لا شيء يدعو للفرح، لا تفاصيل في هذه الحياة تعطي الأمل بمواصلة الطريق، هل سألنا الناي متى فرح، هل سألنا لماذا أحال العود أوتاره أحبال مشانق للعشاق.
حزينٌ أنت يا عاشق، حزينٌ أنت يا واله، يا آملًا في مستحيل، يا ساهر الليل الطويل، هوّن عليك حزنك، وأطلق لنفسك العنان في البكاء، دعهما نهرًا شلالًا، نهايتك تؤول إلى النسيان، وشوقك نهايته إلى بحر الدموع الذي تستبق به الأفراح.
ثبت بأنّ الليل أبو النهار، وأنّ الحزن أبو الفرح، من هذا الذي لا ينتظر الليل، هل بقي من أحدٍ سوى الأطفال من ينتظرون الليل للنوم، للحلم بيوم جديد جميل، كم ساذجون، سيأتي اليوم الذي يترحمون فيه على سذاجتهم التي وفرت عليهم الكثير من الأحزان.
هل تعلمون أنّ الماء يبلغ ثلثي الأرض؛ لأنّ الكائنات بذلت دموعها قرابين لإله الحزن حتّى أغرقوه في بحر الدموع، العيون عندما تتفجر من باطن الأرض لا تفعل ذلك إلّا بعدما تفيض الأرض بهمها، وتنجح في إيصال دموعها لسطح الأرض قبل أن تستحيل المياه بركانًا من غضب ينفجر بلا رحمة.
القمر في أصله معتم، والشمس في أصلها نار وانفجار، باقي الكون ليس إلّا عتمة، الأصل في الأشياء ظلامها، وعتمتها، وما بهاؤها إلّا تصنع وتكلف، سرعان ما يكشفه العارف بحقيقة الأشياء وكنهها.
إذا كان ما زال من متفائل في هذه الحياة، فليخبرنا عن شوك الورود التي ما ملّ وهو يتغزل بها كيف فعلت بأنامله، فإنّ من يرى الخضرة في الشجر، ينسى أو يتناسى أن لها خريفًا، ومن يرى الشمس في الصباح يغفل أو يتغافل عن الشفق وقت الأفول، حتّى أن بعضهم يأسره مشهد الأفول كأنّه باعثٌ للفرح، عجيبٌ أمرهم.
ترانيم النجاح مثقلة مكررة ساذجة، بينما النحيب ينسج أفضل موسيقى وأعذب لحن، وحدها الآه أفضل مقطوعة على الإطلاق، فكيف للمتفائل أن يرى تفاؤله في كوب ماء ناقص، كيف له أن ينسج الأمل على شفا حفرة، ينسى أنّ نهايته المهالك، وأنّ الحفرة التي ينسج لها شعرًا، سيسقط فيها ونسمع صدى صوت صراخه وهو يهوي من دركةٍ إلى دركة، حتّى يصطدم ببعض ماءٍ في القاع ما تلبث إلّا أن تحيل عظامه هشيمًا.
سيأتي حينها أحدهم ليقول إنّه وصل إلى الماء في النهاية، وأنّه حقّق حلمه، ووصل الماء، ولامسه واحتضنا بعضيهما، وتعانقا، ومن ثمّ مات، تبًا لهذا الفتات من الرفات، تبًا لبائعي الوهم على طرقات المدينة، ولشارين تعاسهم بأبهظ الأثمان وأغلاها سعرًا.
أعزائي الواهمين تريثوا، فالحزن يجمعنا إذا عزّ الفراق، الحزن مرآة التفرق والنفاق، والليل يكشف كل من بالدمع فاق، يا حزننا يا واحة شرفت بشوق الأشقياء، يا طاقة للتشاؤم أسرجت السماء، لا لن يضاء لنا طريق الفرح يومًا، فالحزن يعرف أهله، والفرح في ليلي غباء.