تعريف الأسرة ووظائفها
الأسرة والمجتمع
تَعتمِد قوَّةُ المجتمعِ ومَنعَته على بنائِهِ القويمِ وتَماسُكِهِ المَتين، ثمَّ على الطَّبيعةِ التي بُنيت بها مُكوِّناته، وتُعدّ الأسرةُ أوَّلَ أدواتِ الوصولِ إلى بناءِ المُجَتمعِ ثمَّ تطوُّرهِ وترابطه؛ فهي الحَجرُ الأساسُ في تكوين المجتمعاتِ ونشأتها، وتَكمُن أهميَّةُ الأسرةِ في كونِها مَطلَبٌ غريزيٌ يُلبِّي حاجةَ الأفرادِ الفطريَّةِ ويُكمِّلُ بشريَّتهم، فَهيَ المُكوِّنُ الآمنُ لتحقيقِ الاستقرارِ النَّفسيِّ والرَّوحانيِّ، والضَّمانُ الأمثلُ لتنميةِ القِيمِ وحفظِ الاأنسابِ والحقوق، وفيها إشباعُ النَّزعةِ نحو الأمنِ والسُّكونِ والاستقرار الوجدانيّ والذاتيّ، ومنها صلاحُ المجتمعِ أو فساده؛ فهي النَّواةُ المركزيَّةُ النَّاظمةُ لتكوينِ المجتمعِ وتحديدِ هويَّتِه وانعكاسِ سلوكاتِه وتأسيسِ شخصيَّته.[١][٢]
تعريف الأسرة
تُعرَفُ الأسرةُ بأنَّها الرِّباطُ الشَّرعي والاجتماعي الذي يَجمَعُ رجلاً بامرأةٍ بعلاقةٍ غريزيَّةٍ شرعيّة تَضمنُ للطَّرفينَ حقوقهما والتزام كلِّ طَرفٍ بواجباتِه، ثمَّ تتَّسِعُ لتشمَلَ ذريَّة الطَّرفينِ وأقارب كلٍّ منهما؛ فهيَ مؤسَّسةٌ اجتماعيَّةٌ قائمةٌ على مبدأ الشَّراكةِ بين جنسينِ لتُوفِّرَ لكلٍّ منهما حاجاتِه البيولوجيَّةِ والغريزيَّةِ ضِمن حدودِ الدِّينِ والقانون، فتَمنحُ الأطرافَ حقوقَهم في الرِّعايةِ والأبوَّةِ لِتبدأ الشَّراكةُ بالتَّوسُّعِ بالإنجابِ ودُخولِ شُركاءَ جُدد لِتسمَّى الأسرة عندها بالأسرةِ النَّواة، ويُمكِنُ اعتِبارُ أقاربِ الطَّرفينِ من أصولٍ وفُروعٍ وقراباتٍ ضمنَ مُكوِّناتِ الأسرةِ أيضاً لتكونَ الأسرةُ النَّواةُ مُحتواةً بأسرةٍ أخرى تضمُّ عناصِرَ وعلاقاتٍ أكثرَ توسَّعاً تُسمَّى حينَها الأسرةُ المُمتدَّة.[٣][٤]
وظائف الأسرة
كانت الأسرةُ قديماً تَعتَمِدُ اعتماداً كلياً على الطَّبيعةِ وظُروفِها لتوفيرِ لُقمَةِ العيشِ لضمانِ استمرارِ بقائها في حدودٍ جغرافيَّةٍ معيَّنة، وكانت الأسرة تتماشى مع التغيُّراتِ والتَّفاعلاتِ البيئيَّةِ والطَّبيعيَّةِ بالارتِحالِ والتكيُّفِ واعتمادِ نمطٍ معيشيٍّ مُعيّنٍ يضمن أمنَ الأسرةِ البيولوجيِّ والأمنيِّ على حدٍ سواء، ومع تطوُّرِ الحياةِ وازدِهارِ الحَضارات، بَدَت الاحتياجاتُ الأسريَّةُ أكبَرَ من ذي قَبل؛ فالضَّروراتُ تتوسُّعُ وتزدادُ والمُتطلَّباتُ متغايرة، وأصبحت الحاجةُ لتكوينِ الأسرةِ لا تتوقَّفُ على الغذاء والحمايةِ والإنجابِ كما كانت سابقاً، بل أصبحت وظائفها أكثر توسُّعاً وأشمل اختصاصاً وشموليَّة.
