببتها لتكون زوجة لك فهذا شيء لم يكتبه الله،والخيرة فيما اختاره الله.، وصدقني هم الخاسرون .. وأنا والله أعجبت بك منذ أن رأيتك مع والدك ، فقد كان يبدوعليك الطموح والذكاء وأرى المستقبل كل المستقبل أمامك، فكن قويا كما كنت ولا تهزك هذه المشكلة.
ارتاح صالح لكلام هذا الرجل الحكيم … وهنا عرض يحيى عليه تزويجه بإحدى بناته إن أراد ذلك .
فأعتذر له.. فقال الرجل: بنتي ليست رخيصة ولأنك رجل شهم فقد رغبنا فيك لأننا نشتري رجلاً. وفكِّر بالأمر وخذ وقتا كافيا للتفكيرونحن جاهزون في أي وقت تراه مناسباً لك .
عاد صالح لعمله ولكنه لم يعد يعتني أو يهتم بنفسه كما كان سابقا ، فساءت حالته وتغيرت هيئته فبعد أن كان جميل المظهر، مشرق الوجه لمّاح أصبح الشعر يغطي وجهه ولا يعتني بشعر رأسه بعد أن كان يعتني به ويمشطه ويسرحه ، بل وأصبح لايهتم بنظافة ثيابه ، فقد دخل في أزمة نفسية تجعله ساهماحيرانا وكثيرالتفكير ..
وقد حاولت والدته وأخيه تزويجه من أخرى ولم يجدي ذلك معه نفعا ..وعلم أن أم منيرة ماتت بعد أن عانت من ضربة على الرأس من لص سطا على البيت وسرق ما فيه من أموال ..حزن على ذلك حزنا شديدا لأن المتضرر من موتها وسرقتهاهي منيرة وأرسل إلى والدته أن تقوم بزيارتها والوقوف بجانبها ومساعدتها بكل ما يلزمها .. وأتى الرد سريعا إنها قد تزوجت من أحد أقاربها..
جلس عدة أيام يفكر في هذا الزواج وهو ينازع نفسه بين راض وغاضب ..وأخيرا ذهب لصديقه محمد مبديا موافقته التامة على الزواج من إحدى شقيقاته والتي سبق لوالده أن عرض عليه ذلك,وتم الزواج سريعا .
وكانت المفاجأة وهي حضور منيرة وزوجها لحفل زفافه .. وقالت له: بما أنني أصبحت أختك فلا يجب أنأقاطعك أو أن تقاطعني فأنت أخي ولن ألوذ لأحد بعد الله إلا إليك فشكرها وهو لايدري أهي بكلامها هذا نكأت على الجرح أم دملته .. وهل يقبل بها أختا .. وهو يعرف في قرارة نفسه أنها كذبة مدبرة من أمها ..
في حفل زواجه لبس ملابس جديدة وغالية ولكنها لم تستطع أن تخفي ملامح حزن عميق ووجه لفتحه الشموس المحرقة حتى أصبح قريبا من السواد وجسم ناحل هده الحزن والألم والجهدوعدم الاهتمام بتغذية نفسه وراحته ..
وبدأ صالح حياة جديدة مع زوجته و قررت أن تعمل جهدها لتنسيه همومه وتعمل على تغذيته وإصلاح حاله .
لم يعد صالح يرغب إطلاقا في زيارة بلدته ففيها أماكن عديدةتذكره بمنيرة وهو يحاول أن ينساها .. وبدأ يولي زوجته وأولاده بعض اهتمامه .
وبعدانتهاء خدمته بالشركة انتقل ليسكن في بلدة بعيدة عن بلدته لعله ينسى كل ما يربطه بها من ذكريات حبه افتتح ورشة لإصلاح السيارات ومضخات المياه واشتهر فكان العمل لديه لا يتوقف والدخل جيدا رغم أنه لا يهتم لمن لا يدفع له فاستغله البعض , وأحيانا يهمل العناية بملبسه ومظهره رغم تنبيه زوجته وقد يعضِّ أصابعه من حيث لا يشعر ..
أحست زوجته بأنها لم تستطع امتلاك قلبه .. ولكنها رضيت بالعيش معه من أجل أولادها ورغم هذا فالرجل لم يخلوا من الخلق الحسن والكلام الطيب والحكمة.
تُوفيت والدته وتوفيت منيرة فحزن لوفاة منيرة أكثر من حزنه على وفاةوالدته .
فقد أخبرته شقيقته إن منيرة تعرف من قام بضرب أمها عندما قاومته ولكنها لم تبح به لأحد,وما هذا إلا إكراما له .
وجد نفسه يزور بلدته ويزور قبرها ويمضي الساعات وهويبكيها ويدعولها .. ويرتاح للأماكن التي كان يلعب ويلهو بها معها رغم أنها أصبحت متهدمة وأشجار مزرعتهم ميتة.
لقد ترك أبناءه يديرون العمل بدلا منه وأصبح يحب الترحال رغم كبر سنه بدعوىزيارة أبنائه أو أحفاده وتعرض للعديد من الحوادث المميتة ولكنه دائما يخرج منها سالما أو يمضي فترة بسيطة بالمستشفى .
لقد تجاوز عمره الآن التسعين عاما وهده الكبر وأصبح أسير فراشه يحاول جاهدا أن يكون جالساو يرغب في الوقوف ليموت واقفا كالأشجار .. ولكن جسمه لا يساعده على ذلك لقد نسي أشياءوأسماء كثيرة ولكنه لم ينسى اسم منيرة