تعرف علي شخصية شجرة الدر
شجرة الدر قيل بأنها “ارمينيّة” ، من خوارزم ، تلقب بـ(عصمة الدين أم خليل) ، كانت جاريةً للسلطان “الصالح نجم الدين أيوب” ، كانت تحظى بمكانة عالية عند السلطان فقام بعتقها وتزوج بها،بعد وفاة السلطان بايعها كبار الدولةِ والمماليك لتتولى بعدها عرش مصر لمدة ثمانين يوماً ، وتزوجت بعدها بالمعز أيبك .
كان لشجرة الدر دوراً كبيراً في معركة (المنصورة) ، خلال الحملة الصليبيّة السابعة على مصر ، حيث علم الصليبيين بوفاة الصالح نجم الدين أيوب ، وكانوا يعسكرون في دمياط ، وفي هذه الأثناء وصلتهم امدادات فرنسية ، قام بتسليم تلك الإمدادات شقيق الملك لويس التاسع “الفونس دو بويتي” ، مما أعطى دفعةً للصليبيين للهجوم على القاهرة ، أعدوا العدة وخرجوا بقيادة شقيق الملك لويس “روبرت دارتوا” ، وقاموا بمباغتة المعسكر المصري على بعد ثلاثة كيلومترات من المنصورة ، وقاموا بقتل الأمير فخر الدين يوسف هناك ، تردد خبر الهجوم إلى القاهرة فعرض الأمير ركن الدين بيبرس (الظاهر بيبرس) على شجرة الدر خطةً لإيقاع بالصليبيين في مصيدة ، وتمت المافقة على الخطة الموضوعة من قبل شجرة الدر ، فقام على الفور الظاهر بيبرس و أقطاي بتنظيم صفوف الجيوش المنسحبين ، وتوجهوا إلى المنصورة ، وطلبوا من السكان التزام الصمت والهدوء ليعتقد الصليبيين من أن المدينةَ تخلوا من السكان ، وبالفعل اعتقد الصليبيين بأن المنصورة قد هجرها أهلها ليقعوا لالفخ باندفاعهم داخل المدينة وأسرعوا باتجاه القصر للإستيلاء عليه ، عند إذ قامت الجيوش بقيادة بيبرس بالإجهاز عليهم ، ساعدهم في ذلك أهالي المدينة والمتطوعين ، وقام قائدهم بالإختباء في أحد البيوت لكن الناس عثروا عليه ، وقتلوه ، ولم يبقى أمام الصليبيين سوى الموت أو القاء أنفسه داخل نهر النيل ، لتنتهي المواجهة بانتصار بيبرس على الصليبيين نصراً ساحقاً ، ولم ينجوا من الصليبيين سوا واحد أو اثنان ، وسجلت تلك المواجهة الظهور الأول للمماليك في مصر كمصريين مدافعين عن أرضها ، وكانت بداية عهد المماليك المكللة بالإنتصارات ابتدأت تلك الحقبة في عهد شجرة الدر ، وكان من أبر هؤلاء المماليك (الظاهر بيبرس ، أيبك ، قلاوون ، قطز) وغيرهم .
بعد هذا النصر تنكر السلطان لشجرة الدر وطالبها بمال أبيه ، لتخبره بأنها قد أنفقته في أمور الحرب ، وتدبير الأمور الداخليّة للبلاد ، ولكنه شدد الخناق عليها ، وتعالت تهديداته لها ، فعملت على الهروب إلى القدس خوفاً من غدره . أما “توران شاه” فقد اتسع بدائرة تهديداته ليشمل المماليك ، وأنكر فضلهم بالنصر الذي حققه هؤلاء الأمراء على الصليبيين ، وعمل على التخطيط للخلاص منهم ، لكنهم كانوا الأسرع ليموت قتيلاً على يد “أقطاي” .
وبعد قتله ، تغير الحال في مصر ليصبح الأمراء المماليك أصحاب الكلمة الأولى في مصر ، باستلامهم لمقاليد الحكم هناك ، وكان لابد لهم من اختيار سلطانٍ ، فقاموا بمبايعة (شجرة الدر) ، وكانت من أهم الإنجازات في عهدها هو تركيز جل اهتمامها على تصفية الوجود الصليبي في مصر ، وكان لها ذلك عند عقد اتفاقيّة مع الملك لويس ، والذي كان أسيراً ، ينص هذا الإتفاق على تسليم دمياط وفك أسره مقابل فديةٍ مالية ، يقوم بدفع نصفها قبل مغادرته أرض مصر ، وما تبقى عند وصوله لعكا ، مع التعهد بعدم العودة إلى السواحل العربية والأسلامية مطلقاً .
بالرغم من مهارتها وحنكتها أثناء توليها لعرش مصر ، فلم تدم على ذلك العرش طويلاً ، حيث اشتدت حدة المعارضة على حكمها ، كونها إمرأة تجلس على عرش مصر وتتولى زمام أمورهم ، وأيضاً عارض علماء الدين هذا الأمر ، من جهةٍ أخرى ثار الأيوبيين في الشام لاغتصاب المماليك الحكم في مصر ، ومقتل توران شاه ، ورفض العباسيين الإقرار بالإنتصار الكبير الذي حققه المماليك ، وأنكروا حكم امرأة للعرش برسالةٍ وجهها اليهم المستعصم قائلاً فيها : “إن كانت الرجال قد عدمت عندكم ، فأعلمونا ، لنسير الرجال إليكم” !
على اثر هذه الأحداث ، تنازلت شجرة الدر عن العرش للأمير عز الدين أيبك ، بعد زواجها منه ، ولقب بـ(الملك المعز)، بعد تمكن أيبك من الحكم ، انقلب على شجرة الدر ، وتخلص من جميع منافسيه ومناوئيه في الداخل والخارج ، وقام بالإعداد لزواجه من أخرى ، الأمر الذي أغضب شجرة الدر ، فقامت بتدبير الخطط للتخلص منه ، عبر ملاطفته ومحاولة التقرب منه ، طالبةً عفوه وغفرانه ، فانطلت عليه الحيلة باستجابته لها ، وزار القلعة حيث كانت ، ولم يعد منها ، حيث لقي حتفه في ظروفٍ غامضة ، أما شجرة الدر فقد أعلنت بأنه قد توفي فجأةً في الليل .
لم يصدق المماليك ما قالته ، وقاموا بالقاء القبض عليها ، وقادوها إلى امرأة عز الدين أيبك ، والتي بدورها أمرت جواريها بقتلها بعد عدة أيام ، لتموت ضرباً بـ(القباقيب) على رأسها ، والقين بها من فوق أسوار القلعة ، ولم تدفن الا بعد عدة أيام ، لينسدل الستار بموتها على حياة امرأة يشهد التاريخ بذكائها وحنكتها .