أصبح على الأسرة -في الوقت الحالي- تخطيطُ جميعِ مُدخَلاتِها البيئيَّةِ والفطريَّةِ وتفاعلاتِها السُّلوكيَّةِ والأمنيَّةِ والتَّربويَّةِ وحتَّى الاجتماعيَّةِ لِضمانِ الاستِقرارِ البيولوجيِّ والاجتماعيِّ والأمنيِّ، ثمَّ مع استمرارِ التطوُّرِ والازدهار، وتوسُّعِ المَناطق المعيشيَّةِ إلى مناطِقَ مُتخصِّصةٍ بتنظيمِ السَّكنِ والمعيشة كما في القرى والمدن والبلدان، اختُزِلت وظائفُ الأسرةِ شيئاً فشيئاً لِتعاوِدَ حاجَتها ووظيفتَها للمتطلَّباتِ الثَّلاثِ الأولى، وكانَ ذلك بداعي الاعتِمادِ على المَنظومةِ الأوسعِ والأشملِ وهي المُجتمعُ وأنظِمته ومؤسساته.[٥] عُرِفَت للأسرةِ وَظائف تختصُّ بها وتُذكرُ في شمائلها، ومن هذه الوظائف:
الوظيفةُ البيولوجيَّة
تَنفَرِدُ الأسرةُ بِشرعيَّةِ العلاقةِ الجنسيَّةِ ديناً وقانوناً في مُختَلفِ البِلاد، فتوفِّرُ لِكلا الزَّوجينِ حاجته البيولوجيَّةِ في بناءِ العلاقةِ الجنسيَّةِ وتكامُلِها، وما يَترتَّبُ على ذلِك من استِقرارِ الزَّوجينِ وإشباعِ رَغباتِهما، مع مراعاةِ إنفاذِ الحقوقِ والواجباتِ الموكَلَةِ إلى كلِّ فردٍ منهما، وتنبَثِقُ عن هذه الوظيفة جزئيَّةٌ مُهمَّةٌ تُصنَّفَ كوظيفةٍ رئيسيَّة للأسرةِ ألا وهي التَّكاثر، وبتحقيقِ المصلحة الجسدية المتمثلة بالجنس العفيف يتحقق الأمن الأسري وما ينبنى عليه من أمان المجتمع وصلاحه، ويثمر ذلك في الصحة البدنية للأزواج بعيداً عمَّا يسوقه الجنس المحرَّم من أمراض وآفاتٍ بدنيَّة ومجتمعيَّة، وانفلاتٍ أخلاقي واختلاطِ الأنسابِ.[٦]
المحافظة على النَّوعِ الإنسانيِّ
في الزَّواجِ ضمانٌ لاستِمرارِ النَّوعِ الإنسانيّ وتَكاثره، وإن كانَ التَّكاثُرُ يحصُلُ بغيرِ الزَّواجِ أيضاً بالعلاقاتِ غير الشَّرعيَّةِ في الأنظمة التي تُبيحُ ذلك، إلا أنَّ الزَّواجَ هو الطَّريقةُ المُثلى والأسمى لتكثيرِ النَّسلِ السَّليمِ من الأمراضِ والتشوُّهاتِ الخلقيَّةِ المعروفة في غيره من طرق التَّكاثر، كما أنه الضَّمانُ التَّربويُّ لبناءِ الطِّفلِ تربوياً واجتماعياً وثقافياً في بيئةٍ مُستقرَّةٍ يَعرفُ الطِّفلُ عناصِرها ويرتاحِ للتَّرابطِ والمودَّةِ التي تسودُها، وتُعدُّ وظيفة التناسل والتكاثر والمُحافظة على النوع الإنسانيِّ من أسمى وأهمِّ وَظائفِ الأسرة التي حَضَّت عليها الشريعة الإسلاميَّة وجَعلتها أولويَّة اجتماعيَّة وقِيَميَّة.[٧]
الوظيفة الاجتماعيَّة
يتمثَّلُ دورُ الأسرةِ في هذا البابِ بتوفيرِ الرِّعايةِ والشُّعورِ بالمسؤوليَّة، الأمر الذي يَجلِبُ المَنفعةَ لجميعِ الأطرافِ بما يَتضَّمنهُ هذا الجانبُ من تحقيقِ التَّعاونِ الذي يَجلِبُ الاستقرار والرَّاحةَ النَّفسيَّة، ويُحقِّقُ المعنى الإنسانيّ لتكوينِ الأسرةِ المُستَقرَّةِ، لِما بُنيَت عليهِ الأسرةُ من سلامةِ الفِطرةِ وتوزيعِ الأدوارِ وأداءِ الحقائقِ والواجباتِ، فيتحقَّقُ التَّرابطُ والألفة، ويشتدُّ المجتمع ويتماسك، فيكون بذلك صلاح المجتمع ومَنعتُه وتقدمه.[٨]
الوَظيفةُ التَّربويَّة
باعتِبارِ الأسرةِ مَدرسةُ الطِّفلِ الأولى، فإنَّها تحمِلُ على عاتِقِها تكوينَ الطِّفلِ وتأديبه وإكسابه السُّلوكاتِ والقيمِ الحَسنةِ، وتَعليمه العادات والتَّقاليد النَّاظِمة لسلوكِ المُجتَمعِ الأوسعِ، وفي الأسرةِ تُصبَغُ معارفُ الطِّفلِ وشخصيَّته وانتماؤه، وبِنظامٍ يجري في هذه المؤسَّسةِ بِقصدٍ أو بغيرِ قصدٍ يَكتَسِبُ الطِّفلُ قِيمَهُ ومبادءه، وتُصقَلُ مهاراته وتضبطُ انفعالاته، وتُنمَّى مواهِبَهُ وتُغذَّى قُدُراته وطاقاتُه، فيخرج للمجتَمَعِ مؤهَّلاً بالقَدرِ الذي يُمكِّنُهُ من حفظِ شخصيَّتِه وضبطِ سُلوكاتِه وتَصرُّفاتِه دونما تأثيرٍ من البيئة المجتمعيَّةِ المُحيطةِ ليكونَ عنصراً فاعلاً يَرفِدُ المُجتَمعَ ولا يذوبُ فيه.[٩]
الانتماءُ والحب
يَتحقَّقُ في هذا الجانِب انتماءُ الفردِ ومَدنيَّته؛ إذ تُعدّ الأسرةُ العاملَ الأوّل والأبرزَ في غَرسِ مفاهيمِ الولاءِ والانتِماءِ لدى أفرادِها، ذلك لما يتحقَّقُ من خلالِ تفاعُلاتِها من إثراء الجانبِ التَّعاونيِّ والمَدنيِّ لدى الطِّفلِ، فيتأصَّلُ لديهِ الشُّعورُ بالمسؤوليَّةِ وربطُ المصلحةِ الشَّخصيَّةِ بالجماعة، ويتعمَّقُ لديهِ الإحساسُ بالحبِّ والوفاءِ، فيبادرُ لتقديمِ العونِ ويَنضَبِطُ بقوانينِ الأسرةِ والتزاماتِها، ويَستَشعِرُ الرَّقابةَ الذَّاتيَّةَ في نَفسِهِ ويُقدِّرُ حجمَ الفائدةِ أو الضَّررِ في جميعِ سلوكاتِهِ فيتولَّدُ من ذلكَ مواطنٌ صالح.[٩]
إقامة الدين
من أهمّ وظائف الأسرة ومَطالب صناعتها وتأسيسها إقامة الدين في أرض الله تحقيقاً لواجب الاستخلافِ الذي قامت عليه البشريَّة، والأسرة ببساطة تَكوينها هي حجر الأساس الذي تبدأ منه الدّعوة والصلاح، فإن تَحقَّق الدين في أفرادها واستثمر كان لها الأثر العظيم في تأدية هذه الوظيفة على الوجه الأمثلِ المطلوب والموكل إليها، ثمَّ استحكم في المجتمع على سعته لتكون بذلك مِحراك الدّعوة بالأخلاق والفهم السليم.[١٠]